يحل في 18 ديسمبر الجاري «اليوم العالمي للغة العربية»، وهو اليوم الذي أقرته منظمة «يونيسكو» منذ عام 2012م احتفاءً بواحدة من أقدم اللغات السامية وأكثرها انتشارًا؛ حيث يستخدمها أكثر من 450 مليون شخص، كما تعد جسرًا للحضارة العربية التي أشرقت شمسها على العالم بكنوز العلم والأدب والحكمة والفنون.
تحتل اللغة العربية منزلة مقدسة عند المسلمين بوصفها لغة القرآن الكريم، وبفضله بلغت العربية من الاتساع مدى لا تكاد تعرفه أي لغة أخرى من لغات الدنيا.
هناك 7584 كلمة في اللغة الأوردية، أصلها من اللغة العربية
وقياساً بلغات العالم، فإن ما أخذته اللغة العربية من اللغات الأخرى قليل جداً، لكن في المقابل فإن اللغات الأخرى استعارت الكثير من العربية، فمثلاً هناك 7584 كلمة في اللغة الأوردية، و3303 كلمات في الملايوية، و160 كلمة في الإنجليزية أصلها من اللغة العربية.
فرادة اللغة الأم
ساهم الموطن الجغرافي على تمتع العربية بالاستقلال وقلت من ثمّ نسبة تأثرها بجاراتها، وهي: اللغة الفارسية من جهة الشرق، واللغة الآرامية من الشمال، واللغة الحبشية من الجنوب؛ ولذا احتفظت اللغة العربية بأكبر قدر من مقومات اللسان السامي الأول، ويؤكد الأب رفائيل نخلة في دراسة مهمة أن نسبة ما دخل للعربية من ألفاظ دخيلة 2.5% فيما دخل للفرنسية 55% من ألفاظها.
وتنتمي اللغة العربية طبقًا لتصنيف علماء اللغة المحدثين إلى عائلة اللغات السامية، وقد أطلق هذا الوصف العالم الألماني شلوتزر، في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وقصد به أن يكون تسمية مشتركة للغات الشعوب الآرامية، والفينيقية، والعبرية، والعربية، واليمنية، والبابلية الآشورية، وما انحدر منها بعد أن ثبت ما بين هذه اللغات من صلات قرابة وأوجه تشابه في أصواتها وصرفها ومعجمها.
تنتمي اللغة العربية إلى عائلة اللغات السامية
ويؤكد كثير من المستشرقين أن العربية هي أمُّ اللغات؛ فشجرة اللغة العربية بجذورها الضاربة في عمق التاريخ وفروعها المثمرة وأسرارها وعبقرية اشتقاقتها ونظمها الصرفية والنحوية والبلاغية وبقائها أجيالاً بعيدة بنفس المبنى والمعنى، وإيقاعها المنضبط صوتاً وكتابة وجرسًا، وتعبيرها المتنوع الدقيق عن كل شيء، ومنجزها الهائل بنحو 12 مليون كلمة، و16 ألف جذرٍ لغوي، لم تتغير أو تندثر عبر العصور، يقول الأديب الأمريكي إدوارد فان ديك، في كتابه «تاريخ العرب وآدابهم»: إن اللغة العربية من أكثر اللغات امتيازًا من حيث ثروة معجمها واستيعاب آدابها.
شهادات عن العربية
كان المستشرق الألماني كارل بروكلمان أحد أهم الدارسين للغات السامية بوجه عام، والعربية بوجهٍ خاص، وقد رأى أن اللغة العربية تفترق عن غيرها (من اللغات السامية) في احتفاظها الكامل بالأصوات الأصلية الغنية، على الأخص بأصوات الحلق وأصوات الصفير المختلفة، كما أنها تفترق عنها كذلك في احتفاظها التام بالحركات القديمة، ثم إن طريقة بناء الصيغ في السامية الأولى توجد في العربية في أرقى مراحل تطورها، مضيفاً في موضع آخر من كتابه الصادر بباريس حول فقه اللغات السامية: ولغة الشعر العربي قد تميزت بثروة عظيمة من الصور النحوية، وقد بلغت من حيث دقة التعبير عن علاقات الإعراب والنحو ذروة التطور في اللغات السامية، ومعجمها اللغوي لا يجاريه معجم في ثرائه، إنه نهر تقوم على إرفاده منابع اللهجات الخاصة، التي تنطق بها اللغات العربية.
