إذا كانت الأسرة مؤسسة كونية موجودة في كل العالم، فإن خصوصياتنا الثقافية، في دائرة الاستهداف، من قبل الفكر النسوي الغربي، في النزوع لاستثمار قضايا المرأة والأسرة، من أجل فرض” مرجعية قانونية كونية جديدة بدعوى أن تلك المرجعية تمثل مشتركًا إنسانيًا بينما هي في حقيقة الأمر لا تعكس إلّا الثقافة الغربية ” 1 بمنطق أحادي متحيز، ولهذا من أهم أهداف هذا البحث ربط الصلة بين النسوية الغربية، وبين المتغيرات الحاصلة في الأسرة الحديثة. والتي تعمل على إضعاف الروابط الداخلية، وضرب التماسك الأسري، بزعزعة الخريطة الإدراكية عن أهمية الأسرة وجدواها في هذا الزمن، مما أجج الصدام بين عناصرها وارتفعت نسب التفكك، والعنف المادي والمعنوي ومن وسائلهم تكوين كوادر من المثقفات العربيات أدبيات وناشطات حقوقيات، يؤثرن في تغيير قوانين الأسرة، وفرض التغييرات في مواقع صنع القرار، وفي المجتمع باستغلال وسائل التكنولوجيا، وتحت إطار التنمية الاقتصادية شجعت النسويات الغربية، على تأسيس شبكات كبرى من المنظمات والجمعيات وعقد المؤتمرات الدولية، والمواثيق العالمية، والسعي الحثيث لرسم استراتيجيات وسياسات لهدم الأسرة، وزعزعة مرتكزاتها وقيمها .2
وبالتالي كيف تؤثر المنظومة الفكرية للنسوية الغربية على الأمن الفكري للأسرة العربية ؟
ومن أجل الإجابة عن هذا السؤال ، يمكن القول أن الأسرة هي المحضن الأساسي للتربية وتنمية الشخصية “الطفل الذي يربى داخل الأسرة تصنع قواعد الحياة، مثل التدريب على قول الصدق وتهيئته حسب قدراته لحسن التعامل والاحترام، واحترام الأهل والأقارب وإرساء قواعد الدين، واحترام القانون ” 3 بلا إكراه هذا الطفل يكبر والأخلاق عنده سجية، والقيم متجذرة في شخصيته، ويكون عضوًا نافعًا فعالًا.
من أهم أسباب التفكك الأسري، هو العزلة التي فرضتها الوسائط التكنولوجية، وغياب الحوارالمؤثر، وتنامي العنف بكل أشكاله ، أصبح كل عنصرمن عناصر الأسرة ، ينظر للحياة وفق المصدر الذي يستقي منه الأفكار، هناك ممارسات تشويش وتضليل تستهدف الإدراك مباشرة ، وعقول الأطفال ويافعين -للأسف الشديد- تتغذى على قيم غير قيمنا في أطر مختلفة، ونظرا لقلة خبرة المربين والأبوين، أصبح الأبناء فريسة الإلحاد وضحايا الجرائم والانحرافات الإلكترونية. أوصلتهم للانتحار والاكتئاب والهشاشة النفسية لأن الادراك يتحكم في السلوك.
ويمكن القول أن الفكر النسوي الغربي، يتمظهر في خطابات متنوعة استغلالا لثقافة الصورة، في ألعاب الحاسوب والرسوم المتحركة، والقصص والمسلسلات، لتسويغ الرذائل، واحتقار الدين والقيم، والتركيز على تغيير المصطلحات لتغيير الطريقة التي يفكر بها العالم نحو الأسرة، واكتساب القبول والإذعان عند الفئات الشابة والأطفال، وتعزيز المشروعية من منطلقات زائفة .
يقول عبد الوهاب المسيري محتجا على الافتقار للبعد النقد، في الدراسات العربية الإسلامية للمفاهيم والمصطلحات .”إننا نكتفي دائما بنقل أفكارهم من وجهات نظرهم، دون أن نطرح أي أسئلة تنبع من رؤيتنا وتجربتنا التاريخية والانسانية ودون أن نتوجه إلى القضايا الكلية والنهائية الكامنة في النصوص التي ننقلها ونشرحها .” 4
مارست النسوية الغربية التضليل بالتوظيف السلطوي للمصطلحات بطريقة مفضوحة ،” وهي سهولة تسريب جملة معاني منافية أصلا للمضمون الذي نهض من أجله المصطلح ” 5 مثل مصطلح الصحة الإنجابية، معناه تسهيل ممارسة الزنا مع أخذ الاحتياطات حتى لا يقع حمل أو أمراض معدية، وهو كمركب لغوي بريء كل البراءة من هذا
المعنى بل يظهر أنه له علاقة بتنظيم الولادات لدى المتزوجات .
_حضور مصطلحات النسوية الغربية في توجيه ثقافة الأسرة العربية .
حاولت في هذا العنصر ، ترتيب مصطلحات النسوية الغربية في جدول، مع تلخيص لأهم متعلقاتها ، وفي الحلقات القادمة -بحول الله- نسترسل في تقديم قراءة لهذه المصطلحات ضمن مرجعياتها الفكرية ، مع شرح لخط مفارقاتها وإشكالاتها، واستنتاج آثارها ومآلاتها في ثقافة الأسرة العربية . حتى نعرف الإجابة على السؤال المحوري حول أثر مصطلحات النسوية الغربية في توجيه ثقافة الأسرة العربية .
