عبر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها»، وجدناه يشير إلى إستراتيجية في التعامل مع الأزمات، وفق ضوابط ومسارات، تجعل من الأزمات بمثابة عنصر محفز للإنجاز، بل الإبداع فيما يتم إنجازه، وذلك عبر «فليغرسها»، كما تضمنت إشارة «فليغرسها» لفقه التعامل مع الأزمات حيال مفهوم «الفُرص».
إن «فليغرسها» جاءت في سياق الحديث في ساعة عصيبة، وهي ساعة يوم القيامة، وهي بلا شك أعظم في أن تتصور الدمار الذي تحدثه مقارنة بدمار حروب الأرض أو الكوارث التي يتعرض إليها الإنسان على هذا الكوكب، غير أن امتثال المسلم وإيمانه بما في يد الله، وليس فيما بيد الأسباب تجعله ممتثلاً للغرس بما اجتهد به، ليطلقه في ساعة عصيبة كهذه، مستعداً على الدوام بمشاريع ومنتجات، يتعبد من خلالها بدافع إيماني من أن هذا الدين، دين إنجاز وعمل، وشكر الله، فالتوجيه الذي جاء في (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً) (سبأ: 13) ارتقاء فيما نؤمن به من قيم نحو تشغيلها، وبمعية يستمدها المسلم من الله بالتوجيه والإرشاد والهداية في كل ما يقوم به من إنتاج أو إنجاز.
تعريف الأزمة ونطاق الأزمات
إن بعض الباحثين من عرّف الأزمة بالمفهوم الاجتماعي، وآخرين بالمفهوم السياسي، والبعض عرفها بالمفهوم الاقتصادي حيث أشاروا:
– يُقصد بالأزمة من الناحية الاجتماعية: توقف الأحداث المنظمة والمتوقعة واضطراب العادات؛ مما يستلزم التغيير السريع لإعادة التوازن، ولتكوين عادات جديدة أكثر ملاءمة.
– أما من الناحية السياسية: حالة أو مشكلة تأخذ بأبعاد النظام السياسي، وتستدعي اتخاذ قرار لمواجهة التحدي الذي تمثله سواء كان إدارياً، أو سياسياً، أو نظامياً، أو اجتماعياً، أو اقتصاديا، أو ثقافياً.
– ومن الناحية الاقتصادية: انقطاع في مسار النمو الاقتصادي حتى انخفاض الإنتاج، أو عندما يكون النمو الفعلي أقل من النمو الاحتمالي.
– والأزمة لغةً: الشدة والقحط، والأزمة هو المضيق، ويطلق على كل طريق بين جبلين مأزم، وبالإنجليزية «Crisis».
مما سبق وباستقراء تعريفات الأزمة في أدبيات الإدارة، يتضح وجود عناصر مشتركة تشكل ملامح الأزمة وتتمثل في:
– وجود خلل وتوتر في التواصل والعلاقات.
– وجود عائق أو عوائق.
– شحة في الموارد.
– شحة في الخبرات.
– الانتظار حين يطول.
– عدم القدرة على تحقيق الأهداف.
– عدم توفر مهارات للإنجاز.
– الحاجة إلى اتخاذ قرار.
– عدم القدرة على التنبؤ الدقيق بالأحداث القادمة.
– نقطة تحول إلى الأفضل أو الأسوأ.
– الوقت يمثل قيمة حاسمة.
وقد عُرفت الأزمة -تأسيساً على ما تقدم- بأنها «حالة غير عادية تخرج عن نطاق التحكم والسيطرة، وتؤدي إلى توقف حركة العمل أو هبوطها إلى درجة غير معتادة، بحيث تهدد تحقيق الأهداف المطلوبة من قبل المنظمة وفي الوقت المحدد».
مؤشر البوصلة في الأزمات
تكمن وظيفة البوصلة الرئيسة في مَنحنا المسار الذي يتوجب علينا اتخاذه من أجل أن نصل إلى بر الأمان، غير أنه إن اعترى البوصلة الخلل واعتمدنا على ما ترشدنا إليه من مؤشر ضللنا الطريق، بل نكون قد هدرنا الزمن الذي كان من الأجدى أن نوجهه لما هو أهم وأولى، وثمة ما يجعل مؤشر البوصلة متجهاً لوجهات مضللة، في مثل ما تقوم به آلة الإعلام ووسائل الإعلان والتواصل الاجتماعي؛ حين توهم المجتمعات بأنماط حياة غير سوية على أنها تشكل توجهاً مجتمعياً، وما هي بذلك، وتقذف عبر ما تنتجه من أفلام ومسلسلات تلفازية بما يعزز لأفهام مغلوطة ليعاد النظر في مفهوم الأسرة مثلاً، أو في المناداة بالمساواة بين الجنسين، أو لحق المثليين باعتباره ناتجاً عن جين وليس عن سلوك شاذ بقصد حشد التعاطف!
وكذلك حيال مفهوم «الإنجاز»، ومفهوم «الأزمات»، فقد حرص الغرب على التفاضل عن مجتمعات الشرق، ليعلنوا عن تعاريف مستحدثة في مجالات المبادئ والقيم والريادة، وعبر أدواتهم من إعلام ومناهج وأنماط حياتهم ومنتجاتهم تمكنوا من إحداث شرخ فيما كان بحكم المسلّمات ليعاد النظر فيها وفق تشريعاتهم ونظمهم ومعتقداتهم.
