الثورات ليست لحظات عابرة تعبر فوق سطح الزمن؛ بل زلازل تهز الأرض لتعيد تشكيل التاريخ؛ هي المخاض الذي يلد الأمم، وهي الساعات التي تزرع فيها الكرامة بذور المستقبل؛ فالثورة لا تعبّر عن غضب عابر أو إضراب عارض، بل هي نداء وجودي يصرخ في وجه الظلم؛ إنها لحظة الفداء التي تعيد تعريف الإنسان ومعنى الإنسانية، وتكتب بالدماء على صفحات الحرية.. استعادة وطن؛ وفي هذا السياق، يأتي الطوفان، لا بوصفه مواجهة عسكرية أو حدثًا سياسيًا، بل لحظة حضارية شاملة أعادت للأمة بوصلة الهوية، وجمعت بين التاريخ والمستقبل في لوحة كفاح واحدة، انطلقت من فلسطين، وستعود لتحرر فلسطين.
استدلال.. بنقطة التحوّل الكبرى
حين أُطلقت الشرارة الأولى في فلسطين، بدا المشهد كأنه استيقاظ المارد بعد سبات طويل؛ كأن الأمة، بخطى متثاقلة، بدأت تخلع عنها قيود الذل والهوان لتستعيد كبرياءها المسلوب؛ جاءت «طوفان الأقصى» كتاج لهذه الانتفاضات، مُعلنة أن فلسطين ليست قضية محلية أو حتى إقليمية، بل أيقونة عالمية للكرامة والصمود؛ «الأقصى»، الذي كان دائمًا أكثر من مجرد مسجد، أصبح محور معركة كونية تُجسد النضال من أجل الهوية؛ هنا، في قلب غزة، برهنت الأمة أن السلاح الحقيقي لا يُقاس بمدى قوته المادية، بل بعمق الإيمان بقضية عادلة، حيث الكلمة والدماء يتحدان في ملحمة واحدة.
بين التاريخ والمستقبل.. الثورات معابر حضارية
التاريخ ليس سوى سلسلة من التحوّلات الكبرى التي غيّرت مسارات البشرية؛ لذا فالثورات ليست مجرد تحركات آنية، بل جسور عبور بين العصور؛ الثورة الفرنسية، التي ألغت النظام الملكي، كانت بداية عصر جديد للحرية والمساواة، والثورة الصناعية حطمت قيود الاقتصاد التقليدي لتدشّن عهد الحداثة؛ وفي العالم العربي، كانت الثورات الأولى ضد الاحتلال استعادة للكرامة الوطنية، لم تتوقف عند التحرر السياسي، بل تجاوزته نحو بناء مجتمع الحقوق والحرية والعدالة؛ وعلى الرغم من انتكاسات الربيع العربي، فإن الشعلة التي أُوقدت في تلك الميادين لم تنطفئ، بل تحوّلت إلى موجات ثورية تنتظر طوفاناً يرفعها ليسقط الطغاة والمستبدين.
«الأقصى».. قبلة وقضية لتحرر وإنسانية
لذا، فالطوفان ليس مجرد فصل في كتاب الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي»، بل تجلٍّ لمعركة حق أعمق من ذلك؛ إنه معركة استعادة الروح، وإحياء القيم التي تآكلت تحت وطأة الاحتلال والاستبداد؛ المسجد الأقصى ليس مكانًا مقدسًا فحسب، بل رمز عالمي للعدل ورفض الظلم؛ من الطوفان للثورة، اجتمعت الشعوب على صرخة واحدة تُعلن أن التحرير ليس حلمًا بعيد المنال، بل واقعًا يولد من رحم الإرادة.
الثورات والطوفان.. ثنائية التحرر
«الربيع العربي» كان بمثابة شروق شمس جديدة على أفق الحرية؛ تلك الثورات، التي أشعلت لهيبها تونس ومصر، كانت إعلانًا بأن الشعوب قادرة على كسر قيودها؛ ثم جاءت «طوفان الأقصى» لتكمل المسيرة، لتؤكد أن تحرير فلسطين جزء لا يتجزأ من نضال الأمة؛ الثورات التي كانت تنادي بالكرامة والحرية، وجدت في «الأقصى» رمزًا جامعًا يوحد الأمة حول قضية عادلة لا تقبل المساومة.
التحديات والتحولات.. الشام أرض المحشر والمنشر
فالثورة السورية، بكل تعقيداتها التشابكية، كانت وما زالت درسًا في فهم تشابك التوجهات والمشارب والمصالح المحلية والدولية؛ وعلى الرغم من ذلك أظهرت تلك الثورة أن الصمود أمام الاستبداد الداخلي لا يمكن أن يتحقق دون مواجهة التدخلات الخارجية، بالتشاركية الثورية في سورية، والمواءمة التحالفية في لبنان؛ وفي هذا السياق، جاءت «طوفان الأقصى» لتؤكد أن المعركة من أجل الحرية لا يمكن فصلها عن معركة التحرر الوطني.
مصر وفلسطين.. وحدة المصير
مصر دائمًا قلب الأمة العربية، كانت وما زالت في صميم كل حراك يسعى لتحرير فلسطين؛ فالثورة المصرية لم تكن مجرد حركة محلية، بل كانت صرخة استهدفت إعادة صياغة العلاقة بين الشعب وسلطته التي اختارها بصناديق الانتخاب؛ وفي كل منعطف، تبقى فلسطين قضية مصر المركزية، فتحريرها واستعادتها قيم وواجب ويقين لا يلين.
وفي كلمات.. نحو إحياء للأمة
الطوفان ليس مجرد انتفاضة؛ بل أوج آلام المخاض، حيث تتعالى صرخات الثورات لتُسطر لحظة ميلاد وطن، لحظة تُعيد الأمل لوطن نُزِعَ من بين يدي هذه الأمة، وتُعيد ترتيب أولوياتها، متحديةً كل محنة؛ لتؤكد أن هذه الأمة، التي صمدت وسط عواصف الألم، قادرة على النهوض من جديد، من قلب «الأقصى» حيث تنطلق الروح لتستعيد للأمة هويتها وكرامتها، وتضعها على درب جديد نحو الحق والحرية والعدالة، في هذا المكان يُكتب المستقبل بدماء الشهداء، ليظل عنوانه «أمة قادرة على استعادة وطن».
_____________________
(*) خبير إدارة مشاريع إستراتيجية.