رغم عدم تقلده لمنصبه حتى الآن، فإن وسائل الإعلام الصهيونية تتوقع علاقة دافئة وقوية بين دونالد ترمب وحكومة «تل أبيب»، وزيادة دعمه لبنيامين نتنياهو، خاصة أن الحرب «الإسرائيلية» على قطاع غزة لا تزال مستمرة، وكذا احتلال الكيان لأراض في سورية ولبنان.
حفل تنصيب ترمب
فيما ينتظر نتنياهو 20 يناير؛ من أجل السفر لواشنطن لحضور حفل تنصيب ترمب، فهو أحد المدعوين للحفل الضخم، بعدما كان أول المهنئين للرئيس الأمريكي فور الإعلان عن فوزه بالانتخابات في نوفمبر الماضي، حينما قال مقولته الشهيرة: «تهانينا على أعظم عودة في التاريخ»؛ رغم أن ترمب نفسه هاجم نتنياهو فور تهنئته لسلفه جو بايدن في العام 2020م، حينما دخل البيت الأبيض بدلاً منه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بحسب ما كتبه الإعلامي «الإسرائيلي» باراك رافيد، في كتابه المعنون بـ«سلام ترمب».
ويحكي فيه أن ترمب وجه انتقادات شديدة اللهجة إلى نتنياهو، إلى أن الأخير يقدر ما قدمه ترمب لبلاده، قائلاً: «إنني أقدر بشدة مساهمة الرئيس ترمب الكبيرة لإسرائيل وأمنها»، في حالة من الدهاء السياسي، حتى لا يفقد ثقة ودعم الحزب الجمهوري الأمريكي ككل، فضلاً عن توقعه بأن ترمب بإمكانه العودة للبيت الأبيض، مجددًا، وقد كان!
ومن هنا، فإن وسائل الإعلام العبرية طرحت إمكانية إعادة تنشيط ترمب لعملية التطبيع المتوقفة بين «تل أبيب» ودول عربية، على خلفية اندلاع عملية «طوفان الأقصى»، في 7 أكتوبر 2023م، التي أكد الكيان الصهيوني أنها كانت سببًا رئيسًا في توقف قطار التطبيع، فعليًّا.
كاتبة «إسرائيلية»: التطبيع أفضل لـ«تل أبيب» بدلاً من توجيه ضربة قاصمة إلى إيران
في 13 نوفمبر 2023م، أفادت صحيفة «هاآرتس» العبرية بأن ترمب يحلم بالتطبيع بين «تل أبيب» ودولة عربية رئيسة في المنطقة، وبأن كل التعيينات التي أعلن عنها الرئيس المنتخب قريبة جدًا من اليمين الصهيوني خاصة ستيفن تشارلز ويتكوف، الذي عينَّه مبعوثًا خاصًا إلى منطقة الشرق الأوسط؛ حيث أوضحت الصحيفة أن ويتكوف سيعمل على ضم المزيد من الأراضي العربية إلى الكيان، كما سيكون «مهندس» التطبيع بين الكيان ودول عربية وإسلامية أيضًا، وهي رؤية «إسرائيلية» وأمريكية أيضًا، حيث يدعم، دومًا، نتنياهو وحكومته، وكثيرًا ما يغرد على صفحته الرسمية على «إكس» بهذا الخصوص.
أورلي أزولاي، الكاتبة بصحيفة «يديعوت أحرونوت»، رأت في 18 ديسمبر 2024م، أن تدخل ترمب لتوقيع اتفاق تطبيع تاريخي بين الكيان الصهيوني ودول عربية رئيسة، هو الأفضل لـ«تل أبيب» بدلاً من توجيه ضربة قاصمة إلى إيران، مشيرة إلى أن الرئيس الأمريكي المنتخب ضيَّع فرصة كبيرة على «إسرائيل»، حينما انسحب -وصفته الكاتبة بـ«مزَّق» ورقة الاتفاق- من الاتفاق النووي الإيراني، في العام 2018م، موضحة أنه منح طهران الفرصة بالقفز نحو قنبلة نووية؛ غير أنها (أزولاي) رأت في مقالها أن نتنياهو هو الصوت الذي همس في أذن ترمب ودفعه إلى الخروج من الاتفاق أمام إيران، وذلك في سياق حديثها عن التطبيع، مرجحة دخول الرئيس الأمريكي المنتخب في مسار التطبيع بدعوى تحقيق مصالح أمريكية «إسرائيلية» في منطقة الشرق الأوسط.
بعد هذا المقال بيومين، وتحديدًا، في 20 ديسمبر الماضي، نقلت صحيفة «يسرائيل هايوم» العبرية، عن جاريد كوشنر، صهر ترمب، ومستشاره السابق ومهندس اتفاقيات «أبراهام» للتطبيع، أن بإمكان ترمب التوصل لاتفاق مع دولة عربية رئيسة في غضون 6 أشهر فقط، وتوسيع أكبر لدائرة السلام في الشرق الأوسط.