وبناء على هذه التعاريف، أصبح الآخرون غير المنتمين لمجتمعات الغرب يشعرون بالنبذ، بل بالدونية؛ وهو ما عزَّز لديهم الشعور بأنهم متخلفون وغير قادرين على مواكبة التقدم الذي وصل إليه الغرب، ذلك وفق ما فرضوه من تعريف حيال «الإنجاز»، وصارت المنتجات الغربية التي تشبعت بها الأسواق العالمية تؤكد ذلك.
وما يمر بالعالم العربي من أزمات أدت إلى فقد عناصر رئيسة في استمرارية الحياة في مثل الطعام والماء والكهرباء والمأوى، فحياة المهجّرين في المخيمات، التي طالت سنوات، بل عقوداً، وحياة من هم تحت الحصار؛ ما جعلهم يحفرون الأنفاق من أجل تأمين أسـاســيات الحياة، واختلاق الأنشطة الإرهابية، جميعها، وهي مجرد نماذج عززت في التضليل بما جعل مؤشر البوصلة فاقداً لوجهته.
غير أن الإسلام منحنا مفهوماً للإنجاز مختلفاً حين يكون حتى بالسكون لا فقط بالحركة، فبمجرد النية بالتقوّي على ذكر الله، حينها يكون النوم محلاً للأجر، وحديث إنما الأعمال (السلوكيات، والإنجازات) بالنيات يعزز لذلك، كما أن «لكل امرئ ما سعى»، وأن «ليس للإنسان إلا ما سعى» ذلك مؤشر حيال مفهوم الإنجاز المدفوع بالسعي فحسب، وما السعي إلا ببذل السبب والتوكل على الله، عبر نيّة في السعي مدفوعة بالإعمار، والإعمار للأرض يكون بمزيج بذل أسباب قبضة طين الأرض والارتقاء بالقلب (نفخة من روح الله) معاً.
حينها يكون الغرب عبر تعريفنا نحن المسلمين للإنجاز، سيعتبرون في أزمات، حين ضاقت عليهم مدنهم وعجت بناطحات السحاب، أو بالاكتظاظ السكاني، أو بتسارع الوقت؛ ما جعل معدلات القلق تزداد لديهم، فمعدلات الانتحار والرغبة بالانتحار تزداد لديهم حتى وصلت إلى الأطفال! تلك حياة مليئة بالأزمات، وهو ما حمل العديد منهم بالرغبة في الانتقال عيشاً في دول الشرق الأوسط على ما يشوب دوله من عدم استقرار وتخلف بالخدمات!
وعبر مقارنة نتائج ما توصل إليه البروفيسور الهولندي هوفستد حيال سمات شعوب العالم عبر معيار من 5 عناصر لدول العالم المتقدم ببعض سمات دول من العالم النامي، سندرك حجم الأزمة التي تعصف في الدول الغربية، حين تكون معدلات العزلة مرتفعة، واللحمة المجتمعية ضعيفة، نستعرض ذلك على سبيل المثال لا الحصر.
فنلاحظ تعالي نسب الانعزال في المجتمعات المتقدمة، مثل: ألمانيا (67%)، أمريكا (91%)، فلندنا (63%)، وهو ما يشير لمعدلات الاكتئاب والرغبة في الانتحار التي اجتاحت مجتمعاتهم، في حين معدلاتها منخفضة في الدول الفقيرة، مثل: ناميبيا (30%)، سريلانكا (35%)، مصر (25)، ألبانيا (20%)، والتواصل المجتمعي على أوجه فيها.
فعبر مسوح ميدانية شملت معظم شعوب دول العالم، قام البروفيسور هوفستد بمحاولة للتعرف على ما يميز كل شعب عن الشعب الآخر، بما يجعله عبر نتائج هذا البحث أن يستهدف أي شعب عبر السمة التي تميزه عن الشعب الآخر، وقد تمخضت نتائج بحثه عن 5 عوامل، تعتبر وفق نتائج بحثه حاكمة، تجعل لكل شعب ما يميزه عن الباقين، وهذه العوامل هي:
1- مدى سلطوية الشعب كسمة في نمط حياته (Power distance (pdi.
2- مدى رجولية الشعب من أنثويته (Masculinity\femininity (Mas-Fem.
3- مدى قابليته في التعامل مع الغموض (Uncertainty avoidance (UAI.
4- مدى انعزاليه أفراد الشعب مقابل تواصله المجتمعي Individualism \collectivism.
5- مدى تعامله مع المستقبل (Long-\short-term orientation (LTO.
تسلسل | العامل | مثال |
1 | سلطوية الشعب | سلطة الأب الممتدة عائليا، سلطة القبيلة، الحاكم |
2 | رجولية / أنثوية | قيام الرجل بواجبات المنزل عوضا عن الزوجة |
3 | التعامل مع الغموض | دقة التشريعات والقوانين بما يجنب أي احتمالات غير متوقعة |
4 | الانعزالية / اجتماعي | انعزاليه الافراد كالمثول الزمني المطول أمام شاشات الانترنت عوضا عن التواصل جسديا |
5 | المستقبل | المدى الزمني في تحقيق العوائد مع الغير |