تواجه دول غربية معضلة كبيرة؛ نتيجة تراجع معدلات الزواج والإنجاب، وتهرّب الشباب من الجنسين من الروابط الأسرية، والاتجاه لعلاقات إباحية، تلبي غريزة الجنس، دون تبعات أو مسؤوليات تتعلق بإنجاب وتربية الأطفال وغيره، إضافة إلى تنامي الشذوذ، وتزايد نفوذ الحركات النسوية الداعية إلى التحرر من رابط الأسرة والأمومة.
هذه المعضلة دفعت دولاً إلى إعلان مبادرات للتشجيع على الزواج، بل تقديم تسهيلات مغرية لإتمام الزواج، والنجاة من شبح الشيخوخة، وتراجع عدد المواليد الجدد؛ ما يهدد تلك البلدان بمشكلات اجتماعية وديمغرافية واقتصادية ضخمة.
على سبيل المثال، تسجل معدلات الزواج تراجعاً كبيراً في سلوفينيا بنسبة بلغت 3.1 زيجات لكل ألف نسمة، بينما سجلت إيطاليا نسبة 3.2 لكل ألف نسمة، والبرتغال 3.3% لكل ألف نسمة، وفق بيانات المفوضية الأوروبية (يوروستات).
الوضع لم يختلف كثيراً في باقي بلدان القارة العجوز، إذ سجلت فرنسا في العام 2019م معدلات زواج بنسبة 3.5 بالألف، وإسبانيا بنسبة 3.7 لكل ألف نسمة، وهولندا 3.8%، وبلجيكا بنسبة 3.9 بالألف، وبلغاريا 4.0 بالألف، ثم المملكة المتحدة بنسبة 4.4 لكل ألف نسمة.
أما اليونان فقد سجلت معدلات زواج بنسبة 4.7 بالألف، وفنلندا وإيرلندا بنسبة 4.8 لكل ألف نسمة، وكرواتيا وإستونيا بنسبة 4.9 بالألف، وألمانيا وتشيكيا بنسبة 5.0 بالألف، والنمسا وبولندا بنسبة 5.1%، ثم السويد بنسبة 5.2 بالألف، بينما سجلت الدانمارك نسبة 5.5 بالألف، وسلوفاكيا 5.8% لكل ألف نسمة.
هذه المعدلات تسببت في أن يصل متوسط أعمار السكان شمالي إيطاليا، على سبيل المثال لا الحصر، إلى 60 عاماً؛ ما يعني شيخوخة متنامية، ستوقف مستقبلاً حركة التصنيع والإنتاج في البلد الأوروبي الذي يواجه شبح الانهيار الديمغرافي.
وجراء ذلك، تعاني إلى جانب إيطاليا دول أوروبية من نقص حاد في اليد العاملة بسبب تراجع معدل الولادات، حيث يبلغ المتوسط لكل امرأة 1.5 طفل، بحسب «يوروستات».
وتقدر دراسة صادرة عن «مركز التنمية العالمية» الأمريكي، حاجة الاتحاد الأوروبي من العمالة الأجنبية إلى أكثر من 43 مليون عامل في العام 2050م.
بل إن التداعيات تتجاوز حدود العمل، وصولاً إلى أن معدل الخصوبة في أوروبا انخفض لدرجة لم يعد معها تجديد الأجيال مضموناً، بحسب صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية.
إزاء ذلك، اضطرت حكومات أوروبية إلى إنشاء وإطلاق برامج عديدة لدعم الأسر، وتقديم إعانات مالية تقارب 100 يورو للطفل شهرياً، وإجازات أمومة وأبوة تصل إلى 9 أشهر مع دفع 70% من الراتب المستحق، في محاولة لتحفيز الأوروبيين على الزواج والإنجاب.
المتزوجون أقلية
وفق دراسة بريطانية، فإن المتزوجين يشكلون أقلية في بريطانيا منذ العام 2008م، ونصف المواليد الجدد تقريباً يولدون من علاقات خارج الزواج، بحسب صحيفة «الديلي ميل».
يقول مكتب الإحصاء الأوروبي: إن 43% من المواليد في الاتحاد الأوروبي ولدوا خارج إطار العلاقات الزوجية، وتصدرت فرنسا القائمة بنسبة بلغت 60%، وبلغاريا وسلوفينيا 59%، وإستونيا 56%، والسويد 55%، والدنمارك 54%، والبرتغال 53%، وهولندا 50%، عام 2016م.
هذه المعدلات في ارتفاع، فرنسا على سبيل المثال سجلت ارتفاعاً وصل إلى 65% من المواليد خارج إطار الزواج عام 2022م، بحسب المعهد الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية.
يضاف إلى تزايد أطفال السفاح، ارتفاع معدلات الطلاق، والتفكك الأسري، وظهور أنواع جديدة من الأسر، منها أب وأم مطلقان ويعيشان معاً خارج رباط الزوجية، وأم بمفردها وأولادها من أكثر من أب، وأسرة من جنس واحد؛ أي شواذ.
الحصار المر الناتج عن هذا الواقع، دفع البابا فرنسيس إلى انتقاد توجهات الأسر الأوروبية بشأن تربية الكلاب والقطط، وتجاهل الإنجاب، قائلا في إحدى عظاته: «نرى أن الناس لا يريدون إنجاب أطفال أو يريدون إنجاب طفل واحد فقط لا أكثر، وكثير من الأزواج لا أطفال لهم، لكن لديهم كلبان، وقطتان! نعم، الكلاب والقطط تحل لديهم محل الأطفال!».
جرس الإنذار البابوي، كان يحمل في طياته مخاوف جمة من انقراض السكان، وتراجع المسيحية في أوروبا لصالح الإسلام، وتزايد أعداد المسلمين في دول عدة بشكل قد يصل بهم إلى الأغلبية خلال عقدين أو ثلاثة.
وتحذر دراسة حديثة من تراجع عدد سكان أوروبا، بحيث يتراجع كل جيل عمن سبقه بنسبة 25%، ليصل حجم التراجع في القارة العجوز إلى 50 مليون نسمة بحلول العام 2050م، وفق معهد «بلانك» الألماني للبحوث الديموجرافية.
في المقابل، يبدو الإسلام هو الأبرز لتولي الدفة، بنسبة نمو هي الأسرع بين الأديان، خاصة أن أتباعه سيبلغون 3 مليارات مسلم حول العالم، وسينتزعون من المسيحية ريادة الترتيب العالمي في العام 2050م، بحسب صحيفة «الجارديان» البريطانية.
الخلاصة تؤكد أن المجتمعات الرافضة للزواج، أو المتحررة خارج إطار الزواج، أو المروجة للزنى والشذوذ، بما يخالف جميع الشرائع السماوية، تحصد العلقم بشكل متزايد وخطير، وقد جنت على نفسها، حينما تعاني من وطأة الشيخوخة وقلة الأيدي العاملة وتضرر حركة الاقتصاد بها، وربما قريباً تغير تركيبتها السكانية لصالح جنسيات أخرى، وفقدان الأغلبية ديمغرافياً ودينياً وسياسياً.