رغم تأسيسها قبل 250 عاماً، فإن حركة «حباد» قد عادت إلى الأضواء مجدداً، مع مقتل حاخام يهودي، في 21 نوفمبر الماضي، ليعاد الحديث عنها محلياً وعالمياً، وتصبح محط أنظار الكثيرين.
ورغم علمانية وزير الحرب الصهيوني المقال يوآف غالانت، فإنه قد سلَّط الضوء مرة أخرى على حركة «حباد» نفسها، حينما شارك في مؤتمرها الذي عقد في مدينة نيويورك الأمريكية، في 12 ديسمبر 2024م، متحدثاً عن عملية «طوفان الأقصى»، وزاعماً، بحسب الموقع العبري «واللا»، أن «إسرائيل» حققت إنجازات غير مسبوقة بفضل إيمان شعب «إسرائيل».
ما معنى «حباد»؟
كلمة «حباد» هي اختصار عبري للقدرات الفكرية الثلاث «الحكمة، الفهم، المعرفة»، وهي واحدة من أكبر الحركات الحسيدية المعروفة حول العالم، بل أكبر منظمة يهودية، فقد تم تأسيسها على يد الحاخام شنيؤر زلمان ملادي، عام 1788م، ونشأت الحركة في بيلاروسيا، في قرية لوبافيتش، حيث يشار إليها على أنها «حركة لوبافيتش»، حتى إنه يرتبط اسمها بـ«اللوبافيتشر ربي»؛ أي «حاخام لوبافيتش»، فيما انتقلت إلى لاتفيا، ومنها إلى بولندا، ثم الولايات المتحدة الأمريكية، عام 1940م، حيث تحتضن مدينة بروكلين بنيويورك مقرها الرئيس.
«حباد» تهتم بالحاجات الروحية والمادية لجميع اليهود بالعالم وتعزيز ارتباطهم الأعمق بطقوس اليهودية وإيمانها
وأكدت «القناة العاشرة العبرية»، في 1 ديسمبر 2024م، أن الحركة توغلت، حالياً، في أكثر من 110 دول حول العالم، إلى جانب الولايات الأمريكية الـ50، بعد انضمام المئات من اليهود إليها خلال العام الماضي فقط، من أنحاء العالم، إضافة إلى 100 يهودي داخل «إسرائيل» وحدها.
معتقدات الحركة
تصف الحركة نفسها بأنها القوة الأكثر ديناميكية في الحياة اليهودية اليوم، وهي، بحسب الموقع الرسمي للحركة، «فلسفة وحركة وتنظيم» في آن واحد، ويدعي شنيؤر زلمان ملادي في كتاب «هاتانيا» والمعروف باسم «دستور حركة حباد»، بأن «الأغيار مخلوقات بهيمية شيطانية وخالية من الخير، وأن ثمة اختلافاً جوهرياً بين اليهودي وغير اليهودي، ووجود الأغيار في العالم أمر عارض، فقد خُلقوا من أجل خدمة اليهود»، وهي الفكرة التي تعني باختصار أن «اليهودي ركيزة للكون، وما دونه مجرد خدم لهذا اليهودي».
وفي موسوعته «اليهود واليهودية والصهيونية»، يؤكد د. عبدالوهاب المسيري أن حركة «حباد» تركز على التوراة والتأمل العقلي، ولهذا فإن أول مدرسة تلمودية (يشيفا) حسيدية كانت تابعة لهذه الحركة.
ويعتمد أعضاء الحركة على تعاليم قادتها السبعة الذين شرحوا الجوانب الأكثر دقة وحساسية للتصوف اليهودي، وجسَّدوا الصفات التوراتية القديمة للتقوى والقيادة، فيما يركز أعضاؤها على الممارسات الروحية والتصوف والاتصال الشخصي بالله، ويؤمنون بأن مناحيم مندل سكهنيرسن (1902 – 1994م) الحاخام السابع، والأخير في الحركة، باعتباره أحد أبرز الشخصيات اليهودية في القرن العشرين، ويعتقد الكثيرون من أتباعه أنه «المسيح المنتظر»، وبعضهم لا يعترف بموته الجسدي!
الحركة ترفض التنازل عن الأرض مقابل السلام وتشكك في إمكانية التوصل إلى سلام بين «إسرائيل» والعرب
مهام الحركة الدينية المتطرفة
تعمل مقار «حباد» المنتشرة حول العالم على توفير طعام «كوشير» (حلال وفقاً للشريعة اليهودية) لليهود المحليين والمسافرين، ومكان للصلاة وخدمات دينية أخرى، وهي البيوت الدينية التي يصل عددها إلى 3500 مؤسسة، تقيم الدروس والمحاضرات وورش العمل الخاصة بالديانة اليهودية، وكذلك المناسبات الخاصة التي تركز جُل اهتمامها على الحاجات الروحية والمادية لجميع اليهود أينما وجدوا بزعم توحيدهم في جميع أنحاء العالم، وتمكينهم من معرفة تقاليدهم وتعزيز ارتباطهم الأعمق بطقوس اليهودية وإيمانها.
