المؤلف: شفيق الغبرا يرحمه الله
عدد الصفحات: 342 صفحة
النكبة ليست مجرد حدث عابر في التاريخ الفلسطيني، بل هي لحظة ميلاد للشتات الفلسطيني بكل تفاصيله، وتعتبر الكويت إحدى المحطات الأبرز في هذا الشتات. يقدّم شفيق الغبرا، الأكاديمي والمفكر الفلسطيني يرحمه الله، في كتابه “النكبة ونشوء الشتات الفلسطيني في الكويت“ قراءة معمقة تجمع بين التحليل التاريخي والاجتماعي والإنساني، في محاولة لفهم كيفية تكوين المجتمع الفلسطيني في الكويت، وتأثير النكبة على هوية الفلسطينيين الاجتماعية والاقتصادية.
أقسام الكتاب ومضامينه
يتألف الكتاب من 10 فصول، تبدأ برؤية نظرية حول مفهومي “الاقتلاع والشتات” وتنتهي برؤية مستقبلية حول إعادة إنتاج الشتات الفلسطيني. وفيما يلي قراءة لأهم محاور الكتاب:
الفصل الأول: الاقتلاع والشتات – مدخل نظري
يفتح الكاتب الباب أمام القارئ بمفاهيم نظرية مهمة، حيث يسلط الضوء على مفهوم “اللادولة” الذي يعكس الوضع الوجودي للفلسطينيين، الذين انتقلوا من حالة الانتماء إلى أرضهم إلى حالة العيش في الشتات. يناقش الغبرا كيفية تكوين روابط اجتماعية في المنفى، مشيرًا إلى أن العائلة الفلسطينية كوحدة اجتماعية واقتصادية لعبت دورًا كبيرًا في إعادة بناء النسيج الاجتماعي الفلسطيني في المجتمعات الجديدة.
الفصل الثاني: 1948 – في البداية كانت النكبة
في هذا الفصل، يرصد المؤلف أحداث نكبة 1948، التي تسببت في اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، مع التركيز على مجزرة دير ياسين كحدث مفصلي هز وجدان الفلسطينيين وعمّق شعورهم بالخوف. يستعرض الكتاب رحلة التهجير القسرية التي خلّفت جروحًا نفسية عميقة في ذاكرة الفلسطينيين. يعكس هذا الفصل حجم المأساة وتأثيرها على الذاكرة الجمعية الفلسطينية، موضحًا كيف دفعت النكبة الفلسطينيين إلى البحث عن مأوى في الدول العربية المجاورة، ومنها الكويت.
الفصل الثالث: النخبة المهجَّرة
يوثق الغبرا في هذا الفصل وصول النخبة الفلسطينية إلى الكويت، وهي نخبة مكونة من معلمين ومهندسين وأطباء وكتّاب، ممن حملوا معهم خبراتهم إلى الكويت. هذه النخبة لم تكن عادية، بل شكلت نواةً لتأسيس مجتمعات فلسطينية جديدة. في هذا السياق، يشير الغبرا إلى دور النخبة الفلسطينية في تطوير الكويت على مستوى التعليم والصحة والإعلام.
الفصل الرابع: التماسك العائلي – المرأة والهوية الوطنية
هذا الفصل يلقي الضوء على دور العائلة الفلسطينية في الشتات. يوضح الغبرا أن الأسر الفلسطينية في الكويت لم تقتصر على العيش بمعزل عن الوطن، بل استمرت في دعم ذويها في الداخل الفلسطيني ومخيمات اللجوء، وذلك من خلال تحويلات مالية دورية لدعم التعليم والمعيشة. يبرز أيضًا دور المرأة الفلسطينية في الحفاظ على هوية العائلة، ودعم أفراد الأسرة في مواجهة التحديات.
الفصل الخامس: نكبة الفلاحين والشتات
إذا كانت النخبة الفلسطينية قد سبقت إلى الكويت، فإن الفلاحين الفلسطينيين تبعوهم، لكن في ظروف أصعب. يشرح الغبرا كيف انتقل الفلاحون من العمل في الزراعة إلى وظائف يدوية شاقة في الكويت مثل البناء والسمكرة. يبرز هذا الفصل التناقض الطبقي بين النخبة والفلاحين، لكن الغبرا يوضح أن هذا التناقض كان في النهاية عنصر تكامل أسهم في بناء مجتمع فلسطيني متكامل في الكويت، حيث تضافرت جهود النخبة المتعلمة مع خبرات الفلاحين الصامدين.
