دراسة سيرة القائد القسامي الأسير حسن عبدالرحمن سلامة تسهم في تفسير قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود في مواجهة قوة جيش الاحتلال «الإسرائيلي» الغاشمة، وتؤكد أن هذا الشعب يستطيع أن يبتكر الكثير من الوسائل التي لا يتوقعها الاحتلال، ويستخدمها لتحرير فلسطين.
هذا الأسير قاد أطفال فلسطين عام 1987م لإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة على قوات الاحتلال، التي اعتقلته إدارياً 5 مرات من عام 1988م حتى عام 1992م، لكنه استمر يخطط للقيام بعمليات مسلحة كبدت الاحتلال الكثير من الخسائر، وأدت إلى مقتل 46 جندياً، وإصابة العشرات، لذلك أطلق عليه شعب فلسطين لقب «بطل عمليات الثأر المقدس»، وحكمت عليه المحاكم «الإسرائيلية» بالسجن المؤبد 48 مرة.
الاحتلال يرفض الإفراج عنه!
كادت صفقة «وفاء الأحرار» عام 2011م أن تفشل بسبب إصرار حكومة الاحتلال على ألا تشمله الصفقة، لماذا؟!
في تحقيق أجرته أجهزة المخابرات والأمن «الإسرائيلية» عام 2018م مع سلامة، سألوه: هل أنت متفائل بالإفراج عنك؟ أجاب: نعم، وأنا على يقين من ذلك، لكنني أنصحكم أن تسعوا بكل ما تستطيعون، وأن تستخدموا كل نفوذكم لكيلا يتم الإفراج عني.
نظر إليه المحققون بتعجب واستغراب! فقال: أنا سأخرج ليس بموافقتكم، فمن المؤكد أن خروجي سيكون رغماً عنكم وفقاً للصفقة التي ستحدث، لكن والله لئن خرجت لأجعلن الدنيا عليكم جهنم.
كان سلامة يتوقع صفقة تبادل أسرى جديدة، يخرج فيها رغم أنف الاحتلال، فهل سيخرج في الصفقة القادمة؟ ولماذا تخاف سلطات الاحتلال من هذا الأسير إلى هذا الحد؟!
القصة تؤكد خوف الاحتلال
لكي نقدم إجابة متعمقة لهذا السؤال، عدنا إلى مذكرات الأسير سلامة التي تمكن من تهريبها رغم أنف سلطات الاحتلال بعنوان «5 آلاف يوم في عالم البرزخ»، التي يروي فيها معاناته في العزل الانفرادي خلال 13 عاماً، التي وصف فيها عالم العزل بأنه بين عالم الأحياء وعالم الأموات، ولكي يخرج من هذا العزل خاض إضراباً عن الطعام استمر 28 يوماً، ولم يكن ذلك هو الإضراب الأول، لكن لماذا يمكن أن يقاسي الأسير عذاب الحرمان من الطعام أياماً طويلة ليخرج من العزل؟!
حقي في أن أكون إنسانًا!
يقول سلامة: في العزل يحرم الأسير من أن يكون إنساناً، له حقوق حتى في سجنه يجب أن يحصل عليها؛ حيث يحرم من الشمس والهواء، والتواصل مع العالم الذي ينتمي إليه تحت حجج ومبررات أصلها الحقيقي عنصري، ودافعها الكره الأعمى، إنه الظلم الذي تجاوز كل حد، وهذا الظلم سيكون سبباً بإذن الله في زوال الكيان الصهيوني القائم على الظلم، فهل يمكن أن يشهد العالم ظلماً يحرم الإنسان من إنسانيته ككيان متكامل خلقه رب العالمين بمشاعر وأحاسيس، وميّزه بعقل يفكر، وقلب ينبض بنبض الحياة.
يضيف سلامة: كثيراً ما أفكر هل يستطيع الإنسان أن يتفوق بشرّه وإجرامه على الشيطان صاحب الاختصاص؟! فإذا بالمحتلين الصهاينة يتفننون بكل شيء لا أخلاقي ولا إنساني، ويبدعون في الشر والخبث!
ولعل المذابح التي يرتكبها جيش الاحتلال في غزة الآن تقدم إجابة جديدة موثقة بالدم على سؤال الأسير سلامة، فالإبداع «الإسرائيلي» يتجلى في الشر والظلم والقهر والقتل والإبادة والتطهير العرقي.
