أكد الرسول صلى الله عليه وسلم أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير، وإن القوة المطلوبة تشمل قوة الإيمان وقوة البدن وقوة العلم وغيرها من القوى التي تنفع المؤمن في جميع جوانب حياته.
ومن أهم هذه القوى قوة البدن، وقد تجسدت هذه القوة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبحت سمة معروفة عنه بين الناس، ولم يستخدم النبي صلى الله عليه وسلم هذه القوة للتفاخر أو التعالي أو الظلم لغيره، بل كانت دائمًا مقرونة بالرحمة والتواضع، وهذه بعض الأدلة عليها:
1- ضربه الكُدْيَة الشديدة فأصبحت كالرمل اللين الذي يتساقط:
روى البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: «إِنَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ نَحْفِرُ، فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ شَدِيدَةٌ، فَجَاؤوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ فِي الْخَنْدَقِ، فَقَالَ: «أَنَا نَازِلٌ»، ثُمَّ قَامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ، وَلَبِثْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا نَذُوقُ ذَوَاقًا، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمِعْوَلَ فَضَرَبَ، فَعَادَ كَثِيبًا أَهْيَلَ؛ أي أنه ضرب الصخرة فصارت كالرمل الذي ينهال فيتساقط من جوانبه ويسيل على الأرض.
2- سرعته في مشيه كأنما الأرض تُطوى له:
روى الترمذي وأحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مَشْيِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَأَنَّمَا الأَرْضُ تُطْوَى لَهُ، إِنَّا لَنُجْهِدُ أَنْفُسَنَا، وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ»، ولا يمكن تحقيق المشي السريع إلا لمن امتلك القوة البدنية المعينة على ذلك.
3- الرَّمَل عند الطواف والهرولة عند السعي بين الصفا والمروة:
روى البخاري، ومسلم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «إِنَّمَا سَعَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَمَلَ بِالْبَيْتِ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ».
4- نزوله من الْمَشْرُبَة غير متشبث بالجذع:
روى مسلم عن عمر بن الخطاب قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في الْمَشْرُبَةِ (غرفة عالية يصعد إليها)، فقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَالْمُسْلِمُونَ يَنْكُتُونَ بِالْحَصَى، يَقُولُونَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ، أَفَأَنْزِلُ فَأُخْبِرَهُمْ أَنَّكَ لَمْ تُطَلِّقْهُنَّ؟ قَالَ «نَعَمْ، إِنْ شِئْتَ»، فَلَمْ أَزَلْ أُحَدِّثُهُ حَتَّى تَحَسَّرَ الْغَضَبُ عَنْ وجهه، وحتى كثر فَضَحِكَ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ ثَغْرًا، ثُمَّ نَزَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَزَلْتُ، فَنَزَلْتُ أَتَشَبَّثُ بِالْجِذْعِ وَهُوَ جذع يرقى عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَأَنَّمَا يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا يَمَسُّهُ بِيَدِهِ»، فالنبي صلى الله عليه وسلم ينزل واقفاً غير مستند أو متشبث بالجذع، مما يدل على قوته صلى الله عليه وسلم.
5- حرصه على المشي في الطريق إلى «بدر» وقوله لزميليه: «مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى عَلَى الْمَشْيِ مِنِّي»:
روى أحمد عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا يَوْمَ «بَدْرٍ» كُلُّ ثَلَاثَةٍ عَلَى بَعِيرٍ، فَكَانَ أَبُو لُبَابَةَ، وَعَلِيٌّ، زَمِيلَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ إِذَا حَانَتْ عُقْبَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَا: ارْكَبْ حَتَّى نَمْشِي، فَيَقُولُ: «مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى عَلَى الْمَشْيِ مِنِّي، وَلَا أَنَا أَغْنَى عَنِ الْأَجْرِ مِنْكُمَا».
6- أُعطِيَ قوة ثلاثين:
روى البخاري عن أَنَس بْنُ مَالِكٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: أَوَ كَانَ يُطِيقُهُ؟ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلَاثِينَ»، وفي هذا دلالة على قوة بدنه صلى الله عليه وسلم.
7- الشجاعة في المعارك:
في غزوة «حنين»، عندما تراجع بعض المسلمين بسبب شدة الهجوم، بقي النبي صلى الله عليه وسلم ثابتًا في الميدان، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْبَرَاءِ فَقَالَ: أَكُنْتُمْ وَلَّيْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ يَا أَبَا عُمَارَةَ؟ فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا وَلَّى، وَلَكِنَّهُ انْطَلَقَ أَخِفَّاءُ مِنَ النَّاسِ وَحُسَّرٌ إِلَى هَذَا الْحَيِّ مِنْ هَوَازِنَ، وَهُمْ قَوْمٌ رُمَاةٌ، فَرَمَوْهُمْ بِرِشْقٍ مِنْ نَبْلٍ، كَأَنَّهَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ فَانْكَشَفُوا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ يَقُودُ بِهِ بَغْلَتَهُ، فَنَزَلَ وَدَعَا وَاسْتَنْصَرَ وَهُوَ يَقُولُ: «أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ، اللَّهُمَّ نَزِّلْ نَصْرَكَ».
قَالَ الْبَرَاءُ: كُنَّا وَاللهِ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ، وَإِنَّ الشُّجَاعَ مِنَّا لَلَّذِي يُحَاذِي بِهِ، يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وروى أحمد عَنْ عَلِيٍّ بن أبي طالب قَالَ: كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ (اشتدت الحرب) وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى إِلَى الْقَوْمِ مِنْهُ.
8- قوته في رمي السهام:
روى البخاري عن سلمة بن الأكوع قال: مَرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم علَى نَفَرٍ مِن أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ (يَتسابَقونَ في الرَّمْيِ بالسِّهامِ والنَّبْلِ)، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ، فإنَّ أَبَاكُمْ كانَ رَامِيًا ارْمُوا، وأَنَا مع بَنِي فُلَانٍ»، قالَ: فأمْسَكَ أَحَدُ الفَرِيقَيْنِ بأَيْدِيهِمْ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ما لَكُمْ لا تَرْمُونَ؟»، فَقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ نَرْمِي وأَنْتَ معهُمْ، قالَ: «ارْمُوا وأَنَا معكُمْ كُلِّكُمْ».
9- قوته في المصارعة:
روى البيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صارع أبا الأشد الجمحي واسمه كلدة فصرعه، وبلغ من شدة أبي الأشد أنه كان يقف على جلد البقر ويجاذبه عشرة من تحت قدميه، فيمزق الجلد من تحته ولا يتزحزح، وروى أبو داود، والترمذي، والبيهقي من حديث أبي الْحَسَنِ الْعَسْقَلَانِيُّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ رُكَانَةَ، عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ رُكَانَةَ صَارَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَصَرَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم»، وروى الواقعة أيضاً ابن كثير في البداية والنهاية، وفي الحديث ضعف، إلا أنه يدل على قوته وشجاعته صلى الله عليه وسلم.
10- مسابقته السيدة عائشة وسبقه إياها:
روى أحمد، وأبو داود، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلِ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: «تَقَدَّمُوا»، فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ لِي: «تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ»، فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ، فَسَكَتَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ، خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: «تَقَدَّمُوا»، فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ: «تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ»، فَسَابَقْتُهُ، فَسَبَقَنِي، فَجَعَلَ يَضْحَكُ، وَهُوَ يَقُولُ: «هَذِهِ بِتِلْكَ».