بعد سقوط بشار الأسد، وسقوط النظام الذي بناه ورموزه، ترك وراءه دولة مدمرة وضعيفة اقتصادياً وبشرياً، مع دمار شامل في البنية التحتية، وضعف في الخدمات الأساسية؛ ما يشكل عائقاً في طريق الاستقرار، ويجعل من إعادة الإعمار إستراتيجية وأولوية كبرى نحو بناء دولة مستقرة وناجحة.
ومن الأفضل لتحقيق التعافي المبكر ونجاح الإعمار، الاستعانة من تجارب الدول الأخرى التي عانت من ويلات الحروب، وخصوصاً أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية على غرار «مشروع مارشال».
كما يمكن الاستعانة بدول الخليج للمساعدة في ضخ رأس المال المانح اللازم، والاستعانة بالخبرات التركية، ومن المتوقع أن تكون قطاعات مثل الإنشاءات والطاقة والخدمات اللوجستية وصناعة الأثاث في مقدمة المشهد، مدعومة بالموقع الجغرافي القريب لتركيا وخبرتها الدولية وبنيتها التحتية القوية في مجال الخدمات اللوجستية.
ويرى الخبراء أن تحقيق هذا السيناريو الطموح يعتمد على استعادة الحكومة السورية الجديدة لموارد النفط والغاز ومحاصيل الحبوب، وتأمين تدفقات مالية من النظام المالي المحلي والعالمي.
استعادة الحكومة الجديدة موارد النفط والغاز ومحاصيل الحبوب وتأمين تدفقات مالية
إن إنجاز هذه المشاريع ليس بالأمر السريع، حيث يتطلب الأمر على الأقل عقداً من الزمن لرؤية نتائج الخطوات السياسية المتخذة، ومع إدراج جميع القطاعات، هناك إمكانات اقتصادية في سورية تقدر بحوالي 100 مليار دولار.
ومن المتوقع أن تحتل مشاريع البنية التحتية مكانة رئيسة في إعادة إعمار سورية، مثل الطرق والجسور والمباني وشبكات الكهرباء وقنوات المياه، بعد استكمال الاحتياجات العاجلة للبنية التحتية، سيتم التركيز على بناء وحدات سكنية جديدة، ويبرز في هذا السياق مدينتان رئيستان؛ دمشق، وحلب، يجب التركيز عليهما من حيث أولوية الإعمار لكونهما الأكثر تضرراً.
وتحتاج مرحلة الإعمار بداية إلى:
1- رفع العقوبات المقررة على سورية، وخصوصاً في القطاعات الاقتصادية، ومن أجل تمكين وصول المساعدات الإنسانية وبرامج التعافي المبكر داخل سورية.
2- تطبيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية بين مكونات الشعب السوري.
3 – محاربة الفساد في مؤسسات الدولة بإيجاد آلية رقابة قانونية على المؤسسات، ومحاسبة المتورطين في سرقة المال العام.
4- تشجيع العودة الطوعية والآمنة والكريمة للاجئين إلى سورية، وتقديم المساعدة لهم من الدول المضيفة والمنظمات الإنسانية.
ومما لا شك فيه أنه مما يساعد في إعادة الإعمار تأهيل عجلة الإنتاج في سورية لوجود ثروات كبيرة جداً، وخصوصاً من الطاقة كالبترول والغاز وغيرهما من الذهب والبوتاسيوم، والمنتجات الزراعية وخصوصاً محاصيل الحبوب، والسيلكون وبكميات تجارية للتصدير؛ ما يشكل رافداً عظيماً لإعادة الإعمار للتخلص من اللجوء للاقتراض من البنوك الدولية أو الدول المشروطة بقيود مذلة سياسية أو اقتصادية.
أولوية مشاريع البنية التحتية مثل الطرق والمباني وشبكات الكهرباء وقنوات المياه
ومما يساعد على التسريع بالإعمار الاعتماد على الخبرات الموجودة في الشعب السوري وتعجيل وتشجيع عودتهم إلى بلدهم بسرعة.
ولا شك أن العمل على الاستقرار السياسي والتعجيل في بناء المؤسسات الدستورية، وعدم التأخر في تسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة بوقت قياسي ودون تأخير، يساعد كثيراً على إعادة الإعمار ويشجع الدول الداعمة.
والأولوية في إعادة الإعمار هو إعادة تأهيل وبناء البنية التحتية أولاً، لأنها الأساس الأول في بناء اقتصاد قوي وقادر على تسريع التعافي والاستقرار.
