الحضانة (الروضة) مؤسسة تعليمية منظّمة، تمثل قنطرة العبور ما بين البيت والمدرسة، وتهدف إلى تطوير مهارات ومعارف الأطفال من عمر سنة حتى 6 سنوات (حسب نظام كل دولة)، من خلال الأنشطة التعليمية والاجتماعية، في مرحلة هي أهم مراحل تكوين شخصية الطفل وبناء قدراته.
يتعوّد الطفل في مرحلة الحضانة على اللعب المشترك، والتحكّم بحركاته، ويتعرف على الأشياء من حوله، في جو تفاعلي يجعله أكثر تحررًا وقابلية للتعلم.
والتعلُّم في هذه المرحلة -وخصوصًا تعلم اللغة الأم- أساس لتأهيل الطفل لاكتساب قدرات عقلية ومعرفية، وتعزيز تفكيره وتركيزه وإبداعه، وبناء قواه العاطفية، لكن يثور جدلٌ حول ثنائية تعليم اللغات لطفل هذه المرحلة: هل هي مفيدة أم ضارة، ونحن نعيش الآن أجواء ثقافية تنافسية وثورة تقنية غير مسبوقة اختلط فيها الحابل بالنابل؟
فوائد تعليمية
لا شك أن هناك العديد من الميزات للحضانة فيما يخص الجوانب التعليمية عامةً، فطفل الحضانة يستطيع –بالتعليم المنهجي السليم- تطوير مهاراته اللغوية، بتحصيل أبجديات اللغة، والقدرة على القراءة وتكوين الجمل، والتلوين والعد واستيعاب الأرقام، وعمليات الجمع والطرح، كما يقلل التعلم في هذه المرحلة من صعوبات تعلم القراءة والتحدث والكتابة التي باتت شكوى العصر؛ وهو ما يشكِّل حجر الأساس في رحلته التعليمية الممتدة حتى مرحلة الشباب، وربما لما بعدها.
فالمهارات التي تعلّمها الطفل في هذه المرحلة –حسب دراسات استقصائية- ساعدتهم في الحصول على تعليم مستمر وعالي الجودة، كما أصبحوا مطوّرين ذوي مواقف إيجابية تجاه عملية التعلُّم، يحظون بفرص وظيفية أفضل من غيرهم.
وسجلت العديد من الدراسات أن الأطفال الذين التحقوا بالتعليم الأوَّلي، وكانوا قد التحقوا بالحضانة من قبل، زادوا في معدل ذكائهم بدرجات كبيرة عن غيرهم، وسجلوا أداء أفضل في اختبارات القراءة والكتابة والحساب، وكانوا أكثر من غيرهم ثقة مع معلميهم وأقرانهم ضمن الإطار الاجتماعي والتفاعلي.
أهمية اللغات الأجنبية
لا ينكر أحد أهمية تعلم اللغات الأجنبية خلال هذه المرحلة المبكرة من عمر الطفل؛ لتحسين قدراته الإدراكية والثقافية، بل الحياتية العملية، باتخاذ القرارات السليمة وتحقيق النجاح الأكاديمي، وتقبله للآخر، واحترام ثقافته وأعرافه؛ فضلًا عن كونه استثمارًا في مستقبل الطفل، وتوسيع دوائر معارفه.
وفي عالم مترابط أشبه بقرية صغيرة بات من الحتم تعلم لغة أو لغات أخرى غير اللغة الأم، وهو أسهل في هذه السن من أي سنٍّ أخرى؛ إذ التعليم في الصغر –كما هو معلوم- كالنقش على الحجر، وهو مفيد للنمو العقلي للطفل، ولقدرته على تكوين روابط ثقافية.
ويسهل اليوم على ثنائيي اللغة الانفتاح على الثقافات والمجتمعات المختلفة، والاطلاع على آفاق جديدة وهُويات خاصة، وفهم مشاعر وسلوكيات ومبادئ وتوجهات الأمم الأخرى، وسهولة التواصل والاندماج بها، وهو ما يمكِّن من مهمة نقل المنجزات الحضارية واللحاق بركب الأمم المتقدمة.
أخطار قائمة
على المزايا التي ذكرناها سلفًا حول تعلُّم اللغة الأجنبية في مرحلة الطفولة، فإن لذلك التعلُّم أخطارًا فصّلها خبراء الطفولة، كلٌّ في تخصصه، ورجّح العديد منهم تعليم اللغة الثانية أو الثالثة بعد اكتمال تعلّم اللغة الأم، التي ستكون –حسب من تبنوا هذا الرأي- عاملًا مساعدًا لسرعة تعلم هذه اللغة الأجنبية أو تلك، ويرون من ثم أن السن الأنسب لذلك هي سن الرشد، منتقدين من يسعون لفرض اللغات الأخرى على أبنائهم الصغار لوجاهة اجتماعية دون النظر إلى عواقب الجمع بين لغة الأم واللغة الأجنبية، ومن تلك العواقب:
– أن ذلك الجمع يشوش ذهن الطفل، ويرهقه، ويزحم ذاكرته.
– لوحظ أن كثيرًا من ثنائيي اللغة يهملون اللغة الأصلية، ويصيبهم الكثير من الارتباك، وتتدنى مهاراتهم اللغوية العربية بسبب تداخل المفردات واختلاط قواعد اللغتين.
– والأهم، أن تلك التعددية اللغوية قد تساعد على طمس الهوية، وتغليب ثقافة ولغة الآخر على تاريخنا وثقافتنا ولغتنا.
ضوابط
لا خطر إذًا من تعلم اللغات الأجنبية لطفل مرحلة الحضانة إذا ما تفادينا تلك الأخطار، والأمر يتطلب وضع ضوابط كي لا ينشأ أبناؤنا مذبذبين معوجّي اللسان مشوهي الهوية؛ فيجب:
– التيقظ لعدم تعارض تعلم هذه اللغات مع ثوابت شرعنا، وتاريخنا، وأعرافنا.
– متابعة الطفل جيدًا في هذه المرحلة، وملاحظة أيٍّ من الأخطار (الأعراض) التي أشرنا إليها.
– إعادة النظر في طرق تدريس هذه اللغات، ومقرراتها إن تطلب الأمر ذلك.
– أن يكون الاهتمام أولًا وثانيًا وعاشرًا باللغة العربية، لغة القرآن، والأمر الآن هيِّن لمن يسّر الله له.