الدراسة المتأنية لنظرية «الهندوتفا» المتطرفة التي يئن تحت وطأتها المسلمون في الهند تكشف عن نواياها البغيضة، وأهدافها المدمرة، وليست هذه النظرية وليدة اليوم، بل إن جذورها تمتد إلى الماضي البعيد قبل ثلاثة قرون ونصف قرن إلى العهد الذي كان أورنغ زيب الملك المغولي فيه حاكم الهند من عام 1658 إلى 1707م، فقام شيفاجي (1630 – 1680م)، وأقام حكومة محدودة يعتبرها دعاة «الهندوتفا» المحطة الأولى للحكومة الهندوسية
وقبل أن نقوم بتوضيح أبعاد «الهندوتفا» الأفقية، ومنظوماتها الفكرية والثقافية، وأهدافها الحقيقية، يجدر بنا فهم مصطلح «الهندوتفا»، وبنيتها التركيبية، فيقول الكاتب الهندوسي ونايك جتر فيدي في كتابه «hindutva and violence» (ص 141): إن مصطلح «الهندوتفا» مركب من كلمتين «Hindu» و«tva»، فأما الكلمة الأولى فهي فارسية، وأما الأخرى فهي سنسكريتية.
وأضاف جترفيدي قائلاً: إن أول من وضع مصطلح «الهندوتفا» إنما هو جندرا ناتها باسو، فإنه صنف أول كتاب باسم «الهندوتفا» باللغة البنجالية عام 1892م، ثم تعقبه الزعيم الهندوسي المتطرف ساوركر (1883 – 1966م)، وقام عام 1923م بتأليف كتاب اسمه «الهندوتفا»، فأثار الكتاب ضجة، ولقي القبول بين المتطرفين من الهندوس، فلماذا نجح ساوركر فيما أخفق فيه الآخرون؟
لعل الإنجاز الأساسي لساوركر يكمن في وجود العديد من الحركات الهندوسية ولا سيما منظمة «آر إس إس» التي قد تم تأسيسها عام 1925م التي احتضنت نظرية «الهندوتفا» لساوركر، وركزت عنايتها البالغة على تمتينها عن طريق تعبئة الشبان الهندوس عسكرياً، وتعليمياً، وفكرياً، ونظرياً، هذا في جانب، وفي جانب آخر أن العديد من الأمراء الهندوس والأثرياء لمختلف الأقاليم الهندية، والطبقة الأرستقراطية نهضت بتعضيد نظرية «الهندوتفا» وتمويلها بأموال طائلة.
وينبغي لنا أن نوضح الفرق المتميز بين «الهندوتفا» والهندوسية كي لا يقع أحد منا في الخلط الشائع بين الهندوسية العادية المتداولة في المجتمعات الهندية منذ قرون و«الهندوتفا» المتطرفة الانتهازية، فكان من المعلوم أن الهندوسية العادية السائدة طبق تشريح مفكريها ديانة ذات عقائد، وتقاليد، وقيم بناءة مفعمة بالتسامح، والانفتاح، والأريحية.
أما «الهندوتفا» فإنها فكرة سلبية هادفة إلى تحقيق مصالح الطبقات العليا من الهنادك، ونظرية سياسية استفزازية دكتاتورية تعنى باستعلاء وتفوق النظام البرهمني القديم، وتسعى إلى الأهداف التوسعية والسيطرة على جميع وسائل ومناصب البلاد وإخضاعها لأطماع المتطرفين الانتهازيين الذين لا يحملون فكرة إيجابية تسامحية، فإن هناك تشابهاً كبيراً بين «الهندوتفا» والفاشية بما في طبيعتهما عدم التحمل لآخر مهما كان مبعث خير ونفع للمجتمع الإنساني.
ويراد بـ«الهندوتفا» في الهند المعاصرة، كما أوضح سعادة الله في كتابه «الهندوتفا»، النظم والأنماط الفكرية ذات الأيديولوجيات التي تتبناها منظمة «آر إس إس» (راشترياسوايام سيفاك سانغ) وإلى ذلك المنظمات، والمؤسسات والحركات التي هي أشد تجانساً وتجاوباً وتناغماً مع «آر إس إس» في الأفكار والأيديولوجيات، والفعاليات، والتحركات.
ومن ثم تعد العلاقات بين الثالوث نايك دامودر ساوركر (1883 – 1966م)، وكيشو بلي رام هيدغيوار (1889 – 1940م)، ومادهو سداشيو راؤ غولوالكر (1906 – 1973م) محوراً أساسياً لتجسيد رؤية «الهندوتفا» الوقحة، وإن هؤلاء الأعلام وغيرهم لنظرية «الهندوتفا» قد استقوا ونهلوا من مناهل الفاشية العنيفة في إيطاليا والنازية في ألمانيا، ولم يتخلفوا عن الانتفاع بالحركات السرية العالمية كالماسونية، والصهيونية كما نجد في كتابات غولوالكر وخاصة في كتابه «we or nationhood defined»، وفي مذكرات بال كرشن شيو رام مونجے (1872 – 1948م) ثناء عاطراً على موسوليني، وهتلر.
