هل كان يمكن سقوط نظام الأسد وفراره لولا «طوفان الأقصى»؟
بالقطع والتأكيد هناك علاقة مباشرة بين «طوفان الأقصى» وما نتج عنها من متغيرات في موازين القوى في المنطقة من ناحية، وسقوط نظام المجرم الهارب من ناحية أخرى؛ فمن توابع «طوفان الأقصى» تقليم أذرع دعم النظام البائد؛ ما منع عنه جهاز التنفس الاصطناعي الذي كان يحول دون الإعلان عن وفاته.
ولكن هل كان الأبطال الذين قاموا بـ«طوفان الأقصى» يقصدون -أو حتى يخطر في بالهم- أن سقوط نظام الأسد سيكون أحد توابع طوفانهم؟!
بالتأكيد والحسم واليقين: لا.
هل كان المقاتلون الذين بدؤوا الزحف على حلب يخططون للوصول إلى دمشق وإسقاط النظام خلال أحد عشر يوماً؟
أظن أنه لا هم أنفسهم، ولا الدولة الراعية والداعمة لهم، ولا أكثر الناس تفاؤلاً، كان يتخيل هذا الاندحار السريع للنظام المجرم البائد.
نحن إذن أمام حكمتين خالدتين متلازمتين:
– «حين تتحرك يظهر لك الطريق».
– «إذا أراد الله شيئاً هيأ له أسبابه».
عليك السعي والتحرك، وسيفتح الله لك الأبواب التي كنت تظنها مغلقة.. فكِّر وخطِط واسعَ وابذل، ولكن تأكد أنك أنت وكل ما تخطط وتبذل رهن الإرادة الإلهية، ونتائج ما تفعل هي مراد الله، سواء اتفقَت مع سعيك أم اختلفت.
كثيراً ما نظن أن الصُدَف تصنع ما يدور حولنا من أحداث، سواء على المستوى الشخصي أم على المستوى العام.
نتصور أن وجودنا في العمل الذي نحن فيه الآن مجرد صدفة، وكذا زواجي من فلانة، ولكن لو فكرت قليلاً لوجدت أن ما تظنه مجرد صُدَف هو الذي صنع مسيرة حياتك، وأنه لم يكن صدفاً كما تظن، ولكنه مجموعة من الأحداث المتشابكة والمتسلسلة، لم تكن تعرف أنت وقتها ما سيكون لها من نتائج في مستقبل حياتك، بينما كانت في مجموعها تحدد طريقك ومستقبلك.
ما زلت أتذكر حالي مع مجموعة من أصدقائي فور تخرجنا في الجامعة وبداية البحث عن عمل، كنا نسير في الشارع فوجدنا لافتة لشركة عقارية، فدخلنا -وكنا 5 مهندسين- في طلب الوظيفة، قبلوا منا واحداً، واستمر زميلنا في هذا الطريق واكتسب خبرة العمل الخاص وكوّن لنفسه شركته الخاصة فيما بعد، ووجدنا إعلاناً من هيئة حكومية؛ فتقدمنا لها نحن مجموعة الأصدقاء، فقبلوا منا واحداً واستمر في السلك الحكومي حتى إحالته على التقاعد وهو بدرجة وكيل وزارة، وأنا لم أكن أفكر في السفر خارج مصر إطلاقاً، وجاءتني الفكرة والفرصة من شقيق زوجتي التي لو لم أتزوجها لربما استمرت حياتي في اتجاه آخر غير الذي سلكته.
لو فكر كل إنسان في نفسه وراجع مسيرة حياته، وجمع بين أحداثها وتأثيراتها لأيقن أن كل هذه الجزئيات التي تبدو متناثرة تناثر الذرات في الكون، كانت تسير وفق خطة مرسومة هي طريق حياته، وأنه مع كل مرحلة من حياته كان ينشغل بهذه الجزئية ويتفاعل معها فرحاً وترحاً وألماً وأملاً، وهو غائب عن الصورة الكلية التي تتشكل لحياته، وما بعد حياته.
وهكذا الكون كله؛ من ذراته وقطرات مائه وأوراق شجره إلى كواكبه ومجراته وما بينها، ليس جزئيات متناثرة تعمل بمفردها، لكنْ له رب مدبر يجمع هذه الجزئيات ليصنع منها الوجود؛ (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) (الأنعام: 59).
إذا كان الأمر كذلك، فالذي يجب أن يشغل الإنسان هو سعيه وبذل جهده وصِحة مساره وصوابية اختياره: (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى {39} وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى) (النجم).
وإذا حزبك أمر وأنت في الطريق، فانظر إلى السماء وردد: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) (السجدة: 5).
وإذا ضاقت نفسك من رؤية الظلم الواقع على أهل غزة وعلى كل المبتلين بالظلم، ووجدت الأمل يتجدد فيك مع زوال الطغاة المستبِدين، وتنسمتَ «ريح يوسف» بفرج قريب، فلتنظر إلى السماء وتردد: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ).