منذ انتصار الشعب السوري الشقيق على الطاغية السفاح بشار الأسد وإسقاطه وإرغامه على الفرار في 8 ديسمبر الجاري، ليحظى مع أسرته باللجوء الإنساني لدى أصدقائه الروس، وبعض المثقفين العرب من خدام الأنظمة القمعية وخصوم الإسلام، يبكونه ويلطمون خدودهم على رحيله بوصفه مقاومًا كان يجهّز لتحرير الجولان، وممانعًا للتطبيع مع العدو، وتجاهلوا أنه مزّق شعبه وقسّمه، وأشاع جراثيم الطائفية والعصبية والشعوبية، بعد أن قتل مليون مسلم سوري سني، وشرّد أكثر من ثلاثة عشر مليونًا آخر في مجاهل اللجوء والنزوح فضلًا عن مئات الألوف الذين زجّ بهم في سجونه ومسالخه على امتداد المدن السورية والبادية، ورأى الناس صورًا مقزّزة وقبيحة وبشعة لمسالخ سجن صيدنايا، وصور النساء السجينات المغتصبات وهن يصحبن أطفالهن الذين لا يعرف من آباؤهن! وفضلاً عن ذلك كله لم يرسل طلقة واحدة إلى الجولان المحتلّ مع أن العدو كان يضربه على قفاه بصورة شبه يومية ولا يرد!
يخرج علينا مؤخرًا الشاعر السوري على أحمد سعيد أسبر الملقب بـ«أدونيس»، برأي غريب يقلل من قيمة تحرير الشعب السوري وثورته وفرحته الشاملة التي نقلتها الشاشات من ميادين المدن السورية كافة وفي مقدمتها مسقط رأسه ورأس صديقه الأسد أعني مدينة القرداحة وما حولها، ومنطقة الطائفة النصيرية الباطنية أعني اللاذقية، لتقول بلسان عربي فصيح: إلى الجحيم أيها الطاغية السفاح ومرحبًا بالحرية والأمل!
يقول أدونيس عن الثورة والطاغية في مؤتمر صحفي عقده قرب العاصمة الفرنسية باريس: «أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع».
والتغيير المطلوب، حسب رأي أدونيس، هو «تحرير المرأة، تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي»، ويضيف أدونيس: «إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئاً، استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي».
واضح أن أدونيس لا يعبأ بالدماء التي سالت ولا الأرواح التي أزهقت، ولا الملايين التي شردت، ولا النساء اللاتي اغتصبن في سجون صديقه ابن صديقه بشار ولم يشاهدهن وهن يخرجن من السجون مصطحبات أطفالهن الذين لا يعرف آباؤهن.
تحرير المرأة غاية أدونيس ومطلبه، ولكنه لم يتذكر في يوم ما وهو يؤنس صديقته أنيسة مخلوف زوج صديقه حافظ الأسد، وأم صديقه بشار كان مقربًا حميمًا من الأسرة الأسدية، أن يقول لها: إن السجون الأسدية تستضيف آلاف النساء السوريات العذارى وغير العذارى، وتم اغتصابهن، فآمل تحريرهن في سياق تحرير المرأة الذي يطالب به.
أدونيس يرى أن آخرين حلوا مكان صديقه ابن صديقه، ولا يرى ثورة ضحت بالدماء والرجال أعلنت بالفم الملآن أن النظام القادم لكل أبناء سورية وسوف يضع دستوره وقوانينه السوريون، ولا انتقام من أحد، ولكن عدالة تقتص ممن عذّبوا الشعب وأذلّوه ومنعوه من التعبير عن إرادته!
أدونيس الذي يعيش مرفها في باريس وغيرها من عواصم الغرب الحاضنة له، ويُحتفى به في العواصم العربية، ويُدعى إلى جلسات الأنس الخاصة في البلاد العربية، بدءاً من مقايل اليمن الجنوبي أيام حكم الشيوعيين، إلى الفنادق الفخمة في عصور النفط والثراء، يمثل مرشدًا أمينًا لكثير من الكتاب والنخب التي تعيش حالة من الانفصام الفكري والعداء الشديد لدين أمّتها وقيمها وتراثها ومستقبلها وقبل ذلك وبعده: حريّتها!
في ثورات «الربيع العربي» أعلن أدونيس أنه لا يستريح للثورات التي تخرج من أبواب المساجد، ولكنه أشاد بثورة الخميني وثوّار الحوزات العلمية!
ومن يقرأ مقدمة العدد الأول من مجلته «مواقف» التي صدرت عام 1968م عقب «وكسة يونيو»، يجد إهانة لا تخجل للقرآن الكريم والتاريخ الإسلامي، وهو ما اتضح أكثر في رسالته للدكتوراه بجامعة القديس يوسف في بيروت التي نشرها باسم «الثابت والمتحول»، واحتفى بها الشيوعيون المصريون فنشروها في سلسلة ثقافية رسمية، وفي هذه الرسالة يؤكد موت الحضارة الإسلامية وتفاهتها، ولم يعجبه إلا ثورة القرامطة وثورة الزنج وتمرّد الحلاج وخيانته لأمته!
أدونيس صاحب التاريخ الرافض للعرب والعروبة ووحدة عبدالناصر مع سورية، وقصائده التي تصف عبد الناصر ووحدته العربية بأوصاف سلبية لا أحب ترديدها هنا؛ (تأمل ديوانه مهيار الدمشقي، الذي استلهمه من الشاعر الشعوبي مهيار الديلمي!)، ثم انظر تاريخه مع الحزب القومي السوري الاجتماعي وهروبه إلى لبنان مع أنطون سعادة بعد اغتيال عدنان المالكي، ثم تذكر طرده من اتحاد الكتاب العرب 1995م لأنه التقى في غرناطة بإسبانيا مع بعض الصهاينة في عام 1993م، أدونيس لا يهمه العرب ولا الوحدة العربية ولا تحرير فلسطين!
لا يعنيني اعتقاد أدونيس أو مواقفه إذا كانت في إطار شخصي لا ينشره على الناس ولا يدعو إليه، مثل خرافة أنه صوفي وثني! يعنيني توجيهه للنخب المعادية للإسلام، وتحريضه لها على التمرد الاجتماعي، ليس من أجل حرية الناس، ولكن من أجل تغيير الدين وقبول الأعداء والغزاة واللصوص تحت مسمى «قبول الآخر»!
أدونيس الشخص لا يعنيني، أدونيس الفكر الغلط والولاء للطغيان كرهاً في الإسلام هو الذي يعنيني.
الساحة تمتلئ اليوم بتلامذة أدونيس الذين يسبّون ويشتمون ويخوّنون ويردحون لمن يتمسك بدينه ويخالفهم الولاء للطغيان والاستبداد والوحشية والدموية، ويقومون بالوشايات الرخيصة هذا «داعشي» وذاك قاعدي وأولئك خلايا نائمة، وكأن الأجهزة نائمة وتحتاج من يوقظها، هؤلاء الصغار لا قيمة لهم، لأنهم مجرد تروس صغيرة في آلة الثورة المضادة التي تعادي الحرية والشورى والعدل، ولا عزاء لأدونيس زعيم أرامل بشار!
لا أبالغ إذا قلت: إن أدونيس يتم إعداده الآن ليقود الثورة الفكرية المضادة لتحرير الشعب السوري، واستعادة بشار، وحكم أجهزة القمع، وإعلاء ذكر صيدنايا!