سقط نظام بشار الأسد في سورية، وتعرضت إيران، حليفة الأسد، إلى نكسة لمشروعها بعد حرب «حزب الله» مع الكيان الصهيوني في جنوب لبنان، واغتيال أمينه العام حسن نصر الله، فيما يشير مراقبون إلى أن إيران تعرضت إلى أكبر تهديد إستراتيجي منذ الحرب العراقية الإيرانية عندما أنشأت محوراً أسمته «المقاومة والممانعة» في مؤتمر طهران عام 1989م، الذي يعتمد على وكلاء لها يهددون المصالح الغربية و«إسرائيل» عبر تحالف من المنظمات الإسلامية واليسارية لمواجهة التهديد الأمريكي للنظام الشيعي خارج الحدود الإيرانية.
لقد تعرض المشروع الإيراني إلى انتكاسة، لكنه لم يُهزم، فما زالت أوراق إيران موجودة في اليمن والعراق، وما زال «حزب الله» اللبناني، رغم خسائره الفادحة جراء الحرب الأخيرة، موجوداً، ويستطيع أن يؤلم «إسرائيل».
فيما تخطط إيران إلى نقل ساحات معاركها ضد الغرب و«إسرائيل» إلى أفريقيا، مع التركيز على دول القرن الأفريقي، معتبرة الحرب السودانية ظرفاً مثالياً لها للتدخل وأخذ مكانها في هذا الإقليم، حيث استطاعت استعادة العلاقات مع السودان، خلال العام الماضي، وبيع منظومات من الأسلحة والطائرات دون طيار للجيش السوداني الذي يواجه تمرداً عسكرياً من «قوات الدعم السريع»، وقد استفاد الجيش السوداني من مسيرات «مهاجر 6» الإيرانية في معركة أم درمان وتحرير الإذاعة، في ديسمبر 2023م.
التدخل «الإسرائيلي» بالحرب السودانية شجع إيران لبيع السلاح إلى الجيش السوداني
وقد شجع التدخل «الإسرائيلي» في الحرب السودانية الحماس الإيراني لبيع السلاح إلى الجيش السوداني، بعد أن تظاهرت «إسرائيل» في بداية الحرب بالحياد بين الطرفين واستعدادها للوساطة علناً، لكنها في السر كانت تسمح لضابط «الموساد» ذي الأصول الإيرانية بن مناشي بتقديم النصائح إلى قادة «الدعم السريع» لمخاطبة الغرب ووسائل الإعلام الغربية وإقناعهم أنه يحارب الإسلام المتشدد والمنظمات «الإرهابية».
في عام 2020م، وضمن صفقة مع إدارة الرئيس الأمريكي ترمب، حينها، تم تطبيع العلاقات السودانية «الإسرائيلية» مقابل إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتمت زيارات وفود عسكرية وأمنية متبادلة بين الجانبين السوداني و«الإسرائيلي»، لكن العلاقات لم تتطور لتوقيع اتفاق تعاون شامل؛ لأن الحرب اندلعت بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع».
واختارت «إسرائيل» الحياد ظاهرياً خلال هذه الحرب، لكن الجانب السوداني اكتشف أدلة على تورط «إسرائيل» المباشر في دعم «الدعم السريع»، فقد كشفت صحيفة «هاآرتس» العبرية (المعارضة لحكومة نتنياهو) عن قيام «إسرائيل»، في مايو 2022م، قبل عام من الحرب، ببيع منظومات اتصالات وتجسس قادرة على تحويل الهاتف الذكي إلى أداة تنصت لقوات «الدعم السريع»، وأنهم أخذوا هذه المنظومة وقاموا بتشغيلها في دارفور بعيداً عن أعين الجيش السوداني، بالإضافة إلى منظومة اتصالات فائقة الأمان.
إضافة إلى ذلك، قام مندوب السودان في الأمم المتحدة الحارث إدريس بتقديم شكوى إلى المنظمة الأممية تضمنت معلومات خطيرة؛ وهي وجود ضباط مخابرات من جنسية غير عربية بالتواجد مع محمد دحلان في دولة تشاد، هم الجنرال أيان لوتان، ود. نحمان شاي، ومعين تشين، في 12 نوفمبر 2023م، في مطار أم جرس التشادي؛ لتنسيق هجمات «الدعم السريع» على مواقع الجيش السوداني.