إنهم متخصصون في تعذيب البشر!
يقول سلامة: نحن المعزولين نعيش في سجون صغيرة جداً مغلقة داخل السجون تم اختيارها من قبل خبراء متخصصين في تعذيب البشر؛ حيث تقام أقسام العزل بحيث تكون بعيدة عن السجناء؛ فإن كان يفصلهم عن العالم جدار، فنحن تفصلنا جدران عديدة، وأسلاك ومسافات، فلا تعرف أين أنت!
الأسير في أقسام العزل يصبح مجرداً من أهم أسلحته، وهو الحياة في محيطه الإنساني، والاتصال بإخوانه وأصدقائه الذين يشعر معهم بالأنس والقوة والمؤازرة، ويحدثهم ويتحدثون إليه.
لكن كيف يمكن أن يواجه الأسير هذا العذاب؟! يجيب سلامة: في زنازين العزل يجب أن يستخدم الأسير كل أسلحته النفسية التي تساعده على الصمود كالإرادة وقوة الشخصية والشكيمة والجرأة وقوة الإيمان، وما يملكه من مخزون ثقافي ومفاهيم ومبادئ.
تجارب الإضراب عن الطعام
أدرك الأسرى في العزل الانفرادي أن هدف الاحتلال قتلهم بشكل بطيء؛ لذلك بدأت أول تجربة إضراب عن الطعام خاضها سلامة عام 1996م، استمرت لمدة 16 يومًا، لكن تلك التجربة لم تحقق الهدف.
أما التجربة الثانية للإضراب عن الطعام فقد استمرت 15 يوماً، وكانت النتيجة السماح له بممارسة الرياضة خلال فترة «الفورة»، التي يسمح فيها للأسرى بالخروج من الزنازين لمدة ساعة.
لكن بعد الإضراب يشعر الأسير بنشوة الانتصار على السجان والقيود، حيث يفرض بصموده على إدارة السجن أن تحترمه.
وقرر سلامة أن يخوض إضراباً جديداً عن الطعام ضد العزل الذي يعتبره طريقة إجرامية للانتقام من الأسير، واستمر هذا الإضراب –الذي كان شعاره الخروج من العزل أو الموت– 24 يوماً، رفض أن يتناول خلاله سوى الماء، وقرر ألا يفك الإضراب إلا بعد أن يكون مع الأسرى في السجن العادي.
ورغم الوعود التي قطعتها الإدارة، فإنها خدعت الأسرى، ولم تنقل الأسير سلامة إلى السجن العادي، فبعد كسر الإضراب، تم نقله إلى عزل جديد في سجن عسقلان.
لذلك، قرر الأسرى الدخول في إضراب عام مفتوح عام 2000م، وكان من أهم مطالبه خروج المعزولين، واستمر 20 يوماً، وكانت نتيجته خروج جميع المعزولين إلى الزنازين العادية، وتم نقل سلامة إلى سجن نفحة ليعيش مع الأسرى.
قوة الإيمان
يقول سلامة: لم أكن أسمح لنفسي أن تظهر أي ضعف أو انكسار، فالموت أهون من شماتة الأعداء، لذلك كان ملاذي وملجئي مناجاة ربي، والبكاء بين يديه، كنت أشعر بقوة الإيمان التي تعينني على الصمود، فالإنسان ضعيف جداً، ولا يستطيع بما يملكه من قوة جسدية مواجهة كل تلك التحديات، لذلك يلجأ إلى الله يستمد منه القوة.
المعركة مستمرة والاحتلال سيزول
يضيف سلامة: إن مواجهة هذا الاحتلال تحتاج إلى إيماننا بعدالة قضيتنا، وأن هذا المحتل إلى زوال، وأن ما يقوم به من ممارسات عنصرية في العزل جزء من كل ما يتعرض له أبناء شعبنا في معركة مستمرة.
صمودك يجعل الاحتلال يشعر أنك على حق، وجذورك راسخة في هذه الأرض، وهو على باطل، وليس له جذور، وأن نهاية المشروع الصهيوني ستكون على أيدينا المتوضئة؛ فهذا ما نحن على يقين منه طال الزمن أو قصر.