فشل العقل «الإسرائيلي» والغربي الإستراتيجي
كانت قواعد الإستراتيجية للمقاومة في غزة هي الصانعة للفعل في الميدان المحققة للإنجازات والانتصارات رغم ألم ووجع الحاضنة الشعبية، كانت معركة «طوفان الأقصى» بعد عام من الإنجازات مفعمة بالصدمات في الإستراتيجية الاستخباراتية الصهيونية وحتى في الإستراتيجية الاستخباراتية الأمريكية والأوروبية، وكم من قلم وتحليل نشأ بعد المعركة يشكك في العقل «الإسرائيلي» السياسي والعسكري المنظر والعقل الغربي العسكري حين فشلا في ضبط إيقاع المنطقة بسمفونية الكيان الصهيوني و«صفقة القرن» وتهميش القضية وحصار المقاومة وتوظيف التطبيع بالأنظمة في أعلى المستويات والاتفاقيات.
رغم هذه الجهود «الإسرائيلية» والأمريكية والغربية، فإن «طوفان الأقصى» واهم من ظنها معركة لتبييض السجون، بل هي لتبييض أنظمتنا وبلادنا من الأسر الذي تعيشه شعوبنا، هي ثقب تاريخي لإضعاف الكيان الصهيوني المفضي إلى إضعاف الأنظمة العربية المطبعة، فتيسير «الطوفان» الشعوبي الثوري للشعوب لإزالة هذه الأنظمة.
«طوفان الأقصى» ثقب حدث في عمق الكيان الصهيوني لا كرد فعل وانتقام، بل هي مسار إزالة الكيان الصهيوني من مكانه، بعدما كانت «سيف القدس» خطة وتجربة ودراسة للجيش «الإسرائيلي» وقدرته الاستخباراتية.
في المقابل، الإستراتيجية للمقاومة قوضت قواعد الردع والنصر المطلق المزيف لدى الكيان الصهيوني؛ ما جعل العدوان بسبب إستراتيجية «طوفان الأقصى» يجنح إلى 5 تحولات بحثاً عن النصر الكامل:
1- الضغط بالقتل بالإبادة وحدث مستشفى المعمدان ومستشفى الشفاء، وصولاً إلى ورقة رفح واجتياحها، وهي ورقة لم تصنع نصراً.
2- الضغط بحيلة المفاوضات المزيفة مع تمديد المعركة بضوء أمريكي وتحايل من إدارة بايدن، وهي ورقة مهترئة.
3- الضغط بسياسة الاغتيال، من اغتيال هنية إلى قادة آخرين في «حماس»، وهي ورقة فاشلة كذلك.
4- الضغط بعزل غزة من محور الإسناد من خلال الحرب على لبنان واغتيال القادة، وهي ورقة فاشلة كذلك.
5- الضغط بسياسة تقسيم غزة بمحور نتساريم وفيلادلفيا وخطة الجنرالات، وهي ورقة فاشلة كذلك أمام قوة رجال معارك جباليا وبيت لاهيا وشمال غزة.
تجريب المجرب!
بعد تدحرج الغباء السياسي لبنيامين نتنياهو في بركان غزة وجمرة الأنفاق وتنور الرجال، فإن الفرصة التاريخية لنتنياهو والجيش قد ضاعت لو حقق المفاوضات بعد اغتيال هنية، ولو برسم نصر مزيف بعد اغتيال هنية، فحسن نصر الله وقادة لبنان وحدث أجهزة «البيجر»، لكن ضاعت الفرصة التي كان من الممكن أن تصنع كذبة للخروج من مأزق غزة ووحل الأنفاق والكمائن، التي ما زالت تدفع الجيش وبعض قادته وخبرائه إلى التصريح الكتابي والشفهي بإنقاذ الجيش في غزة، بدل السماح لنتنياهو بالبحث عن انتصارات كاذبة في مستشفى الشفاء أو ورقة رفح أو لبنان أو إعادة نظام المنطقة.