الفصل السادس: العائلة – كيان عابر للأوطان
يشير الغبرا إلى أن العائلة الفلسطينية أصبحت كيانًا عابرًا للأوطان، حيث يعيش أفراد العائلة الواحدة في عدة دول، كل فرد يحمل جنسية مختلفة. يروي المؤلف قصصًا مؤثرة لعائلات فلسطينية متفرقة في الكويت وسوريا والأردن ولبنان وفلسطين، مع توضيح كيف نجحت هذه العائلات في الحفاظ على روابطها عبر الحدود. يناقش الغبرا هذه القضية من منظور علم الاجتماع، مشيرًا إلى أن الفلسطينيين طوّروا مفهومًا جديدًا للعائلة الممتدة، وأصبحت العائلة وسيلة للبقاء والدعم الاقتصادي والاجتماعي.
الفصل السابع: الشبكات العائلية – الديناميات الاجتماعية والبقاء
في هذا الفصل، يركز الغبرا على الشبكات العائلية الفلسطينية وكيف ساهمت في بقاء الفلسطينيين ككيان متماسك. يشير إلى أن الفلسطينيين في الكويت، ومع استمرار اللجوء، بدأوا في تشكيل صناديق دعم خاصة بكل قرية أو بلدة فلسطينية. وقد مكّنت هذه الصناديق الفلسطينيين من دعم بعضهم البعض ماليًا وتعليميًا، مما عزز مفهوم الاقتصاد الاجتماعي التضامني، وهو نموذج اقتصادي مبني على التعاون بين أبناء البلد الواحد في الغربة.
الفصل الثامن: استراتيجيات التأقلم الاقتصادية والاجتماعية
يسلّط الغبرا الضوء على آليات التكيف الاقتصادية والاجتماعية التي اتبعتها العائلات الفلسطينية للبقاء في الكويت. يشير إلى أن الفلسطينيين في الكويت، مع تزايد الضغوط الاقتصادية، قاموا بتطوير صناديق مالية تعاونية تهدف إلى دعم عائلات القرى الفلسطينية. كانت هذه الصناديق نموذجًا للإبداع الفلسطيني في مواجهة اقتصاد المنفى، حيث استطاع الفلسطينيون بناء شبكة اقتصادية مستقلة داخل الكويت.
الفصل التاسع: غزو العراق للكويت والفرص الضائعة
يناقش الغبرا في هذا الفصل تأثير الغزو العراقي للكويت على الفلسطينيين، حيث تعرض الفلسطينيون إلى تهمة الانحياز لصدام حسين. يروي كيف وقع الفلسطينيون ضحية سوء الفهم، حيث سعت أطراف سياسية إقليمية إلى استغلال هذا الموقف ضدهم. يستعرض الغبرا موقف الجالية الفلسطينية في الكويت، التي فضّلت الحياد في البداية، لكن الدعاية السياسية الخارجية ألقت بظلالها على علاقتهم بالكويتيين بعد الغزو.
الفصل العاشر: إعادة إنتاج الشتات الفلسطيني والمستقبل
يختم الغبرا كتابه بمراجعة شاملة عن العلاقات الفلسطينية الكويتية بعد تحرير الكويت. يشير إلى أن الفلسطينيين والكويتيين تمكنوا، رغم التوترات، من إعادة بناء الثقة، حيث ساهمت شخصيات فلسطينية وكويتية في تهدئة الأوضاع، وتم استئناف التعاون الإنساني والاجتماعي. يشيد الغبرا بجهود الكويتيين والفلسطينيين في تخفيف حدة الأزمة، مشيرًا إلى أن المستقبل يحتاج إلى بناء جسور جديدة بين الشعوب بدلًا من تأجيج الخلافات.
رؤية تحليلية
يُعد كتاب “النكبة ونشوء الشتات الفلسطيني في الكويت“ مرجعًا مهمًا لفهم التجربة الفلسطينية في الكويت. يقدّم الكتاب رؤية شاملة ومتكاملة تدمج بين التحليل التاريخي والاجتماعي والنفسي. في كل فصل، يعرض الكاتب قصصًا إنسانية مؤثرة، مع الاعتماد على مناهج العلوم الاجتماعية، ما يمنح القارئ نظرة عميقة عن التحديات التي واجهت الفلسطينيين في الكويت وكيف نجحوا في تجاوزها.
الكتاب ليس مجرد رواية لتاريخ الشتات الفلسطيني، بل هو رؤية مستقبلية تهدف إلى البحث عن قواسم مشتركة بين الشعوب العربية، وبناء علاقات قائمة على العدالة والاحترام المتبادل.
يؤكد الغبرا في كتابه أن النكبة ليست نهاية، بل بداية لتجربة الشتات الفلسطيني. فمن بين الألم والاقتلاع، نجح الفلسطينيون في الكويت في إعادة صياغة هويتهم، مستفيدين من القيم العائلية، والقدرة على التأقلم، والبحث عن فرص جديدة في بيئات غريبة. قصة الفلسطينيين في الكويت ليست فقط قصة معاناة، بل هي قصة نجاح وصمود تبرز معاني الكفاح والكرامة.