قال تعالى: (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) (فاطر: 43).
إن الله جل في علاه جعل في الدنيا سنناً لا تتبدل، من أخذ بها ظفر ومن عاندها انتكس، وإن كان له الجولة فالعاقبة في آخر الأمر للمتقين الذين يؤمنون بأسباب الله وسننه في المجتمعات.
والآن، نشاهد هذه السنن تتجدد لنا في أرض الملاحم والبطولات التاريخية لأمة الإسلام على مدى العصور الماضية في سورية، فقد كان في بداية الثورة السورية (الفاضحة) التي تآمر عليها العالم أجمع وعاثوا في سورية العرب والمسلمين طعنًا، وخذلانًا وغدرًا، أراذل الناس من كل بقاع الدنيا.
ولأن الشعب السوري في بدايات ثورته خالفوا سنن الله في الأخذ بالأسباب للظفر بالنصر والتمكين لإقامة العدل والمساواة والعدالة الاجتماعية بين الناس، حيث خالفوا سُنة من سنن الله وهي التفرق والتشرذم، فتمكن منهم الأعداء، وأوغلوا في تمزيق الشعب السوري فكثرت الرايات والشعارات بين الشعب الثائر، وهذا كله مخالف لسُنة عدم التنازع حيث قال الله تعالى في محكم التنزيل: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: 46).
وهذه السُّنة الإلهية قد تكون من أهم أسباب النصر والتمكين، وهو ما أدركه الشعب السوري الثائر ضد الظلم والاستبداد منذ عقود، فقد أصبح الشعب اليوم تحت راية واحدة «لردع العدوان» الظالم على الشعب السوري الحر الأبي، فكان في معركته الأخيرة عنواناً واحداً وقيادة واحدة لقهر النظام الظالم وحلفائه من مليشيات إيران الطائفية المتطرفة التي أهانت الشعب السوري ونكلت به وشردت الملايين من النساء والأطفال والشيوخ الذين لا حول لهم ولا قوة، ومن ثم فكل هذه البطولات التي تسطر الآن هي لأنهم لم يتنازعوا ويتناحروا كي يستغل الأعداء الفرصة لبث الشقاق والفرقة فيما بينهم.
أيضاً، من سنن الله في الحياة سُنة التدافع، قال الله تعالى جل في علاه: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 40)، وقال الله تعالى: (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (البقرة: 251).
وسُنة التدافع من سنن الله في المجتمعات كي لا تفسد الأرض ويهلك الإنسان بالفساد الذي يرتكبه بالطغيان وظلم الناس، حيث من رحمة الله بالشعب السوري أن يقع هذا الصراع القائم بين الغرب وروسيا، وكذلك الصراع المحتدم في النظام الإيراني والتصفيات بين أركانه، وقيام الكيان الصهيوني بضرب ذراع إيران في المنطقة، وهذا التدافع فيما بين القوى المتصارعة كان فرجة الفرج، وباب الرحمة للشعب السوري، حيث استغل الثوار هذا كله فتمكنوا وظفروا، ونسأل الله لهم التمكين والصبر على ما أصابهم من ابتلاءات.
والآن، بعد هذا النصر هناك اختبار من الله لهم وتحدٍّ كبير، بعد أن منَّ الله عليهم بالنصر وخذل عدوهم وأحبط مكر أعدائهم، هذا التحدي الجديد هو إقامة العدل بين فئات المجتمع وفق منهاج النبوة وتعاليم الإسلام التي لا تضاهيها قيم ومبادئ في الدنيا، قال الله تعالى: (ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلْأُمُورِ) (الحج: 41).
والحمد لله أولًا وآخرًا.
______________________
(*) عضو مجلس الأمة الكويتي الأسبق.