بعد تجريب نتنياهو للمجرب ووصول المقاومة بالسخرية من الجيش أثناء التقتيل والكمين، وبعد هزيمة الجيش في لبنان وتجريب ورقة الهروب إلى لبنان لتحقيق نصر لم يحقق في غزة وإخفاء هزائم كبيرة فيها، فإن السؤال هنا: ماذا بعد لبنان؟ هل سينفرد الاحتلال بغزة بعدما شعر بدخوله في حرب استنزافية مأزومة مهزومة؟ هل سيعود الانتقام شدته في غزة بعدما كانت الجهود الصهيونية مشتتة مع لبنان وإيران والعراق وغزة واليمن؟
مستقبل المعركة
هناك احتمالان في مستقبل المعركة بعد لبنان؟
الأول: غرق نتنياهو في هزائمه والضغط عليه داخلياً من أجل المحاسبة والتحقيق في الحرب وأهدافها ونتائجها، وهذا يفضي إلى وقف إطلاق النار في غزة بعد مفاوضات، ونظن هذا المسار مستبعداً؛ لأن الذي ما زال يقود الحكومة ويتحكم في قراراتها هي الأحزاب الدينية التي تنتعش بالدم والتحرك العشوائي والاغتيالات والفوضى ولو دون إستراتيجية؛ وبالتالي ربما نجد ضغطاً داخلياً سياسياً في الكيان على نتنياهو، لكن الحاضنة السياسية المتطرفة الصهيونية ستكون قوة للدفاع عن نتنياهو أو عن أي مسار سياسي مستقبلي.
الثاني: وهو القريب في توقعه وحدوثه، وهو انتقال الاحتلال من لبنان إلى انفراد ثان بغزة، فالمضي لانتزاع إنجازات في الضفة والقدس و«الأقصى» من خلال اختصار المعركة هناك بالاستيطان والتهويد والضم، وهذا مسار انهزامي صهيوني نابع من العزلة العالمية التي يعيشها، والصفر في الإنجازات في غزة ولبنان والمنطقة، بل مسار اختصار المعركة في الضفة، فالتطبيع وترميمه هو مسار ترمب و«صفقة القرن» سلفاً التي ركزت على الضفة وضمها إلى استفزاز الأنظمة العربية لإعادة صياغتها وشعوبها، فالاستفادة من طاقاتها العسكرية والسياسية والأمنية والاستخباراتية من أجل الكيان الصهيوني ضد غزة.
ما المطلوب في هذه المرحلة؟
التحليل والاستنتاج المستقبلي في حق غزة هو ضروري من الحاضنات لغزة ولرجال الأنفاق، وترك الاحتلال لينفرد بغزة والضفة والمضي إلى تصعيد هو ما ينبغي مواجهته من خلال:
أولاً: قد يضعف الإسناد من محور الإسناد الموجود في المنطقة بعد وقف إطلاق النار في لبنان، لكن المطلوب المضي والاستمرار في الدعم والإسناد دون تقديم الفرصة للكيان لينفرد بغزة والضفة.
ثانياً: الشارع العربي والإسلامي هو الذي أوصل الرسالة إلى الشارع الغربي ومنظماته وقواه الحية؛ ما أفضى إلى نتيجة مذكرة اعتقال نتنياهو، وغالانت؛ لذلك المضي نحو تحرك شعبي في شعوبنا العربية والإسلامية والشعوب الغربية أمر ضروري للضغط على أمريكا والغرب ليوقف الحرب في غزة.
الشارع العربي والإسلامي هو المحول والمعول عليه إن انتقل إلى مرحلة جديدة من الضغط خصوصاً مع تفكير الاحتلال إلى العودة الكاملة إلى غزة بعد لبنان.
لكن هل نتفاجأ يوماً من زعزعة المنطقة العربية والإسلامية بتحرك الخنجر الاستبدادي العربي من مكانه في حالة تحرك شعبي لشعب قوي للمطالبة بالتحرر وبناء دولة قوية بعد فشل مشروع إعادة نظام المنطقة وصياغتها خوفاً من تحرر بعض أطرافها بسبب اهتراء هذه الأنظمة بعد «طوفان الأقصى» وضعف كيانها الصهيوني؟