ونجد 3 مؤشرات وأسباب مهمة لخلفيات عداء أصحاب «الهندوتفا» مع المسلمين(1):
1- تزايد النرجسية الجماعية الذي يجعل الإنسان يعيش في الماضي متلذذاً بالذكريات القديمة المعسولة، والتصور الصناعي شاعراً بتفوق نفسه، وغارقاً في أعماق الفخر والاعتزاز بالماضي المجيد المشرق.
(2) الشعور الاجتماعي الزائد بالاضطهادية؛ يعني ذلك بأن أغلبية هذه البلاد يزعمون أنهم قد قاسوا أوضاعاً قاسية، وتجرعوا مرارة القهر والاضطهاد خلال حكم المسلمين في هذه البلاد.
3- عاطفة الثأر، تحرِّض أناساً متطرفين من أغلبية الهند على الانتقام من المسلمين بما ارتكبوه حسب مزاعم المتطرفين من ظلم، واعتداء، واغتصاب الحقوق، والتهميش، وتضييق الخناق على الأغلبية خلال حكمهم على الهند فلا من أخذ الانتقام
مقومات «الهندوتفا»
1- نظرية وحدة الوجود:
ومما لا شك فيه أن الركيزة الأساسية لأى نظام فكرى تقوم على رؤيته العالمية، فكانت فكرة «أدويتا ويدانتا»، كما يقال في الآداب الهندوكية، ونظرية أدويتا هذه منبثقة من أبنشاد.
2- تفوق السلالة:
إن هذا التصور لقائم على أساس أفضلية الشعب الهندوسي، والمراد بالشعب الهندوسي شعب مختار تمثله الطبقات العليا من الآريين الذين يعتبرون مواطنين أصليين لبلاد الهند، ولا حق للطبقات المنبوذة التي تشكل الأغلبية الساحقة في البلاد أن تحلم بالإطلال والشمول في شعب مختار.
3- القومية الهندوسية:
القومية أيضاً من أهم الركائز لأيديولوجية «الهندوتفا»، ومعنى القومية الشعور الزائد بأن وطن المرء متفوق على الآخر من جميع النواحي، ولا شك أن القومية الهندوسية أو الهندوتفية قد استعيرت من القومية الأوروبية الجديدة التي نشأت خلال النشأة الحديثة في أوروبا، ومن أجل ذلك نلمس ملامح القومية الأوروبية وتأثيرات العميقة في تأطير القومية الهندوسية، وأضف إلى ذلك أن منظري «الهندوتفا» قد قاموا بتكوين القومية الهندوسية عن طريق مزج الفلسفات الغربية الجديدة في الفلسفات الفيدية القديمة، واشترط غولوالكر 5 شروط لبنية القومية؛ أولاً: الوطن، ثانياً: السلالة، ثالثاً: الديانة، رابعاً: الثقافة، خامساً: اللغة، وأضاف قائلاً: إذا فقد واحد من هذه الشروط لم يتصور الوجود الكامل لقوم، ووفق الشروط التي قد فسرها غولوالكر ﻻ ينضوي المسلمون والمسيحيون تحت راية القومية الهندوسية.
4- الثقافة الهندوسية:
المراد بالثقافة في لغة الهندوتفيين ثقافة هندوسية قديمة تتبلور في مختلف الألوان في الأعياد، والمواكب، والتقاليد الدينية، والطقوس، وقال كذلك غولوالكر: إن في الهند للدخلاء والعناصر الخارجية من شعوب مختلفة طريقين محددين، فأولاً: عليهم أن يدمجوا أنفسهم في العنصر القومي ويختاروا ثقافته، وثانياً: أن يكونوا خاضعين للعنصر القومي.
إن جهود الهندوتفيين كلها تتركز على إقامة دولة هندوسية وهيمنتهم عليها للانتفاع بمكاسب البلاد، فيرون المسلمين، ونظام البلاد الديموقراطي عرقلة كبيرة في سبيل تحقيق أمنياتهم، فلذا ﻻ يتحملون وجود المسلمين في البلاد، ولا تزال القوى الهندوتفية الفاشية تستهدفهم بغاية من الضراوة والوقاحة، ومن حسن حظ القوى الهندوتفية الفاشية أنها متربعة على الحكومة المركزية منذ 10 سنوات، فتستخدم جميع الطاقات والوسائل للقضاء على هوياتهم، وإبادتهم الكاملة، أو تهميشهم على الأقل، ولا تترك سياسة «الهندوتفا» أخضر ولا يابساً ولا مسلماً ولا غير مسلم تدوس كل ما يعوق طريقها.
وفي الحقيقة إن نظرية «الهندوتفا» لقائمة على جميع خصائص وشارات الفاشية الفتاكة، والدعايات الكاذبة.