ولا بد من الاعتماد على الكفاءات، والسير في سلم الأولويات، ومحاربة الهدر والفساد الإداري والمحسوبيات، والاعتماد على حوكمة المشاريع، والبدء بالمشاريع الخدمة الأساسية قبل الترفيهية، وإن زيادة الرواتب للموظفين إلى حد الكفاية المناسب مع تكاليف المعيشة يساعد جداً في الحد من ظاهرة الرشوة وسرقة المال العام والفساد الإداري، وهو لازم للتعافي وتشجيع الدول الداعمة والمانحة للمشاركة بإعادة لإعمار.
خطة من 3 مراحل
ويمكن إعداد خطّة من 3 مراحل، لإنجاز مسار إعادة الإعمار ومعالجة الأضرار التي خلّفتها الحرب.
الأولى: تتعلق بمسح الأضرار لتحديد تفاصيل الاحتياجات بشكل أدق، إذ إن عملية رفع الأنقاض ومخلفات الحرب تتطلب وقتاً كبيراً ويجب تنفيذها بوتيرة سريعة، وتتحمل الدولة المانحة تكاليفها.
وفيما يخص المرحلة الأولى أيضاً، وفي خلال هذه الفترة، يتم تقييم حجم الخسائر وتكلفة إعادة بناء ما دُمِّر وتحسين البنية التحتية للأفضل، سواء في المباني السكنية، والتجارية، والصناعية، والأراضي الزراعية التي تحتاج إلى إعادة تأهيل.
الثانية: تتم فيها عمليّة تحديد التكلفة بعد تقييم الأضرار، من خلال التعاون مع مكاتب هندسية واستشارات شاملة تغطي كل الجوانب، بما في ذلك البنية التحتية؛ لأن الدمار لم يطاول الأسواق والمباني السكنية فحسب، بل امتد أيضاً إلى قطاعات أخرى مثل الاتصالات، وقنوات الري، والصرف الصحي، والمنشآت الزراعية، وهو حجم لم يكن متوقعاً قبل الحرب.
وهناك اختلافات كبيرة في تقييم أضرار الحرب، حيث تشير التقديرات الأولية إلى تكلفة تتراوح بين 900 مليار دولار وفقاً للبنك الدولي.
ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، فإن إعادة إعمار سورية تتطلب استثمارات لا تقل عن 400 مليار دولار.
ولا بد من إعادة إحياء القطاعات الاقتصادية، إذ إن خسائر القطاعين الزراعي والسياحي كبير جداً؛ حيث انخفضت الصادرات بشكل كبير مع انخفاض العائد الزراعي والصناعي إلى الربع أو أكثر، وهذا شيء كبير جداً، ولا بد من تشجيع ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة بشكل خاص لكثرة انتشارها لمحاربة البطالة والفقر.
الاعتماد على الكفاءات ومحاربة الهدر والفساد الإداري والمحسوبيات وحوكمة المشاريع
ولا بد من التعاون مع برنامج الأمم المتحدة (UNDP)، من خلال إطلاق منصة لتوثيق خسائر المؤسسات وتحديد احتياجاتها المالية والقانونية لإعادة إحياء أعمالها، سواء كانت صغيرة، أو متوسطة أو كبيرة.
ويجب أنّ تحصل المؤسسات الصغيرة على مساعدات فورية بقيمة تتراوح بين 10 و15 ألف دولار؛ ما يتيح لها استئناف عملها بسرعة.
الثالثة: يجب تقييم الخسائر الأكبر والبحث عن حلول للشركات الكبرى من خلال الدولة، والدول المانحة وشركات التأمين، والدعم الدولي.
الدور التركي
وفقاً لتصريحات ممثلي قطاع الإنشاءات التركي والمحللين السياسيين والاقتصاديين، سيكون لتركيا دور كبير في إعادة إعمار سورية بعد انتهاء الحرب وسقوط النظام، وعودة الحياة إلى طبيعتها، وأشاروا إلى أن استقلال سورية تحقق بدعم تركيا، ومع انتهاء الحرب وعودة الحياة، ستساهم تركيا بشكل كبير في مشاريع الإعمار كما هو متوقع.
وسيوفر القرب الجغرافي لتركيا من سورية ميزة كبيرة لقطاع اللوجستيات، حيث من المتوقع أن تنتعش طرق التجارة التي تمر عبر حلب وصولاً إلى دمشق والأردن؛ ما سيؤدي إلى زيادة كبيرة في صادرات تركيا، كما يمكن استخدام موانئ تركيا، مثل ميناء مرسين وإسكندرون، كمراكز لوجستية لتدفق التجارة في سورية، وهو ما سيزيد من إيرادات تركيا من التجارة العابرة.