في حملة منظمة مشبوهة، قام رموز من نظام بشار الأسد من الشبيحة والعلمانيين السوريين الرافضين لأحكام الشريعة الإسلامية، بالتجمع، في 19 ديسمبر الجاري، في ساحة مسجد الأمويين مطالبين بإقامة دولة «مدنية علمانية» بعد سقوط بشار.
الذين ظهروا كبوادر لثورة مضادة، تبين، من خلال فضح السوريين لهم وكشف هوياتهم على مواقع التواصل أنهم من أنصار بشار، وتحركهم جهات داخلية من بقايا الشبيحة وأخرى خارجية من المعادية لثورة سورية الإسلامية.
وتظاهروا في إطار التشويش على فرحة السوريين بالثورة ومحاولة فرض توجه غير إسلامي عليها، مستغلين روح التسامح التي رفع رايتها الثوار وقبولهم بكل الطوائف وتأكيدهم أن سورية ستكون حرة مستقلة ديموقراطية تحكمها المؤسسات.
وكان لافتاً أن من تظاهروا لم يرفعوا علم الثورة الجديد، ورددوا شعارات تطالب بالعلمانية ودولة مدنية غير إسلامية، قبل أن ينشر لهم نشطاء سوريون صورهم وهم بزي جيش بشار الأسد ليفضحوهم ويكشفوا عن نواياهم وأن رفعهم شعارات العلمانية ما هو سوى وسيلة لبث الفوضى ضمن خطط الثورات المضادة، وحين خرج شاب محام من صفوف رجال الثورة وألقى كلمة قصيرة دعا فيها الحشود للهتاف من أجل «سورية الحرة»، رفضوا، وهتفوا هتافات تنادي بـ«العلمانية».
لكن سرعان ما تم فضحهم عبر مواقع التواصل ليتبين أنهم من رموز النظام السابق، واستغلوا لغة التصالح التي أبداها قادة الثورة لرفع مطالب معادية لطبيعة الشعب السوري مثل العلمانية ودولة لا تستند للشريعة الإسلامية.
واللافت للنظر في هذه المظاهرات حرص إعلام الغرب ودول الثورة المضادة على تغطيتها إعلاميًا بشكل مكثف غير مسبوق، لإظهار أن هناك توجهاً رافضاً لتحول سورية لدولة إسلامية، بدعاوى أن هذا يثير عداوة الغرب و«إسرائيل».
لماذا الآن؟
كان من الواضح أن خروج بضع عشرات قليلة (قرابة 250) من السوريين الذين تجمعوا للمطالبة بدولة علمانية تقنن الدعارة والخمور وتمنع حكم الشريعة الإسلامية، مخطط بالتزامن مع وصول وفود أوروبية وأمريكية وغيرها لسورية للقاء أحمد الشرع، قائد القيادة السورية الجديدة، ومحاولة وسائل إعلام غربية مثل شبكة «BBC» إحراجه بأسئلة مثل موقفه من الحجاب وشرب الخمور، ولماذا رفض التقاط صورة مع فتاة سورية غير محجبة وأمرها بوضع غطاء الرأس، مع أن الفتاة ظهرت وقالت: إن هذا حقه في التقاط صور تناسبه.
حيث زارت وفود غربية سورية للتركيز على ضمان مصالح بلادها في سورية مستقبلاً، مثل عدم عداء النظام الجديد لـ«إسرائيل»، وضمان حقوق أقليات يرعاها الغرب مثل المسيحيين والأكراد الموالين لأمريكا كمرتزقة يعملون معها مثل «قسد».
كما جاءت هذه المظاهرات في توقيت آخر مريب هو سعي أطراف غربية وعربية للحد من تأثير نجاح الثورة السورية المسلحة عليها وعلى موازين القوى في المنطقة، بالدعوة لعملية انتقال سياسية سلمية جامعة، ولكن تحت وصاية الأمم المتحدة، بما يجعل من حق الدول الكبرى التحكم في مستقبل سورية.
وصدرت هذه الدعوة المثيرة للريبة، بعد اجتماعات في مدينة العقبة الأردنية شارك فيها وزير خارجية أمريكا ووزراء أجانب وعرب، تطالب بالعودة لتطبيق قرار مجلس الأمن رقم (2254) الذي كان محوره هو التفاوض بين الثوار ونظام بشار الأسد برعاية أممية، بينما انتهى دور نظام بشار ولا يوجد مبرر للعودة لهذا القرار.
