يقع العديد من الآباء في خطأ فادح، حينما يدخنون بجوار أطفالهم وزوجاتهم في البيت، أو حين الاجتماع على مائدة الطعام، متناسين الأخطار التي يشكلها التدخين السلبي على صحتهم، وإمكانية التسبب في إصابتهم بأمراض خطيرة.
وقد يكون الأب شرهاً في التدخين، بمعدل كبير، يصل إلى تدخين 20 سيجارة يومياً أو أكثر؛ ما يرفع من أخطار إصابة أطفال الآباء المدخنين بمرض السرطان، حتى لو لم يدخنوا سيجارة واحدة، بحسب دراسة طبية صادرة عن المركز الألماني لأبحاث السرطان.
هذه السطور تحمل جرس إنذار لكل أب من خطورة التدخين بشكل عام، وبشكل خاص داخل البيت وبجوار الأطفال والأم، الأمر الذي يزيد من الأخطار على صحة الجميع، وينقل الضرر إلى باقي أفراد الأسرة.
أولاً: يعد التدخين مفسدة للصحة، مضيعة للمال، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لا ضرر ولا ضرار» (رواه أحمد)، وهي قاعدة فقهية ينبني عليها تحريم جميع ما يضر الإنسان من مأكل أو مشرب، وفي مقدمة ذلك الكحوليات والمواد المخدرة والتبغ والنرجيلة والسجائر الإلكترونية وغير ذلك مما يضر الإنسان.
كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ» (رواه البخاري)؛ وفي باب إضاعة المال يدخل التدخين الذي يلتهم أكثر من 250 مليار دولار من الاقتصاد العالمي في عام 2022م، ومن المتوقع أن يصل معدل الإنفاق على صناعة التبغ في العالم عام 2026 إلى 287.09 مليار دولار، حيث وصل معدل استهلاك منتجات التبغ إلى ما يقرب من 5 تريليونات سيجارة سنوياً، بحسب بيانات مركز «أطلس التبغ».
ثانياً: من الضروري أن يعلم كل أب مدخن أن شخصاً يموت كل 4 ثوان في العالم بسبب التدخين، وأن 15 شخصاً يلقون حتفهم كل دقيقة بسبب التبغ، وأن التدخين يقف وراء وفاة نحو 9 ملايين شخص في العام 2019م، وفق دراسة نشرتها مجلة «ذي لانست» البريطانية، أحد أشهر المجلات الدورية الطبية في العالم.
يقول المركز الاتحادي للتوعية الصحية بألمانيا، في دراسة صادرة عنه: إن التدخين السلبي يرفع لدى الأطفال خطر الإصابة بأمراض الربو والالتهاب الرئوي والتهاب الشعب الهوائية، وبشكل عام، يسبب التدخين أضراراً عديدة، منها زيادة أخطار الإصابة بأمراض القلب، وارتفاع احتمال الجلطات والسكتة الدماغية، وسرطان الرئة، وسرطان الحنجرة والفم، وزيادة أخطار التهاب اللثة وتسوس الأسنان، وقد يسبب العقم.
ثالثاً: على الآباء الوعي بأن الأطفال يتنفسون أكثر من البالغين، وخاصة الرضع والصغار، وهو ما يرفع من أخطار التدخين السلبي عليهم؛ نظراً لعدم تطور وكفاءة الجهاز التنفسي لديهم، ونظام المناعة في أجسامهم بشكل كامل، وبالتالي يستنشق الطفل عدداً من الملوثات في الساعة في غرفة مملوءة بالدخان، كأنه قام بتدخين سيجارة بنفسه، بحسب «وكالة الأنباء الألمانية» (د ب أ).
رابعاً: يعتقد البعض خاصة في المجتمعات الريفية، وهو اعتقاد شائع وخاطئ، أن تدخين النرجيلة (الشيشة) أخف ضرراً من السيجارة، متجاهلاً الحقائق العلمية التي تفيد بأن نفَس النرجيلة يعادل 55 سيجارة؛ أي نحو 3 علب من السجائر، تقول منظمة الصحة العالمية، عبر موقعها الإلكتروني: إن دخان التبغ الصادر عن الشيشة يحتوي على كميات وافرة من المواد السامة التي تسبب السرطان، خاصة ما يرتبط بسرطان الفم والمريء والرئة وربما يرتبط بسرطان المعدة والمثانة، وهناك أيضاً أدلة على ارتباط تدخين تبغ النرجيلة بأمراض الجهاز التنفسي، والقلب، وأمراض اللثة، والتهاب الأنف، والعقم عند الذكور.
خامساً: قد يتجه الأب إلى تدخين السجائر الإلكترونية ظناً منه أنها أقل ضرراً، لكن الخبراء يحذرون من أن هناك عدداً من الملوثات في بخار السجائر الإلكترونية مثل «الفورمالديهايد»، و«الأسيتالديهايد»، وهي مواد مسرطنة، تعرض الشخص المدخن نفسه للخطر، وأطفاله أيضاً، بحسب البروفيسور هانز يورجن نينتفيتش، عضو لجنة الخبراء التابعة للرابطة المهنية لأطباء الأطفال والمراهقين بألمانيا.
سادساً: يحظر كذلك دخان التبغ البارد، وهو عبارة عن جزيئات دقيقة من دخان التبغ تترسب على الأثاث أو السجاد أو الملابس، وهذه الجزيئات تتحرك عن طريق التيارات الهوائية وتشكل خطراً على الصحة، حتى في حال عدم تواجد الأطفال في المنزل وقت التدخين، ولذلك تحذر دراسات علمية من أن مادة النيكوتين التي تحتويها السجائر يمكن أن تتفاعل مع مواد أخرى في البيئة وتشكل مواد مسرطنة، وهو ما يؤكد مجدداً خطورة التدخين على الإنسان بكل صوره، سواء داخل البيت أو خارجه، كما أن ضرره لا يتوقف على الأب المدخن فحسب، بل يصل إلى الزوجة والأبناء والأحفاد.