الساحة السودانية تعتبر فرصة كبيرة لإيران لرد اعتبارها بعد الانتكاسة في سورية ولبنان
وقام موقع «السودان بلس» بالكشف عن أن شاي كان ناطقاً رسمياً سابقاً للجيش «الإسرائيلي»، ثم أصبح وزيراً للشتات اليهودي، ولوتان هو ضابط رفيع في جهاز «الشين بيت»، ويضاف إليهم العميد دانيال غولد، مسؤول إدارة الأبحاث في وزارة الدفاع «الإسرائيلية» سابقاً، الذي أقام، بحسب الموقع، لأيام في مدينة نيالا السودانية لتوفير منظومة «القبة الحديدية» للمليشيات لمواجهة طائرات ومسيرات الجيش السوداني.
يضاف إلى ذلك، ما نشرته شركة «military Africa» على موقعها بالإنترنت، في تقرير مطول، عن السلاح «الإسرائيلي» في السودان، وكشفت عن وجود بنادق «إسرائيلية» متطورة من نوع «galil ace 31 carbine» في أيدي مقاتلي «الدعم السريع»، بالإضافة إلى قاذفات صواريخ «إسرائيلية» من نوع «LAR 160» من عيار 160 ملم يبلغ مداها 45 كيلومتراً، وتستطيع قذف 26 صاروخاً في الضربة الواحدة، وهذه الأسلحة لا بد أن «إسرائيل» منحتها لـ«الدعم السريع» ضمن خطة لهيمنتها على الجيش والدولة السودانية.
في حين، قامت وسائل الإعلام «الإسرائيلية» بعمل حملة منظمة تتهم رجل الأعمال السوداني عبدالباسط حمزة بتمويل حركة «حماس» الفلسطينية، وقامت وزارة الخارجية الأمريكية بالضغط على مصر لتسليمه إلى الولايات المتحدة، وتزامنت هذه الحملة مع تصريحات مستشار قائد «الدعم السريع» على فضائية «مكان» «الإسرائيلية» الناطقة بالعربية، في بداية الحرب، أن «قوات الدعم السريع» تواجه نفس أعداء «إسرائيل»؛ وهم الجماعات الإرهابية المتحالفة مع الجيش السوداني الذين هم أصدقاء «حماس»!
العلاقة بين الجيش السوداني وإيران في هذه المرحلة ليست تحالفاً لكنه مجرد تعاون
لهذا، تعتبر الساحة السودانية ساحة مثالية لإيران لتوسيع نطاق نفوذها ومواجهة «إسرائيل» بالتعاون مع روسيا الغاضبة أيضاً لهزيمة حليفها في سورية، ويعتبر «الفيتو» الذي استخدمته روسيا في مجلس الأمن، في نوفمبر الماضي، دليلاً على التوجه الروسي المتزايد لدعم الجيش السوداني والابتعاد عن «الدعم السريع»، وهذا ما نبهت إليه مراكز الدراسات الغربية التي حذرت من نية إيران وروسيا لإشعال جبهة البحر الأحمر في وجه الغرب و«إسرائيل» من خلال دعم «الحوثي» في اليمن، و«تنظيم القاعدة» في الصومال، والجيش في السودان على حساب «الدعم السريع»؛ ما سيؤدي إلى تعقيد الوضع الأمني وتهديد الملاحة الدولية.
وتحدثت مؤسسة «جيمس تاون للأبحاث» أن مصر، أحد أهم الداعمين للجيش السوداني، لن تفضل وجود إيراني في السودان؛ لأن لديها 4 موانئ على البحر الأحمر ستتضرر من السلوك الإيراني المزعزع للمنطقة، كذلك فإن السودان لن يرغب في أن تعاد العقوبات الاقتصادية الأمريكية وهي تبحث عن المساعدة لإعادة الإعمار بعد الحرب، ولذلك فإن العلاقة بين الجيش السوداني وإيران ليست تحالفاً، لكنه مجرد تعاون.
إن الساحة السودانية تعتبر فرصة إيران لرد اعتبارها بعد الانتكاسة في سورية ولبنان، عبر مهاجمة وكلاء «إسرائيل» في أفريقيا مثل كينيا وتشاد، والتكامل مع الحراك الروسي في دول الساحل الأفريقي.
_______________________________________
https://www.bbc.com/arabic/articles/cpee4qq10w7o
https://www.bloomberg.com/features/feature2024-sudan-civil-war