حيث يُفهم من بيانات العقبة وضع سورية تحت وصاية الأمم المتحدة ورهن مستقبل الثورة وما تحقق من اقتلاع نظام بشار الأسد تحت وصاية قرار مجلس الأمن رقم (2254) القديم الذي انتهى دوره، وهو قرار خاص بنظام الأسد البائد، وأصبح من التاريخ؛ لذا رفضه قائد القيادة العامة للإدارة السياسية الجديدة أحمد الشرع، خلال لقائه مع مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية غير بيدرسون.
وكان لافتاً تزامن وصول الوفود الأجنبية مع تجمع هؤلاء الذين رفعوا شعارات العلمانية أمام نصب السيف الدمشقي، في ساحة الأمويين المركزية بدمشق، حاملين لافتات ومرددين شعارات دفاعاً عن مجتمع مدني قوي ومتنوع في بلد علماني يحترم جميع الحساسيات الدينية، ومعروف أن ورقة العلمانية والديمقراطية وحقوق الإنسان والأقليات والحرية والتنوع والمجتمع المدني هي الورقة الرابحة التي يستعملها الغرب للتدخل في شؤون العالم العربي والإسلامي، وفرض وصايتهم بها، بينما يتغاضون عنها في حالات مثل إبادة غزة وجرائم الاحتلال الصهيوني.
لا تحلموا بدولة علمانية
لا تحلموا بدولة علمانية pic.twitter.com/TVFVKRIL09
— mazen007 التطبيع_خيانة# (@mazen00711) December 20, 2024
وقد ظهر العديد من نشطاء الثورة السورية ليقولوا لهؤلاء الذين تظاهروا: لا تحلموا بدولة علمانية، مفسرين ذلك بأمور بسيطة تتعلق بأن من انتصروا وحققوا الحرية لكل الشعب السوري هم الإسلاميون، وهم من تحملوا القتل والتشريد، بينما كان هؤلاء العلمانيون –لو صح تمسحهم فيها لتبرير ثورتهم المضادة-كانوا من داعمي الأسد، وقالوا: إن من قدموا الدماء والشهداء والسجون والهجرة بعد هذا العمر مستحيل أن يقبلوا بهذه العلمانية وشرب الخمور والابتعاد عن الدين.
ورد سوريون على مظاهرة العلمانيين المشبوهة برفع لافتات في ساحة الأمويين في دمشق كتبوا عليها: «نثق بمن حررنا.. من يحرر هو الذي يقرر»؛ أي أن الثوار هم يقررون هوية سورية ونظامها الإسلامي لأنهم هم من حرروها.
وكان من بين الحضور للدعوة للعلمانية في المظاهرات شخصيات تبين أنها من شبيحة بشار ومنهم ملاحدة كانوا داعمين للمجازر الدموية التي ارتكبها النظام في سوري، ونشر لهم النشطاء صورهم وهم بملابس الجيش من قبل.
كان منهم لمى بدور، وهي موالية للأسد وزوجة ابن أيمن زيدان الموالي لخامنئي، والأسد، وريم رسلان، وإليانا سعد، ويامن سليمان.. وغيرهم ممن كانوا يشجعون على قتل نظام الأسد للأبرياء بالبراميل المتفجرة.
وكانت المفارقة الأكبر ظهور ضباط من نظام الأسد، معروفين بدورهم في قتل السوريين، لكنهم انخرطوا في المظاهرة لأهداف معروفة، وبعضهم كانت المظاهرة فرصة للتعرف عليهم عبر نشطاء، ثم اعتقالهم لاحقاً كما كشفت لجان الثورة.
عينة من المشاركين في مظاهرات من أجل تكرار تجربة الدولة العلمانية الإرهابية الإقصائية المتطرفة..
— وهم العلمانية الرسمية 🔻 (@secularism24) December 19, 2024
ملاحدة وشبيحة كانوا داعمين للمجازر الدموية التي ارتكبها النظام العلماني الإرهابي في سوريا!