كوشنر و«حباد» و«صفقة القرن»
فور الإعلان عن مقتل الحاخام كوغان في دولة عربية، سلطَّت «القناة السابعة العبرية»، في 25 نوفمبر الماضي، الضوء على علاقة جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب، بحركة «حباد»، مؤكدة تبرعه وشقيقه بمليوني دولار للجماعة المتطرفة؛ ليفتح الباب على مصراعيه أمام مدى ارتباط عائلة كوشنر، المتزمتين دينياً، وكم الأموال التي تبرعوا بها لمؤسسات صهيونية، داخل وخارج الكيان الصهيوني، وللمستعمرات في الضفة الغربية، مثل «يتسهار» التي تحتضن أكثر الحاخامات تطرفاً.
تتكشف حقيقة «حباد» بمدى تأثيرها على كوشنر في صياغته لـ«صفقة القرن» وعودة ترمب إلى البيت الأبيض
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل يعود الحديث عن مدى تدخل عائلة كوشنر في «صفقة القرن»، التي تقضي باستمرار السيطرة الصهيونية على معظم الضفة الغربية التي احتلتها «إسرائيل» عام 1967م، وضم الكتل الاستيطانية الضخمة في الضفة إلى الكيان وبقاء مدينة القدس موحدة وتحت السيادة «الإسرائيلية».
غير أن مركز دراسات الأمن القومي «الإسرائيلي» قد ذكر في دراسة نشرت، في يناير 2020م، أنه عند صياغة «صفقة القرن»، لم ينس كوشنير الاجتماع بكل قادة الأحزاب الصهيونية، وخاصة المتطرف ليبرمان، وقادة المستعمرات ومع مراكز الأبحاث، بهدف وضع صيغة حل نهائي مفضَّل «إسرائيلياً»، على حساب الأراضي الفلسطينية.
مزاعم الحركة بشأن الضفة الغربية
تكمن خطورة الحركة بحسب منشوراتها في رفضها لفكرة التنازل عن الأرض مقابل السلام، وتشكك في إمكانية التوصل إلى سلام بين «إسرائيل» والعرب، زاعمة أن الحفاظ على حيازة الأراضي التي تم الاستيلاء عليها في حرب عام 1967م أمر ضروري ليس فقط لمنع الهجوم، ولكن للحماية من الإرهاب، أيضاً، مدعية أن وجود السكان العرب في الضفة الغربية وقطاع غزة يطرح مشكلات أمنية يجب حلها، دوماً.
رؤية الحركة تجاه «طوفان الأقصى»
ذكرت «القناة 14 العبرية»، في 6 ديسمبر 2023م، أن بعض جنود جيش الاحتلال من «الحريديم» رفعوا لافتة على منزل في بلدة بيت حانون شمالي قطاع غزة، معلنين أنه أول بيت لـ«حباد» في غزة، بعدما رفع الجندي يوسي إلياهو لافتة مكتوبة باللغتين العبرية والإنجليزية بهذا الشأن.
وأكدت أنه منذ بداية الحرب على غزة، في 7 أكتوبر 2023م، اتخذ الجنود التابعون لحركة «حباد» قراراً بدخول غزة، والقيام بإجراءات وأنشطة مختلفة بزعم رفع الروح المعنوية للجنود، فضلاً عن دفع بقية الجنود بالجيش من العلمانيين إلى تبنى أفكارهم المتطرفة، وأداء صلوات تلمودية، مع توزيعهم للكعك وحملهم لـ«الشمعدان» أينما يوجد جنود في كل قاعدة وفي كل موقع داخل القطاع، غير أنه من الواضح أن هذه الأنشطة تهدف إلى تهجير الفلسطينيين قسراً، واستيطان غزة جبراً.
الاستيطان اليهودي في غزة
وهو ما أكده الموقع الرسمي للحركة، في 4 ديسمبر 2024م، حينما أجرى مقابلة مع المقدم احتياط أمير أفيفي، مدير مكتب رئيس هيئة الأركان السابق، حينما شدد على أن الاستيطان اليهودي الكامل في غزة، على المدى الطويل، هو الحل لبلاده، ليس لأسباب أيديولوجية فحسب، ولكن لأسباب أمنية أيضاً، زاعماً بأن من يريد السيطرة الأمنية الكاملة على غزة عليه بالاستيطان اليهودي في غزة، وبدون ذلك لن يتمكن الجيش من البقاء هناك.
وانتشرت في وسائل الإعلام العبرية صور لدبابات صهيونية تجوب غزة رافعة راية منظمة «حباد» ذات اللون الأصفر، التي تمثل بتاج أزرق وتحته عبارة «ماشيَّح» بالعبرية، إذ يؤمن اليهود المتشددون المتطرفون بقدوم السيد المسيح مانحاً «إسرائيل» الخلاص والنصر، بحسب الاعتقاد اليهودي.
نهاية، تتكشف حقيقة «حباد»، في أبسط أمثلتها، بمدى ارتباطها وتأثيرها على كوشنر في صياغته لـ«صفقة القرن»، وربما يتطور الأمر مستقبلاً، بشكل سلبي، مع عودة ترمب إلى البيت الأبيض.