تعتمد دول الاحتلال الصهيونية بشكل متكرر على الرموز والأسماء الدينية التوراتية لتبرير سياساتها وعدوانها العسكري، ويُظهر استخدامهم هذا الاسم توجهاً «إسرائيلياً» مستمراً لربط الحروب المعاصرة بصراعات توراتية قديمة، عكس ما يفعله خصومها العرب والمسلمين.
ويستهدفون من وراء هذا الربط بين القديم والحديث عبر أقوال توراتية خلق صورة متواصلة عن العداء مع جيرانها باعتبارهم امتداداً لأعداء بني إسرائيل القدماء، وفق مزاعمهم.
وعلى غرار إطلاقها أسماء توراتية وتلمودية على جرائمها في حق الشعوب العربية والإسلامية، أطلق الاحتلال الصهيوني اسم «سهم باشان» على عملياته الإجرامية التي استهدفت تدمير المقدرات العسكرية السورية.
هذا الاسم لم يطلقه الاحتلال اعتباطياً، فهو يعكس ارتباطًا واضحًا بالرمزية التوراتية والجغرافية والعسكرية، واستمراراً لتسميات توراتية عدة أطلقها الاحتلال على حربه في غزة، وهدفه ربط العملية عسكرياً بالتاريخ اليهودي التوراتي لإضفاء شرعية دينية وسياسية على العدوان العسكري، خاصة أن الجولان يُعتبر امتداداً لمنطقة باشان التوراتية.
ومعروف عن الصهاينة عموماً، وفي ظل الحكومة الدينية المتطرفة التي تحكم حالياً خصوصاً، اهتمامهم الشديد باختيار عناوين عملياتهم التي غالبا تكون مستوحاة مِن التوراة المُحرفة لتحقيق أهدافهم السياسية وربط اليهود بهويتهم الدينية.
وهناك تقديرات وتقارير عن أن العدوان «الإسرائيلي» على سورية وتدمير مقدراتها العسكرية، أحد أهدافه أيضاً تقسيمها وفق اتفاقيات غير معلنة مع إدارة ترمب الأمريكية الجديدة، كي تظل «إسرائيل» هي الأقوى في المنطقة.
لذا تفضل «إسرائيل» عدم انتظار تطور قوة السلطة السياسية الجديدة في سورية، وتواصل اتباع مبدأ اليد العليا، وقصف سلاح سورية واستفزاز حكام دمشق الجدد لضمان مصالحها الأمنية والإستراتيجية
ويرى محللون أن هذه التسمية التي تزامنت مع توغلات «إسرائيلية» في أراضي سورية تستهدف كيّ وعي الفصائل الإسلامية الحاكمة الجديدة في سورية وعموم السوريين بالحديد والنار، وإرهابهم والضغط عليهم كيلا يعادوا دولة الاحتلال، ويؤكدون انتشار تقارير صحفية كاذبة عن توغل الجيش «الإسرائيلي» لمناطق تبعد 20 كيلومتراً فقط من دمشق، علماً أنها توغلت ولكن ليس لهذا الحد، وجزء من هدفها كيّ الوعي والترهيب، بحسب وكالة «قدس برس».
وزعم جيش الاحتلال «الإسرائيلي» أنه دمر حوالي 80% من القدرات الإستراتيجية العسكرية التي كان يمتلكها جيش النظام المخلوع، بذريعة تفادي وقوعها بيد فصائل المعارضة الإسلامية، التي تعمل على تشكيل النظام الجديد في سورية.
أصل «باشان» وأهدافه
يعود الاسم جغرافيا «منطقة الباشان» التي ورد ذكرها تاريخياً في التوراة، وتشير إلى منطقة الجولان وامتداداتها الشمالية، التي كان من ضمنها احتلال «جبل الشيخ» الذي يطل على سورية ولبنان والأردن؛ ما يطرح تساؤلات عن أهمية السيطرة على هذا المكان المرتفع من الناحية العسكرية.
