تُعَدُّ جامعة عليجراه الإسلامية (AMU) واحدة من أكثر المؤسسات التعليمية المثيرة للجدل في الهند، فهي ليست مجرد صرح علمي عريق؛ بل رمز ثقافي واجتماعي يحمل طموحات وتحديات المجتمع المسلم في الهند منذ تأسيسها في القرن التاسع عشر وحتى اليوم، ومع التطورات القانونية والسياسية التي شهدتها الهند خلال العقود الماضية، أُثيرت تساؤلات حول هوية الجامعة، ودورها كمؤسسة تعليمية للأقلية، وحجم ارتباطها بجذورها الإسلامية.
الحلم يتحول إلى واقع
في عام 1877م، قام المصلح الاجتماعي المسلم سيد أحمد خان بتأسيس كلية المحمدان الأنجلو-أورينتال (MAO College) في عليجراه؛ بهدف نشر التعليم العصري بين المسلمين مع الحفاظ على القيم الإسلامية، جاءت هذه الخطوة في ظل حالة من التراجع التعليمي والاجتماعي التي عانى منها المسلمون بعد سقوط إمبراطورية المغول، وكان الهدف الأساسي من إنشاء هذه الكلية الجمع بين التعليم الحديث المستوحى من النماذج البريطانية مع المحافظة على الهوية الإسلامية.
تميزت الكلية منذ البداية بطابعها المتنوع، حيث كانت مفتوحة أمام جميع الطوائف رغم أنها أُنشئت أساسًا لخدمة المجتمع المسلم، وفي عام 1920م، تحولت الكلية إلى جامعة عليجراه الإسلامية بموجب قانون جامعة عليجراه لعام 1920م؛ ما منحها مكانة أكاديمية متميزة.
هل هي جامعة للأقلية
مع مرور الوقت، بدأت تتصاعد النقاشات القانونية حول وضع الجامعة كجامعة للأقلية، في عام 1967م، أصدرت المحكمة العليا الهندية حكمًا في قضية سيد عزيز باشا ضد اتحاد الهند قضى بأن جامعة عليجراه ليست مؤسسة للأقلية، مستندةً إلى أن الجامعة أُنشئت من خلال تشريع برلماني وليس بشكل مباشر من قِبَل المجتمع المسلم، وأكدت المحكمة أن مجرد الجهود التي بذلها المسلمون لإنشاء الجامعة لا تعني أنها مؤسسة أُنشئت من قِبَل الأقلية بالمعنى القانوني.
هذا الحكم أثار جدلًا واسعًا في الأوساط الأكاديمية والسياسية، حيث شعر العديد من المسلمين أن القرار ينتقص من هويتهم التاريخية وحقهم في إدارة الجامعة.
تعديل قانون عام 1981م.. محاولة لاستعادة الهوية
في عام 1981م، سعت الحكومة الهندية إلى معالجة هذا الجدل من خلال تعديل قانون الجامعة، نص التعديل على تعريف الجامعة بأنها مؤسسة تعليمية «أنشأها المسلمون في الهند»، وأُضيفت مهام جديدة للجامعة تشمل تعزيز التقدم التعليمي والثقافي للمسلمين.
ورغم هذا التعديل، استمرت القضايا القانونية المتعلقة بوضع الجامعة، ففي عام 2005م، أصدرت الجامعة قرارًا بحجز 50% من مقاعد الدراسات العليا في الطب للمسلمين، استنادًا إلى كونها مؤسسة للأقلية، ولكن المحكمة العليا ألغت هذا القرار، مستندة إلى الحكم السابق في قضية سيد عزيز باشا.
التطورات الحديثة.. معركة في ساحات القضاء
في عام 2019م، أعادت المحكمة العليا النظر في قضية الجامعة وأحالتها إلى هيئة مكونة من 7 قضاة لإعادة تقييم الحكم الصادر في عام 1967م، وفي تحول جذري، قضت المحكمة العليا في عام 2024م بإلغاء حكم عام 1967م، مع تأكيد حق جامعة عليجراه في اعتبارها مؤسسة للأقلية، تم الحكم بأغلبية 4:3 من قبل هيئة مؤلفة من 7 قضاة، بقيادة رئيس المحكمة العليا (CJI)، الذين أعادوا تعريف معايير المؤسسات التعليمية للأقليات.
أبرز النقاط التي تناولها الحكم
– تفسير المادة (30) بمرونة: أكدت المحكمة أن تفسير المادة (30) لا يمكن أن يكون ضيقًا أو قانونيًا بحتًا، بل يجب أن يُراعي السياق التاريخي والثقافي لتأسيس المؤسسات.
– الاعتراف بحقوق الأقليات: أشار القضاة إلى أن مجرد وجود نصوص قانونية تُحدد طبيعة المؤسسة لا يمكن أن يكون العامل الوحيد في الحكم على هويتها، بدلاً من ذلك، يجب النظر إلى النوايا والجهود التي صاحبت تأسيس الجامعة.
– إلغاء القيود الزمنية: أكد الحكم أن المؤسسات التي تأسست قبل الدستور ليست محرومة من حقوق الأقليات، مما يعزز شمولية المادة (30).
– إدارة المؤسسات: شدد القضاة على أن حقوق الإدارة الذاتية للأقليات لا يمكن التنازل عنها أو إبطالها، استنادًا إلى السوابق الدستورية مثل قضية باششير ناث (1959م).
الاتفاق والخلاف بين القضاة
رغم الاختلاف في بعض التفاصيل، كان هناك اتفاق واسع بين القضاة السبعة على توسيع نطاق الحماية الدستورية للمؤسسات التعليمية للأقليات، ومع ذلك، أعطى القضاة المخالفون أهمية أكبر للنصوص القانونية لقانون الجامعة لعام 1920م، معتبرين أن ذلك هو العامل الحاسم في تحديد وضع الجامعة.
القاضي ديبانكار داتا، الذي انضم إلى الفريق المخالف، أشار إلى أهمية الالتزام بالأحكام السابقة، لكنه اعترف بأن التفسير الضيق للدستور قد لا يتماشى مع التطورات الاجتماعية والسياسية.
مستقبل الجامعة في ظل التحديات
إن الحكم الأخير للمحكمة العليا قد يمثل انتصارًا رمزيًا كبيرًا للمجتمع المسلم، لكنه يفتح أيضًا الباب أمام تساؤلات جديدة حول كيفية إدارة الجامعة ودورها في تعزيز الهوية الثقافية والتعليمية للمسلمين، هل ستتمكن الجامعة من استغلال هذا الاعتراف القانوني لتوسيع نطاق خدماتها وتحقيق المزيد من التقدم؟ أم أن التحديات السياسية والاجتماعية ستظل عائقًا أمام تحقيق رؤيتها؟
جامعة عليجراه الإسلامية ليست مجرد مؤسسة تعليمية، بل هي شاهد حي على تاريخ طويل من الصراع من أجل الهوية والحقوق في الهند، ورغم كل التحديات، تبقى الجامعة رمزًا للأمل والطموح في بناء مستقبل أفضل للأقليات في البلاد.
قضية جامعة عليجراه الإسلامية ليست مجرد نزاع قانوني؛ بل هي محطة مهمة في تاريخ حقوق الأقليات في الهند، تُظهر الأحكام المتتالية كيف يمكن للمؤسسات القضائية أن تُعيد تفسير النصوص الدستورية بما يواكب تغيرات الزمن، مع الحفاظ على جوهر القيم والمبادئ التي بُني عليها الدستور.