يجب على الحكومة المؤقتة أن تستغل اجتماعهم وتطبق عليهم علمانية بشار وتلقي بهم في السجون فورا pic.twitter.com/QikThYTBa7
تجميعة للكلاب يلي كانوا اليوم بالساحة
— Mahmoud(🦅أبو شاهين) (@abuschahen) December 19, 2024
هذا ماضيكم والله راح تتحاسبوا
ولا تظنوا راح تاخذوها هيك ع المستريح
دم شهدائنا لسى مانشف
و معقتلينا مادفناهم
صبركم بسhttps://t.co/dBRjSuHgB3
وضمن مظاهرة العلمانيين ظهرت لافتة تدعو لفتح مدارس بالية كانت مغلقة في سورية منذ 14 عاماً، وذلك بعد 9 أيام فقط من تحرير الثورة لهم؛ ما أثار سخرية سوريين قالوا: كأن الباليه والرقص من أساسيات الحياة والضروريات!
لكن هذه المظاهر كشفت أن المظاهرة كانت تجميعاً لكل المتناقضات السورية لإظهار رفضهم لأي نظام إسلامي يحكم سورية الجديدة، وقد ردت الإعلامية السورية رولا حيدر على اعتصام فلول الأسد في دمشق، قائلة: تريدون فتح مدرسة باليه والناس في الشوارع لا يزالون يبحثون عن جثــامين أبنائهم الذين قُـتلوا في سجون الأسد؟! فيما نفت حكومة سورية الجديدة أنها أغلقت ألا مدرسة بالية، وقال سوريون: إن رفع هذا الشعار كان ضمن شعارات تم تجميعها علي عجل لتشويه الثورة.
وكتب سوريون يحذرون من هؤلاء قائلين: احذروهم وراقبوهم، فليس هناك علمانيون حقيقيون في سورية، ومعظمهم يرفع شعار العلمانية، بينما غالبيتهم من فلول النظام الساقط ومخلّفاته وشبيحته ومخبريه وأذنابه وبعضهم كانوا سجانين.
وأضاف: راقبوهم جيداً، ولا تسمحوا لهم باختراق الثورة عبر شعارات علمانية زائفة ظاهرها علماني بينما باطنها طائفي تشبيحي بامتياز.
مفتي سورية يدعم العلمانية!
ويتندر السوريون على مظاهرة العلمانية، مشيرين لأن من خرجوا للتظاهر ضد الثورة ولكنهم لم يجدوا سوى شعارات بالية كالعلمانية وحرية المرأة، كان غير مسموح لهم برفع هذه الشعارات خلال حكم الأسد، رغم أن النظام أعلن قبوله الفكرة حين حاول الغرب فرض معادلة جديدة للحكم في سورية عام 2015م، لكنها فشلت، فحين حقق ثوار سورية انتصارات في عام 2015م واقتربوا من حلب ودمشق، قبل أن تساند إيران و«حزب الله» وروسيا نظام الأسد، قال مفتي سورية الموالي للأسد: إنه سيتم وضع دستور علماني لسورية خلال 6 أشهر برعايته.
وقال، في 29 نوفمبر 2015م، في محافظة اللاذقية، مسقط رأس الأسد: إنهم يرفضون خطة الأمم المتحدة التي اقترحتها أمريكا والخاصة بانتخابات حرة واستفتاء تحت رعاية الأمم المتحدة، وسيضعون دستوراً علمانياً جديداً، مؤكداً أن الدستور الجديد سيتضمن إشارة إلى أن سورية بلد علماني؛ لأنها دولة علمانية ولا تتعارض مع المؤسسة الدينية لأن العلمانية هي نظام سياسي يحفظ للناس حقوقهم.
وزعم المفتي أن العلمانية في سورية لم تكن ضد الدين وإنما خادمة له فلا الدين يفرض على القانون، ولا القانون يفرض على الدولة، وهذا ما سترونه الدستور الجديد!
ومع هذا تراجع نظام الأسد عن طرح هذه الفكرة العلمانية التي سعي لخطب ود الغرب بها عام 2015م، حين دعمه محور إيران وروسيا ومنع سقوط حكمه، وعاد للحكم الدكتاتوري للجميع؛ لذا كان مستغرباً أن يعود أنصار بشار لطرح نفس المطالب (العلمانية) بعد انهيار حكمه لمنع الثورة من ارتداء زيها الإسلامي الحقيقي.