في كل مجتمع يتطلع إلى التقدم والنهضة، يبقى المعلم محوراً أساسياً وركيزة لا غنى عنها، فهو ليس مجرد ناقل للمعرفة أو مدرّس للمناهج، بل هو صانع الأجيال، وباني العقول، والمساهم الأول في تشكيل القيم والسلوكيات، ومع ذلك، ظل المعلم يعاني في بعض الأحيان من تجاهل حقوقه وقلة الحماية التي تضمن له ممارسة دوره بأمان واحترام، واليوم، أكثر من أي وقت مضى، حان الوقت لإقرار قانون شامل يحمي المعلم ويعزز مكانته، بما يتناسب مع عظمة رسالته.
المعلم هو النواة الأولى في منظومة التعليم، والمساهم الأساسي في بناء العقول المستنيرة، لا يقتصر دوره على إيصال المعلومات، بل يمتد ليشمل التوجيه، والتحفيز، وتربية أجيال تمتلك القيم الإنسانية والوعي الوطني، عندما يُكرّم المعلم ويُمنح حقوقه كاملة، تنعكس هذه المكانة على جودة التعليم والمخرجات التي تسهم في تطور المجتمع، لذلك، فإن حماية المعلم ليست مطلباً شخصياً، بل ضرورة مجتمعية لضمان استمرارية التعليم الفعّال.
لكن للأسف، في بعض المجتمعات، ينظر البعض إلى وظيفة المعلم بازدراء وكأنها وظيفة ثانوية لا ترتقي إلى أهمية وظائف أخرى، هذه النظرة القاصرة تجاه المعلم ووظيفته أحد أهم العوائق التي تمنع المجتمعات من التقدم والتطور، الحقيقة أن أي أمة تهمل المعلم وتقلل من شأنه لن تستطيع النهوض أو تحقيق أهدافها التنموية، على النقيض من ذلك، الأمم والدول المتطورة مثل فنلندا واليابان وضعت المعلم في أعلى سلم الأولويات، فكانت النتيجة نظاماً تعليمياً متطوراً ومجتمعاً واعياً ومنتجاً، تقدير دور المعلم واحترامه هو حجر الزاوية الذي يُبنى عليه أي مشروع حضاري حقيقي.
إن الحديث عن حماية المعلم يرتبط بشكل وثيق بحقوقه الأساسية، فمكانة المعلم واحترامه جزء لا يتجزأ من حقوقه المشروعة، عندما يشعر المعلم بالاحترام والأمان في محيط عمله؛ يتمكن من أداء مهامه التعليمية بكل كفاءة وفاعلية، فحماية المعلم ليست فقط حماية لشخصه، بل هي حماية لمكانته ولرسالة التعليم ككل، واحترام حقوق المعلم من تكريمٍ وتقدير ودعم مادي ومعنوي، وحمايته من أي اعتداء أو إساءة؛ ركن أساسي لضمان بيئة تعليمية سليمة ومثمرة تُفضي إلى بناء أجيال قادرة على قيادة المستقبل، فلا يمكن الحديث عن نهضة تعليمية أو مجتمعية دون ضمان حق المعلم في الحماية والاحترام الكاملين.
الملاحظ أن الدعوات لإقرار قانون حماية المعلم تتجدد دائماً في فترة الاختبارات، حيث تشهد المدارس حالات اعتداءات مؤسفة على بعض المعلمين من قبل الطلاب أو أولياء الأمور، هذه الحوادث، التي تؤلم الميدان التربوي وتزعزع مكانة المعلم، تُظهر مدى الحاجة الملحة لحماية قانونية دائمة للمعلمين، ولكن السؤال هنا: لماذا ننتظر هذه الحوادث المؤسفة لكي يرتفع صوت الميدان؟ لماذا نحتاج إلى أزمات لكي نتحرك باتجاه الإصلاح؟ حماية المعلم يجب أن تكون جزءاً أساسياً ومستداماً من نظامنا التربوي، وليس مجرد رد فعل مؤقت على أزمات عابرة.
في السنوات الأخيرة، تصاعدت الدعوات لإقرار قانون يحمي المعلم من الاعتداءات التي قد يتعرض لها أثناء أداء مهامه، الاعتداءات اللفظية والجسدية التي شهدتها بعض المؤسسات التعليمية تسلط الضوء على ضرورة التدخل التشريعي لحماية حرمة المؤسسات التعليمية وصون كرامة المعلم، فقانون حماية المعلم ليس مجرد وثيقة قانونية، بل هو تأكيد على أن المجتمع يقدّر رسالته ويحميه من أي إساءة.
في ديسمبر 2022م، قدمت جمعية المعلمين الكويتية مشروع قانون إلى مجلس الأمة يتضمن عدة بنود رئيسة تهدف إلى توفير الحماية القانونية للمعلم، من أبرزها تغليظ العقوبات على من يعتدي على المعلم أثناء تأدية وظيفته، وإنشاء صندوق اجتماعي لتعويض المعلم عن الأضرار التي قد تلحق به أو بممتلكاته نتيجة الاعتداءات، كما شمل المقترح تشكيل لجان تحقيق في كل منطقة تعليمية تضم جهات تربوية وقانونية لضمان الإنصاف في الشكاوى المقدمة ضد المعلمين، مع إلزام المؤسسات التعليمية بإبلاغ المعلم بتقرير الكفاءة السنوي الخاص به خلال فترة زمنية محددة، تعزيزاً للشفافية، وحماية حرمة المؤسسات التعليمية من التدخلات غير المبررة، بما يضمن بيئة تعليمية آمنة.
المعلمون في الميدان ينتظرون أكثر من مجرد حماية قانونية؛ يريدون احتراماً دائماً ودعماً ملموساً، ويطالبون بتعزيز التشريعات التي تحفظ كرامة المعلم وتحميه من التهجم اللفظي والجسدي، وضمان بيئة تعليمية آمنة ومستقرة، بعيداً عن التدخلات والضغوط، كما يرغبون في إنشاء برامج تدريب وتأهيل مستمرة تواكب تطورات العصر، مع توفير الحوافز التي تشجع على الإبداع في التعليم.
واليوم، وفي ظل ما يواجهه المعلم من تحديات، لم يعد هناك مجال للتأخير، حان الوقت لإقرار قانون حماية المعلم، ليس فقط كوسيلة لحمايته، بل كخطوة لبناء مجتمع أكثر احتراماً وتقديراً للعِلم والمعرفة، دعم المعلم هو دعم للمستقبل، وحماية المعلم هي حماية لأجيال قادمة، على الجميع، سواء في الميدان التربوي أو في مواقع اتخاذ القرار، العمل معاً لتحقيق هذا الهدف السامي، لأن تكريم المعلم هو تكريم للأمة بأكملها.