اللغة العربية من أنقى اللغات وأكثرها تفرداً في التعبير
أما لويس ماسينون، وهو عالم آثار ومستشرق فرنسي وأحد مؤسسي مجمع اللغة العربية بالقاهرة، فيؤكد أن العربية من أنقى اللغات وأكثرها تفرداً في التعبير العلمي والفني، أما الإيجاز الذي تمتاز به فهو معجزة لغوية، مضيفاً في كتابه «عن أقسام اللغات الشرقية السريانية العربية»: في حين أن اللغة السريانية قد نقلت أجروميتها عن اللغة اليونانية نقلًا، فقد استطاعت لغة الضاد أن تشيد بناءً فخمًا من الإعراب، يضع أمام الأبصار مشهدًا فلسفياً ذا أصالة وابتكار.
وأيد رينولد نيكلسون، المستشرق الإنجليزي المبحر في التصوف الإسلامي، هذا الرأي في كتابه «تاريخ الأدب العربي»، مؤكداً أن اللغة العربية هي أصفى اللغات السامية، وأقربها إلى النبع الأول، ولهذا صمدت اللغة العربية وبادت سائر اللغات إلا من مجموعات قليلة تسعى للتمسك، منها ومنها الآرامية والسريانية في سورية، مضيفاً أن العربية كانت في أوائل القرون الوسطى لغة الكلام والكتابة لجميع المسلمين المثقفين على اختلاف قومياتهم، من الهند إلى المحيط الأطلسي.
لقد أبان المستشرق لامانس، في كتابه «ملاحظات على الألفاظ الفرنسية المشتقة من العربية» ما يربو على 700 كلمة عربية دخلت اللغة الفرنسية، وقدم تيلور بحثًا ذاكرًا فيه ما يزيد على ألف كلمة عربية في الطب والكيمياء والفلك والبيولوجيا والجراحة دخلت اللغة الإنجليزية.
انتشار اللغة العربية يعتبر من أغرب ما وقع في تاريخ البشر
لذا، يقول الفيلسوف الفرنسي أرنست رينان، في كتابه «تاريخ اللغات السامية»: إن انتشار اللغة العربية ليعتبر من أغرب ما وقع في تاريخ البشر، كما يعتبر من أصعب الأمور التي استعصى حلها؛ فقد كانت هذه اللغة غير معروفة بادئ ذي بدء، فبدت فجأة على غاية الكمال سلسة أي سلاسة، غنية أي غنى، كاملة بحيث لم يدخل عليها منذ ذلك العهد إلى يومنا هذا أدنى تعديل مهم، فليس لها طفولة ولا شيخوخة، ظهرت لأول أمرها تامة مستحكمة، ولا أدري هل وقع مثل ذلك للغة من لغات الأرض قبل أن تدخل في أدوار مختلفة، فإن العربية –ولا جدال– قد عمت أجزاء كبرى من العالم.
ستظل العربية جزءاً لا يتجزأ من حقيقة الإسلام، إذ إن كتابه لا يُقرأ إلا بها، ولا يُفهم إلا من خلالها، وهي عماد إعجازه اللغوي لقول الله سبحانه: (قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الزمر: 28)، وقد واجهت عواصف الغزو المغولي والتركي ثم محنة تغلب العامية وغلبة لسان قوى الاستعمار بجهل أبنائها بلغتهم وبقداستها التي يقول عنها الإمام الشافعي في الرسالة: لسان العرب أوسع الألسنة مذهباً، وأكثرها ألفاظاً، وعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغ جهده؛ حتى يشهد به أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويتلو به كتاب الله وذكره، وما ازداد من العلم باللسان الذي جعله الله لسان من ختم به نبوته وأنزل به آخر كتبه.