ويشير اسم باشان إلى المملكة المذكورة في التوراة والإنجيل التي امتدت من «جلعاد» في الأردن إلى «جبل حرمون» في سورية (كلها مناطق يؤمنون بضرورة احتلالها).
و«باشان» أرض تاريخية وهي جزء من أرض كنعان التي يزعم اليهود أنها أرضهم الموعودة (أرض كنعان تمتد من فلسطين وجزء من جنوب غرب سورية وأجزاء من شمال غرب الأردن).
وقد وردت هذه الكلمة في التوراة 60 مرة، ومعنى الكلمة لغوياً «الأرض المستوية» أو الممهدة، وحسب وصف التوراة، أرض «باشان» لها حدود معينة، فحدودها الشمالية تصل لجبل حرمون (وهو جزء من جبل الشيخ الموجود في الجولان)، وحدودها الجنوبية عند جبل جلعاد وهو جبل يوجد في شمال غرب الأردن (تحديداً غور الأردن)، وتشمل مناطق الجولان وحوران واللچاه (وهي محمية طبيعية جنوب دمشق)، وتنتهي المنطقة، حسب التوراة، عند دمشق؛ لذا فمن ضمن أهدافهم احتلال دمشق.
وطبقاً لما يعتنقونه وفق التوراة التي في أيديهم حالياً، كان «عوج» ملك باشان من الرفائيين، الذين يُعتبرون من الشعوب الكنعانية القديمة أو «العمالقة»، وهم شعوب سامية سكنت المنطقة في الأزمنة القديمة؛ حيث يُذكر في التوراة أن أرض باشان كان يحكمها ملك من الملوك العظام (من العماليق الذي يعاديهم اليهود) كان اسمه «عوج»، وكان ملكاً جباراً وهو من قاتله سيدنا موسى عليه السلام وانتصر عليه، وكلمة عماليق تعني في الثقافة اليهودية «ذروة الشر الجسدي والروحي».
وخرج عوج من مملكته واحتل بنو إسرائيل كل منطقة باشان حيث أسكنها موسى عليه السلام أحد الأسباط وهو سبط المنسة (أحد أحفاد سيدنا يوسف عليه السلام)؛ لذا جاء إطلاق اسم «سهم باشان» على هذه العملية ليقول نتنياهو للشعب اليهودي: إن هذه الحرب دينية، وهي حرب وجودية لاستعادة «أرض باشان».
وتتمتع هذه الأرض بصفة دينية كبيرة عن اليهود، وهو ما يحرص على غرسه نتنياهو منذ بداية هذه الحرب في غزة؛ حيث ظل يؤكد أنهم سينتصرون في الحرب ضد «العماليق»، في إشارة لـ«حماس» والمقاومة، ويتحدث عن نبوءات التوراة بأن «إسرائيل» ستنتصر على أعدائها (العرب والمسلمين).
وهذه ليست المرة الأولى التي يستوحي فيها الجيش «الإسرائيلي» أسماء عملياته العسكرية من التوراة والتراث الديني اليهودي، وفق تقرير نشرته صحيفة «معاريف» العبرية، في أكتوبر 2024م، ففي مناسبات عدة استحضر قادة الاحتلال الصهيوني إشارات إلى الحروب الدينية وأسقطوها على الحروب مع الفلسطينيين.
وفي نوفمبر 2023م؛ أي بعد نحو شهر على اندلاع الحرب على غزة، استشهد نتنياهو، في خطاباته، 3 مرات على الأقل بنصوص من التوراة، لتبرير الهجوم على غزة، وفي أحد خطاباته، قال نتنياهو للجنود «الإسرائيليين»: «تذكروا ما فعله عماليق بكم»، في إشارة إلى قبيلة العماليق (قبيلة من البدو الرحل سكنوا شبه جزيرة سيناء وجنوبي فلسطين)، المذكورة في التوراة، لتبرير هجماتهم على غزة.
وقبل هذا استوحت «إسرائيل» اسم «عملية كادش» لتصف العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، وهو اسم مدينة توراتية في سيناء، حيث دُفنت مريم أخت النبي موسى أثناء تيه بني إسرائيل في الصحراء، حسب زعمهم.