احذروا هذه الفخاخ الكثيرة حولكم
تفتقت عبقرية المخترعين الذين انفلتت ضمائرهم من قيود القيم، وضوابط الأخلاق، تفتقت عن إنتاج أدوات للفتك والدمار، تقوم فكرتها على استغلال نقطة ضعف في الإنسان ألا وهي حبه للاستطلاع، وشغفه بكل مستغرب مستطرف، وانبهاره بكل مهول مستشرف، حيث تغازل تلك الأدوات في الإنسان هذه الغريزة، حتى إذا ما وقع فريسة هذا الغزل القاتل، فإنه لا يلبث أن يكون طريح الفراش بلا يدين أو رجلين أو عينين إن لم يفقد الحياة تماماً!
إنها الفخاخ الفخمة التي تشبه في هيئتها بعضاً مما يألفه الناس في حياتهم العادية، أو تتخذ أشكالاً ظاهرها معجب، وفي باطنها الموت الزؤام، أو شقاء الدهر.
وأغلب من يقع فريسة هذه الفخاخ –للأسف- هم الأطفال الأغرار، والسذج الأغمار ومن لم يتعودوا أو يعودوا أن ينظروا بعين الحذر إلى كل ما حولهم، موقنين أن ليس كل ما يلمع ذهباً فقد يكون ثعباناً فتاكاً!
وإذا كانت تلك الفخاخ القاتلة الخؤون لا تكثر إلا في أوقات الحروب، ولا نسمع التحذير منها إلا مع هدير المدافع، وأزيز الطائرات، ومقارعة الحديد الحديد، إلا أن الحقيقة التي ينبغي ألا نغفل عنها، أن حولنا الآن من هذه الفخاخ الفخمة ما هو أشد فتكاً، وأبعد آثاراً من تلك التي لا نتعامل معها ولا نسمع عنها إلا في ظروف محددة، ولأوقات محدودة، ويكثر على أسماعنا التحذير منها في تلك الأحايين، بما قد يقي الكثيرين من شرورها.
أما تلك الفخاخ الفخمة الأخرى التي أعنيها، وأود التحذير منها هنا فهي رغم خطورتها الداهمة، وملابستها لحياتنا، وتعرضها لنا أو تعرضنا لها أغلب الأوقات، فإنها لا تكاد تجد من يحذر منها، فلقد صيغت هذه الأخيرة بمهارة وحذق في مصانع تتقن ما تنتج، وبأيدي وعلى أعين أولئك الذين يسهرون الليالي يصلونها بالأيام بحثاً عن أنجع وسائل الفتك بأمتنا التي يضمرون لها حقداً يملك عليهم شغاف قلوبهم.
هؤلاء صانعو الفخاخ المجرمون
نعم، إن هؤلاء الحاقدين في الشرق والغرب على أمة الإسلام، لا يهدأ لهم أواره ولا تنطفئ لهم نار، ومن الجهل المركب أن يغفل المرء عن عداوة عدوه، وإن من هذه الفخاخ الفخمة المنثورة بيننا اليوم بأيدي أعدائنا من لا عمل له، ولا وظيفة إلا محاولة تنويمنا، وصرف أنظارنا عن هؤلاء الأعداء، ومكرهم، لكي يضعف أو نفقد تماماً أي حذر منهم، ليكون الفتك بنا ناجعاً مفجعاً.
إن الباطل على اختلاف صوره وأحزابه في «حالة حرب» دائمة ضد الحق وأصحابه، وهي حرب لا هوادة فيها ولا هدنة ولا استراحة، وإن غفل عنها أهل الحق فأعداؤهم لا يغفلون، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) (آل عمران: 118)، وقال تعالى: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ۖ فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ۖ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًاﱠ) (النساء: 89)، وقال تعالى: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) (البقرة: 217)، وقال تعالى: (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة: 120).
آيات كثيرة تتآزر على تأكيد حقيقة واحدة أننا –أمة الإسلام– مستهدفون، محاربون، وأن هناك من يسعى دوماً للإضرار بنا، وفي الآيات السالفة تصريح لا يصلح في هذه المواضع غيره، فهي تذكر اليهود والنصارى تحديداً، ومن قبلهم يأتينا أكثر الكيد، وأخبثه إلى اليوم، ثم هناك آيات تعمم الحديث عن الكفار جملة، فالكفر ملة واحدة، فيدخل هنا الهندوس والبوذيون والملاحدة، ومن لف لفهم ولزم غرزهم، وهي تشير إلى صنائع هؤلاء وأولئك بيننا من المنافقين المنتسبين للإسلام زوراً وهم من أشد الكائدين له.
وفي هؤلاء يمكنك أن تدخل الكثير من حكام البلاد الإسلامية، الذين يسومون شعوبها وبخاصة حملة راية الإسلام بينهم سوء العذاب، والطوائف المنتسبة للإسلام زوراً مع انحرافها كالعلويين، وبعض طوائف الشيعة والأحمدية أو القاديانية والبهائية وإن كان الأخيرون أعلنوا بوجه أو آخر أنهم غير مسلمين ولا ينتسبون لأمة الإسلام.
