يواجه أكثر من مليون نازح فلسطيني ظروفاً قاسية في مواجهة الشتاء، وسط أمطار غزيرة ورياح عاتية وصقيع قارس، دون أدنى مقومات الحياة الأساسية، ومع ذلك، يتمسك هؤلاء بأمل إنهاء معاناتهم، في ظل الحديث عن صفقة تبادل قريبة قد تنهي العدوان المستمر، وللعام الثاني على التوالي، يعيش النازحون مأساة الشتاء بعد تنقلات متكررة نتيجة القصف والدمار.
خيام متهالكة
الخمسينية نادية الشاويش تحاول عبثاً منع المياه من دخول خيمتهم المتهالكة بعد ليلة شديدة من زخات المطر على شاطئ النصيرات.
تقول الشاويش لـ«المجتمع»: غمرت مياه البحر خيمتنا قبل هذه الأمطار، كنا ننتظر الشتاء لريّ أشجارنا في قريتنا جحر الديك، لكن الاحتلال سوّاها بالأرض، والآن لا نتمناه خوفًا من أن تغرقنا المياه.
من جانبه، يشير أكرم حمدان، وهو في الستينيات من عمره، إلى أن العائلات النازحة تفتقر لأبسط مقومات التدفئة، يضيف لـ«المجتمع»: نحن الكبار ربما نتحمل، لكن الأطفال لا يطيقون هذا البرد القارس، وهذا سيؤثر على صحتهم في المستقبل.
ودعا حمدان المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لتجنب كوارث أكبر مع اشتداد الشتاء.
واستدرك بالقول: إن الجميع يتعلق بأستار مفاوضات وقف إطلاق النار التي تراوح مكانها؛ ولكن من غير المعروف إلى أين ستؤول الأمور في ظل التعنت «الإسرائيلي» ووضع شروط جديدة على الموافقة عليها.
تحذيرات من كارثة إنسانية
من جانبه، حذّر المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة الرائد محمود بصل، من أخطار انجرافات المياه وتدفقها إلى خيام النازحين مع احتمال تعرض القطاع لمنخفض جوي عميق.
وأوضح أن طبيعة غزة كشريط ساحلي ضيق تجعلها عرضة لهذه المنخفضات خلال فصل الشتاء، الذي بدأ فعلياً في العشرين من الشهر الجاري.
في حديثه لـ«المجتمع»، ناشد بصل النازحين بضرورة اتخاذ تدابير السلامة اللازمة لمواجهة أي منخفض جوي قادم، وقال: دخلنا فصل الشتاء رسمياً، ونتوقع سقوط أمطار غزيرة على مختلف المناطق الفلسطينية في أي وقت، غالباً ما تكون هذه الأمطار مصحوبة بعواصف رعدية ورياح قوية وسريعة.
وجدد بصل دعوته إلى النازحين، خصوصاً في المخيمات والمناطق الساحلية، بتثبيت خيامهم جيداً لمنع تعرضها للانجراف أو تدفق المياه داخلها، كما شدّد على أهمية التآزر والتعاون بين النازحين لمساعدة بعضهم بعضاً في تعزيز الخيام والوقاية من أضرار الأمطار.
وختم المسؤول بالدعوة إلى تعزيز روح التكافل لمواجهة هذه الظروف القاسية، قائلاً: علينا أن نتكاتف لتقليل الخسائر، رغم استمرار العدوان «الإسرائيلي» الذي يزيد من معاناة الجميع.
من جهته، أكد مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة، في حديث لـ«المجتمع»، أن الجهات المختصة أطلقت مؤخراً نداء استغاثة إنساني عاجل لإنقاذ مئات الآلاف من النازحين في القطاع قبل فوات الأوان.
وأشار الثوابتة إلى أن حوالي 10 آلاف خيمة تعرضت للتلف خلال الفترة الماضية، حيث جرفتها مياه البحر بفعل امتداد الأمواج نتيجة المنخفض الجوي وبداية فصل الشتاء، وأضاف: نكرر نداءنا العاجل للمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية لإنقاذ النازحين، الذين يعيشون ظروفاً مأساوية.
وأوضح المسؤول الفلسطيني أن أعداد النازحين في تزايد مستمر، حيث بلغ العدد الإجمالي مليوني نازح في محافظات قطاع غزة، مضيفاً: هؤلاء نزحوا أكثر من 5 مرات نتيجة العدوان «الإسرائيلي» المستمر وجرائم التهجير القسري، ولا يزالون يعانون من ظروف قاسية تفرضها سياسات الاحتلال.
وأضاف: يوجد في قطاع غزة 543 مركزاً للإيواء والنزوح، تم إنشاؤها بسبب جرائم التهجير القسري التي تُعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، هذه الجرائم أجبرت آلاف العائلات على مغادرة منازلها وأحيائها الآمنة.
ووفقاً لتقارير فرق التقييم الميداني الحكومية، أوضح الثوابتة أن 81% من خيام النازحين باتت غير صالحة للاستخدام بعد تلف واهتراء 110 آلاف خيمة من أصل 135 ألفاً.
وأضاف: الخيام المصنوعة من القماش والنايلون تدهورت تماماً بفعل المناخ الحاد وحرارة الشمس، وأصبحت خارج الخدمة بالكامل، هذا الوضع يتفاقم مع دخول فصل الشتاء الذي يهدد الملايين بلا مأوى.
واستطرد قائلاً: نحن على أبواب أزمة إنسانية عميقة بفعل ظروف المناخ الصعبة وإغلاق المعابر المؤدية إلى غزة، الاحتلال يمنع إدخال 250 ألف خيمة وكرفان؛ ما يزيد من معاناة النازحين الذين سيفترشون الأرض ويلتحفون السماء.
وختم الثوابتة حديثه قائلاً: نطرق جدار الخزان ونعلق الجرس للمجتمع الدولي، محذرين من الكارثة الإنسانية التي تهدد قطاع غزة، يجب التحرك العاجل لإنقاذ مليوني إنسان من برد الشتاء وقسوة الظروف المعيشية التي يفرضها الاحتلال.