رؤية أمريكية
ولم يكتف كوشنر بذلك، بل أفاد بأن هناك دولاً إسلامية كبيرة (باكستان، وإندونيسيا) يتوقع انضمامها إلى اتفاقيات السلام مع الكيان الصهيوني، فضلاً عن دول إسلامية أخرى حول العالم، زاعمًا أن رؤية إدارة ترمب الجديدة تقوم على الاتصال من ميناء حيفا إلى مسقط في عُمان، وهي رؤية اقتصادية تقوم على مشروع الممر الاقتصادي الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكى جو بايدن، في سبتمبر 2023م، وأوقفته «طوفان الأقصى»، ويبدأ من الهند إلى الشرق الأوسط وصولاً إلى أوروبا، ما يثير كثيراً من التساؤلات، خاصة أن نتنياهو قد رحَّب به، في العاشر من الشهر نفسه (سبتمبر 2023م).
قال نتنياهو، آنذاك: سيحقق هذا الممر رؤية تعود إلى سنين طويلة التي ستغير وجه الشرق الأوسط ووجه «إسرائيل».
ثمة ارتباط بين رؤية الإدارة الأمريكية لبايدن حيال الممر الاقتصادي من الهند إلى أوروبا، وما يزعمه نتنياهو بتشكيل شرق أوسط جديد، خاصة أنه حمل خريطة لهذا الممر خلال كلمته في 23 سبتمبر 2023م، بالجمعية العامة للأمم المتحدة، وباعتبار ترمب رجل أعمال من الطراز الأول، فإنه سينسجم مع تلك الرؤية، بل ويدعمها لأنها تحقق المصالح الصهيوأمريكية، خاصة أن هذا سريان وتنفيذ هذا الممر يعني المضي قدمًا في قطار «التطبيع».
قطار التطبيع يسير جبرًا
في 10 نوفمبر 2024م، توقعت صحيفة «جيروزاليم بوست» أن الدول المتضررة من الحرب على قطاع غزة تأمل من ترمب أن يدفع نتنياهو إلى إنهاء الحرب على القطاع بسرعة، نتيجة لما تعانيه من أضرار اقتصادية واجتماعية سيترك أثرها لسنوات مقبلة؛ مضيفة أن دولاً عربية تتوقع من إدارة ترمب الجديدة تقديم المزيد من الحوافز للمضي قدمًا في خيار التطبيع.
أزمات اقتصادية واجتماعية تسرع قطار التطبيع بين «تل أبيب» والعالم العربي
يأتي هذا في وقت توقعت الصحيفة أن يعمل ترمب على تمرير سياسات نتنياهو المتطرفة، مثل ضم مناطق في الضفة الغربية وقطاع غزة وسورية والجنوب اللبناني، رغم إعلانه العمل على وقف الحرب في الشرق الأوسط، لكن بما يخدم المصالح الصهيوأمريكية، خاصة وأنه جاء بدعم كبير من اليمين الأمريكي.
أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة
يُعزى هذا التوقع إلى ما رصده برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في يناير 2024م، من تكلفة الحرب في غزة على دول الجوار الثلاث لفلسطين المحتلة؛ مصر والأردن ولبنان، من أضرار اقتصادية فادحة خلال 3 أشهر فقط من بداية الحرب، التي وصلت 10.3 مليارات دولار، مع توقع بتدفق لاجئين وارتفاع للدين العام وانخفاض التجارة والسياحة، مع تراجع لحركة المرور في قناة السويس بنسبة 30% في الشهر نفسه، لترتفع النسبة إلى 60% خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وخسارة مصر لحوالي 7 مليارات دولار، نتيجة لضربات الحوثيين على الكيان الصهيوني، ووقف الحركة في البحر الأحمر.
حوافز أمريكية
غير أنه قبيل الحرب الصهيونية على الجنوب اللبناني، كانت بيروت تعاني بالأساس من أزمة مالية خانقة أدت إلى انهيار كبير في عملتها الوطنية، حيث فقدت الليرة أكثر من 90% من قيمتها؛ ما أثر بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنين، وهي أزمة تزامنت مع تضخم مرتفع وانخفاض للناتج المحلي بنحو 50%.
وفي المقابل، فإن الأردن تأثر أيضاً جراء الحرب على غزة، حيث انخفضت إيرادات قطاع السياحة بنسبة 20% خلال النصف الأول من عام 2024م، مع تراجع أعداد السياح بشكل ملحوظ؛ فيما ارتفعت تكاليف المواد الخام ومدخلات الإنتاج، بعدما تسبب تأخر وصولها جراء هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، بحالة من الإرباك لدى المصانع الأردنية، وسط توقعات محلية بأن استمرار الحرب قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في المملكة، بما يضعها أمام تحديات كبيرة في المستقبل.
ومن هنا، وبعيد الحديث عن نبذة مختصرة لمدى تضرر اقتصادات الأردن ولبنان ومصر جراء الحرب الصهيونية على غزة، فإننا أمام محاولة متوقعة من الإدارة الأمريكية الجديدة لدونالد ترمب لتوظيف وعود اقتصادية لدعم بعض الدول العربية، بهدف التطبيع مع الكيان الصهيوني، أو إجبارها على ذلك عبر حوافز إضافية!