العبادة أعظم طريق يقرب العبد إلى ربه، وبها تطهر النفس وتزكو، ومن أعظمها عبادة الذكر؛ لما لها من شرف رغم سهولتها بإمكان أدائها في كل حال، كما قال الله عز وجل: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ {190} الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ) (آل عمران).
والأذكار كثيرة كما هو معلوم، ومن أعظمها وأكثرها ترددًا في نصوص الوحي الاستغفار والتسبيح، إلا أن السؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن هو: أيهما أفضل، الاستغفار أم التسبيح؟ وهل هناك أفضلية في بعض الحالات عن الأخرى؟، وفي هذا المقال نحاول الإجابة عن ذلك.
تعريف الاستغفار والتسبيح
الاستغفار: التوبة وطلب الغفران، وهو متضمن الاعتراف بالذنب ومفارقته والندم عليه مع الرجوع إلى طريق الحق، وقد حث الله تعالى عباده على المسارعة بالاستغفار من خلال بيان ما أعده الله للمستغفرين من نعيم، وذلك في قوله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران: 133).
أما التسبيح: تنزيه الله سبحانه وتعالى عن كل نقص وعيب وكل ما لا يليق به، فهو يتضمن وصف الله بكماله وأسمائه وصفاته، وقد أمر الله تعالى به في قوله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ) (آل عمران: 41)، وتخصيص ذكر التسبيح بعد الحث على الذكر عامة فيه مزيد بيان لفضله.
الأمر بالاستغفار وفضائله
وقد جاء في كتاب الله الأمر المباشر به، مثل قول الله تعالى: (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ) (فصلت: 6)، وكذلك ما مدح الله به عباده المستغفرين في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران: 135)، وقد بينت السُّنة حرص النبي صلى الله عليه وسلم على الاستغفار، بل وكثرته وهو المعصوم صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «واللَّهِ إنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأَتُوبُ إلَيْهِ في اليَومِ أكْثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّةً»(1).
وفضائل الاستغفار كثيرة وعظيمة، منها تكفير السيئات، وسعة الأرزاق، والفوز بالجنان: قال الله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً {10} يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً {11} وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً) (نوح).
عظمة التسبيح وفضائله
يتجلى أعظم سمات للتسبيح أنه من الكلام الحبيب إلى الله، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ»(2)، فما أعظم أن يتقرب العبد لله بما أحب! وهو الذكر الذي تردده كل الكائنات، فيقول الله تعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) (الإسراء: 44).
وللتسبيح فضائل عظيمة: منها زيادة الحسنات وتكفير السيئات، فعن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ»(3)، ومنها إزالة الهم وانشراح الصدر وحلول الطمأنينة والسكينة في صدر العبد، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ {97} فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ) (الحجر).
أيهما أفضل.. الاستغفار أم التسبيح؟
وكما ذُكر، فللاستغفار والتسبيح فضل عظيم وأثر كبير في قلب المؤمن، ولذا فإن التفاضل بينهما يكمن في صلاح أحدهما أكثر من الآخر لحال معين، فالاستغفار يتقدم في الحالات التي تحتاج فيها النفس إلى التطهير من الذنوب والخطايا؛ لأنه الوسيلة الأنسب للتوبة والتقرب إلى الله، التسبيح يتقدم في حال تثبيت الإيمان وتعظيم الله في قلب العبد، فإنه المعين على تقوية العلاقة مع الله عز وجل.
لكن في العموم، يُستحب أن يُداوم المسلم على كليهما، حيث لا يتناقض الاستغفار مع التسبيح، بل يمكن الجمع بينهما في الذكر اليومي، كما ورد في الأحاديث النبوية الشريفة، فإن لكليهما فضلاً يحتاج إليه المؤمن.
وعليه، فيمكننا القول: إن الاستغفار والتسبيح ذكران عظيمان لا يمكن المقارنة بينهما بشكل مطلق، بل يعتمد ذلك على حاجة المسلم لأحدهما في لحظة معينة، لكن المهم أن يلتزم المسلم بأن يكون لسانه دائمًا رطبًا بذكر الله، وأن يكون الاستغفار والتسبيح ديدنًا له في حياته اليومية.
__________________
(1) رواه البخاري (6307).
(2) رواه البخاري (6406).
(3) رواه البخاري (6405).