-جدول مصطلحات النسوية الغربية ( المصطلحات ، الإشكالات ، المرجعيات ، المآلات )
المصطلحات | الإشكالات | المرجعيات | المآلات |
1/المساواة Equality | التماثلية الكاملة لجنسين مختلفين تماما . | تتأسس فلسفة الحداثة على -تمجيد العقل والإبداع ، حرية الذات -نبذ القديم وتقديس الجديد – العلمانية الشاملة و الابتعاد عن الله. من أهم الأعلام الذين يمثلون الفلسفة النسوية في هذه المرحلة : ماري ولستونكرفت M. Wollestoncraft | – مخالفة الطبيعة -التشبه بالرجال |
2/ الجندر Gender | -زعزعة التقسيم الجنوسي، وتوحيد الأدوار بين الجنسين | -سيمون دي بوفوارSimone de Beauvoir -بيتي فريدان Betty Friedan | – تشويه الفطرة الإنسانية، مخالفة الطبيعة، إعلاء الشذوذ، إفساد العلاقات بين البشر، العداء للدين والقيم. |
3/ الهوية Identity | -التمركز حول الأنثى. | -تتأسس فلسفة ما بعد الحداثة على -التمركز حول الذات ،- فقدان القيم قيمتها، هدم الثوابت والمرجعيات ، -الالتزام بالنسبيةوالتعددية فيمايخص قضاياالحقيقة. . _تسعى لاثارة الشبهات حول أمور اعتبرناها مسلمات . -فرويد Freud – لاكان Lacan – إريقاريluce Irigray – ديريدا G. Derrida – كريستيفا Kristeva | -تمجيد الفردانية .. – تقويض المرتكزات والمهيمنات الثقافية الكبرى. -العداء للدين ، عبادة الذات -هدم الأسرة -تشويه الفطرة |
4/الاختلاف The difference | – الآخر المختلف . الغيرية والهوية | -إريقاري Irigray -ديريداG. Derrida -لاكان Lacan | -طغيان الإباحية والبهيمية. -تمجيد التنميطات الشاذة الهجينة المختلفة عن التقسيم الأصلي للجنس البشري . – حصول الشواذ جنسيا على الحقوق ذاتها التي يحصل عليها الأسوياء . -نزع القداسة عن الدين والقيم. .- انتكاسة الفطرة ــ- وتزيين الرذيلة وتسوييغ الزنا والفواحش . |
5/الجسد The body | – الجسد السيطرة والعنف | -نيتشه Nietzsche -فوكو M .Foucaul | -عبادة الجسد، نزع القداسة عن الزواج، الجسد الاستهلاكي، تسليع الجسد الإباحية الحيوانية . |
6/ السيبورنتيكية cybernetics السايبورغ Cyborg | – ما بعد الجندر، ما بعد الأسرة . _ فقدان الهوية الإنسانية | -دونا هاراوايDonna Haraway | – إذابة الحدود بين الشروط التي ميزت الذكورة عن الأنوثة. – طغيان الشذوذ – توحيد المعايير الأخلاقية باسم المشترك الكوني وإلغاء الخصوصيات الثقافية . -الوحشية- |
7/ التمكين Empowerment | -استقواء المرأة . -هدم الأسر القائمة . | -فوكو M .Foucaul | -زعزعة التقسيم الجنوسي الطبيعي للإنسان بشقيه (الذكر والأنثى) . . -طغيان الشذوذ والمثلية والإباحية . -شيطنة البشرية ـعبادة الشهوات والأهواء – غياب معنى الأسرة -خراب البشرية . . |
_ جدل النسوية والتوظيف السلطوي للمصطلحات:
تسعى النسويات للتأثير في المتلقي إلى ترويج عدد هام من المصطلحات من موقع سلطوي ، وصار لزاما كشف دلالات هذه المصطلحات وبيان حقيقتها، والموقف المعرفي منها، لأنها تحمل التصور العام للفكر النسوي، إننا نعيش أزمة مصطلح، ونقتات فكريا على ثقافة الآخر ، وطرقنا لمجال المصطلحات معناه الإبانة عن الجدل الكبير التي وصلت إليه النسوية الغربية، فهي ترفض النظرية لأنها فعل ذكوري، وتشتغل بتخريج المصطلحات كأنساق لغوية ومحمولات لأفكار دخيلة بغرض السيطرة والتأثير، فهي أساسا تقوم بتغيير المصطلحات ، لتغيير نظرة العالم كله لقضايا للأسرة . وللحديث بقية بحول الله …
الهوامش
1 – سيدة محمود محمد، مفهوم التمكين النسوي من المنظورين الغربي والإسلامي، جامعة حلوان، مصر، ط1، 2021، ص15.
2_ كاملية حلمي طولون. المواثيق الدولية وأثرها في هدم الأسرة، ط3 ، جامعة طرابلس، لبنان، ط3 ، 2023 ، ص4
3 – السيد محمد عثمان. الاستقرار الأسري وأثره على الفرد والمجتمع. مؤسسة شباب الجامعة، 2009 ، ص18.
4 – عبد الوهاب المسيري، قضية التحرير والتمركز حول الأنثى، ص3.
5 – ناجية الوريمي حفريات في الخطاب الخلدوني، دار البترا ط1 ، 2008 ص 111.