رغم كل المناورات السياسية، والبيانات الاستهلاكية عن حدة التوتر بين الشرق والغرب حول تخفيض الأسلحة ووضع حد لإنتاج أدوات الفتك والتدمير النووية والتنافس في تقسيم مناطق النفوذ وقهر الشعوب المستضعفة والاستيلاء على أكبر قدر من موارد الدول النامية وحرب الكلمات حول الألغام ونصب الصواريخ في بعض أنحاء العالم، هناك اتفاق سري وتعاون إستراتيجي بين المعسكرين: الشرقي والغربي حول تقويض البلاد العربية والإسلامية ومحاربة كل فكرة وحركة تنادي بجمع شمل المسلمين والعودة إلى كتاب الله المبين، وتنفخ فيهم روح الجهاد والنضال للذود عن الكرامة والشرف واستعادة المجد الغابر والنهوض بالأمة الإسلامية على مستوى قيادة الركب البشري في ظل القيم والمبادئ المثالية.
وذلك لأن الدول الاستعمارية تدرك حق الإدراك أن التحرك الإسلامي هو العائق الوحيد في تنفيذ مخططاتها وإيقاف هيمنتها على الشعوب الإسلامية المقهورة وأن دعوة البعث الإسلامي الجديد هو السبيل لخروج تلك الشعوب من حالة الذل والاستعباد وبالتالي ضارة بمصالح الدول الكبرى.
الإيمان القوي حينما يخامر العقل والقلب يذيب الجليد ويلين الحديد ويفك الأغلال والقيود ويحول الشعوب المنكوبة إلى ثورة عارمة ويملأها بالحيوية والنشاط وأن الشرارة الإيمانية الكامنة في نفوس المسلمين حينما تجد اتجاهها الصحيح تأتي على جميع الأفكار والأيديولوجيات الباطلة وتحقق النصر لمبادئ الحق والخير.
هذه هي الحقيقة التي تُحدث المخاوف وتلقي الرعب في صفوف أعداء الإسلام على المستوى الدولي ومن هنا تكون المخابرات الدولية في رصد مستمر للتحركات الإسلامية وتخطط للقضاء على الاتجاه الإسلامي.
وقد جاءت هذه المخاوف واضحة في الدراسة التي نشرت في أمريكا مؤخرًا وقام بها أحد المسؤولين في الخارجية الأمريكية سابقًا وهو دانيل بایبس أستاذ تاريخ محاضر مركز جامعة هارفارد للدراسات الشرق أوسطية يقول في مقدمة المقال: ظهر نجم المسلمين المتعصبين في السنوات الأخيرة كقوة سياسية كبيرة في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا يشكلون خطرًا يهدد المصالح الأمريكية.
ثم يحدد الخطوط التي يجب أن تكون أساسًا للسياسة الأمريكية في الدول الإسلامية التي يراها صاحب الدراسة صديقة للولايات المتحدة الأمريكية ويذكر أسماءها ويعتبرها مركز نشاط الجهود الإسلامية وهذه الخطوط هي:
1- عدم تقديم المساعدة للقائمين على الحركات الإسلامية ورصد نفوذ المتدينين والاتصال الدائم معهم لفهم وجهات نظرهم.
2- نصح تلك الحكومات بعدم إدخال المتدينين في أجهزة الحُكم لأن مشاركتهم في الحكومة وتنفيذ برامجهم يقود حتمًا إلى عدم الاستقرار وانتهاج سياسات معادية لأمريكا.
3- تخفيض الروابط الأمريكية المعلنة بالحكومات الإسلامية وخاصة في البلدان التي تكون فيها حركات متعصبة قوية فهنا لا بد من إقامة تعاون سري بدلًا من الروابط المعلنة والواضحة.
هذه هي ورقة عمل للسياسة الأمريكية نحو المتدينين في الدول الصديقة حسب تصور أحد رجال المخابرات الأمريكية وهناك توجيهات مماثلة للتعامل في الدول الاشتراكية والمحايدة.
هذا هو التصور الأمريكي نحو الحركات الإسلامية أما الاتحاد السوفياتي فموقفه واضح من المتدينين في معظم الدول الاشتراكية، وهل كان التدخل العسكري في أفغانستان إلا تحسبًا من انتشار المد الإسلامي في الجمهوريات التي تقع تحت احتلال روسيا وهي مجاورة لأفغانستان؟
فما المكاسب التي حققها الإسلاميون في السنوات الأخيرة الماضية التي تبعث الدول الكبرى على الخوف وتلاحقها كالكابوس رغم كل ما تملكه من الأساطيل البحرية والبوارج المدمرة والرؤوس النووية؟
هذه هي الصحوة الإسلامية التي تغزو كل دولة في العالم والمد الإسلامي الذي وصل حتى في عقر دار الأعداء وكاد أن يدخل في كل بيت وبر ومدينة بعز عزيز وذل ذليل، والوعي الشعبي الذي بلغ إلى درجة المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية ورغبة العيش في ظل الإسلام ورفض كل الأنظمة والقوانين الوضعية والتمسك بالعقيدة والالتزام بالآداب الإسلامية الذي أصبح ظاهرة عامة في الشباب المسلمين وعودة الفتيات المسلمات إلى زي الاحتشام إلى جانب الجهود الفعلية لإنشاء البنوك الإسلامية وأسلمة المعرفة وازدياد تذمر الشباب من الحياة الغضة في الغرب وابتعادهم عن مراكز الفساد رغم كل الإغراءات.
هذه هي قنابل إيمانية تخاف منها قوى الشر والطغيان في العالم وتحسب لها ألف حساب وهي تمارس حاليًا الخطوات التالية لصد التيار الإسلامي:
1- الدعاية المُكثفة ضد المتدينين عبر أجهزة الإعلام وقنوات الاتصال المختلفة والحملات المسعورة ضد المظاهر الدينية بعنوان محاربة التطرف الديني والمغالاة في الدين واعتبار كل مظهر ديني تعصبًا ممقوتًا.
2- عرض الأساليب المختلفة أمام تلك الأنظمة لتحجيم العمل الإسلامي وذلك بعد تخطيط دقيق ودراسات شاملة من قِبَل رجال المخابرات.
3- تشجيع العلمانيين على اختلاف ألوانهم وأشكالهم على محاربة الفكر الإسلامي وحشدهم في القطاعات الإعلامية والمراكز الثقافية لتحبيذ الفكر العلماني كبديل للمبادئ الإسلامية.
فهذا يردد شبهات المستشرقين حول الكتاب والسُنة وذاك ينادي أن العروبة هي الطريق إلى الله ويشحن القلوب بالمنافرة على أساس الجنس واللغة وثالث يشكك في صلاحية الإسلام في هذا العصر وآخر يحاول نشر المبادئ العلمانية والشيوعية بين أبناء المسلمين.
وهذا جزء من اللعبة الدولية لاحتواء العمل الإسلامي وقطع صِلة الناس عن دينهم وعقيدتهم وأن أجنحة المكر: الصهيونية، والصليبية، والماسونية والشيوعية كأداة تنفيذ المخططات الاستعمارية في مكر دائم وكيد مستمر يجب أن يكون المسلمون على حذر منها. (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (آل عمران: 54)(1).
_____________________
(1) منشور في العدد (781)، 28 ذي الحجة 1406هـ/ 2 سبتمبر 1986م.