هؤلاء المحاربون لنا جميعاً، يتعاونون أو لا يتعاونون، ولكنهم عاكفون على صنع تلك الفخاخ الفخمة، وتلميعها، ودسها بخبث ودهاء في مختلف المواقع المؤثرة في بلادنا، وبخاصة في مظان التأثير الإعلامي والتعليمي ليكونوا معاول هدم وفتك وتخريب.
آثار الفخاخ التي انطلقت من عقالها
وقد اغتر بهذه الفخاخ الفخمة بين ظهرانينا –للأسف- كثيرون، فمنهم الآن المُشَوَّهُون، والمخدَّرُون، والمقتولون بمعنى من المعاني، ولا عليك إلا أن تقرأ تعليقات أغمار الناس في سفر الوجوه «فيسبوك» على بعض القضايا العامة لتجد مصداق ما أقول!
لقد انفجرت كثير من هذه الفخاخ وراحت تنشر شظاياها المسمومة تفتك بالأبرياء والأغمار، وما زالت تتفجر بشظاياها الفتاكة التي لا تنفد، ولذا فإن لها مع كل طلعة شمس ضحايا جدداً.
ألا تدرون –بعد- ما هذه الفخاخ الفخمة التي صُنِعَت في مصانع أعداء الإسلام وما زالت تصنع وتلقى بيننا وتتكاثر ضحاياها؟
إنها هذه الأسماء اللامعة البراقة في عالم الفن والفكر والأدب والعلم.. مَن لمعها؟! ومَن أعطاها البريق؟!
إنها هذه الألقاب الفضفاضة التي صِيغَت بمهارة لينخدع بها الأغرار.. مَن صاغها؟! ومَن خلعها على أصاحبها؟!
إنها هذه الأفكار والمذاهب والفلسفات التي تُحاط بهالات القداسة الزائفة، فيتساقط عليها أو فيها قصيرو النظر تساقط الذباب على الجيف، أو تساقط الحشرات في نار السعير.. مَن جاء بها؟ ومَن الذي يتعبد في محرابها؟!
إنها –أخيراً- هذه النوادي والروابط والجمعيات والأحزاب التي زُرِعَت بأرضنا الطيبة في ظلمات الليالي، ولم تزل تتكاثر تكاثر الأوبئة، وتنتشر انتشار النار في الهشيم، تصرف الناس بل تنزعهم من الصراط المستقيم، وتلقي بهم مغرورين إلى سبل الغواية ودورب الشياطين.
مواجهة الفخاخ وآثارها المدمرة
إن السبيل الأنجع للتخلص من آثار تلك الفخاخ الفخمة هي أن نتتبع خطاها، من خلال عمل مكيث مبرمج دؤوب، وأن نوعي الناس بأخطارها، ونعري لهم حقيقتها تمام التعرية، وأن يكون ذلك كله دون مواربة أو مداهنة، أو مجاملة على حساب دين الحق ومستقبل الأمة وبقائها.
ولا شك أن التخلص التام من تلك الفخاخ الفخمة من الأمور المستصعبة، فهي سُنة الله الماضية في الأرض أن يبقى في مواجهتنا الأعداء وبين ظهرانينا صنائعهم، وأبواقهم المستأجرة فلا تقضي على جرثومة من هؤلاء، حتى يعاجلك الأعداء بأخرى يدفعونها إلى الأضواء دفعاً، وهم حريصون على تعدد الجراثيم أشكالاً، وأصنافاً، ومواقع، تماماً كما هو الشأن في صنع الفخاخ الفخمة ونشرها لإحداث مزيد من التلبيس والارتباك، ولسهولة الاستبدال والتقديم والتأخير عند الحاجة.
لكن عدم القدرة على اجتثاث الظاهرة -ظاهرة الفخاخ الفخمة أو أبواق الأعداء المصطنعة والمدسوسة بين ظهرانينا للإفساد والتخذيل والتوهين- إن عدم القدرة على اجتثاثها من جذورها لا يعني اليأس من المواجهة، بل إن ذلك هو الأوجب والألزم بمقتضى الشرع والعقل معاً، ولا يكون ذلك إلا بتعقبها في مظانها حيث حلت، وتتبع حركتها، وتسجيل ما تبثه من سموم، أو ما ينبثق عنها من شظايا مدمرة للعقول والقلوب، والعمل على فضحها باستمرار، وكشف الأقنعة التي تتخفى بها بين الناس، وتبيان تهافت وتفاهة ما تبثه من سموم، والتحذير الدائم منها ومن فتنتها وشرورها بكل سبيل ممكن، وذلك كله من شأنه -بعون الله تعالى- أن يجنب الأمة وأجيالها أخطارها المتوقعة، ويقلل إلى حد بعيد من آثارها المفجعة.