شهد الاقتصاد الفلسطيني تدهورًا حادًا منذ 7 أكتوبر 2023م، بعد تصاعد العدوان «الإسرائيلي» على قطاع غزة وتأثيراته العميقة على الضفة الغربية، ما كان مجرد تصعيد عسكري، تحول إلى أزمة اقتصادية غير مسبوقة أسفرت عن تدهور قطاعات حيوية، وزيادة معدلات البطالة والفقر إلى مستويات غير مسبوقة، فهذه الأزمة ليست مجرد صراع اقتصادي، بل انعكاس لسنوات من الظلم والتدمير الممنهج.
انكماش الناتج المحلي الإجمالي
وفقًا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، انكمش الناتج المحلي الإجمالي في فلسطين بنسبة 28% خلال عام 2024م، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الاقتصاد الفلسطيني، لكن الأثر الأكبر كان في قطاع غزة، الذي تعرض لانكماش بلغ 82% بسبب الدمار الواسع للبنية التحتية والمصانع والأنشطة الاقتصادية، أما في الضفة الغربية، فالتراجع كان أكثر اعتدالًا، ولكنه لا يقل خطورة، حيث بلغ 19% نتيجة للقيود المفروضة على حركة التجارة، وارتفاع تكاليف الإنتاج.
ارتفاع معدلات البطالة والفقر
إحدى النتائج الأكثر إيلامًا لهذه الأزمة ارتفاع معدلات البطالة في فلسطين، التي بلغت 51% في عام 2024م، وفي قطاع غزة، وصلت هذه النسبة إلى أكثر من 80%، في حين ظلت الضفة الغربية تحتفظ بنسب أقل تصل إلى 35%، هذه الأرقام المروعة تعكس تدميرًا شاملاً لفرص العمل، حيث تعطل العديد من الصناعات والأنشطة الاقتصادية.
الفقر، الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني منذ عقود، وصل إلى مستويات غير مسبوقة، حيث توقعت الأمم المتحدة أن ترتفع نسبة الفقر في الأراضي الفلسطينية إلى 74.3% بنهاية عام 2024م، العديد من الأسر الفلسطينية، خاصة في قطاع غزة، تكافح لتوفير احتياجاتها الأساسية مثل الطعام والرعاية الصحية، بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة.
تراجع التبادل التجاري
تأثرت التجارة الفلسطينية بشكل كبير نتيجة للقيود «الإسرائيلية» المفروضة على الحركة، حيث سجل التبادل التجاري مع العالم الخارجي انخفاضًا بنسبة 11% خلال عام 2024م، وانخفضت قيمة صادرات السلع والخدمات الفلسطينية بنسبة 13%، بينما تراجعت الواردات بنسبة 11%، هذا التراجع يعكس الصعوبات التي تواجهها الشركات الفلسطينية في الوصول إلى أسواق العالم، بالإضافة إلى نقص المواد الخام وارتفاع تكاليف الإنتاج.
كما أن الحواجز العسكرية والمعابر المغلقة في الضفة الغربية وغزة تسهم بشكل كبير في تعطيل العمليات التجارية؛ ما يرفع من تكلفة الإنتاج ويجعل المنتجات الفلسطينية غير قادرة على التنافس في الأسواق الإقليمية والدولية.
تأثير العدوان على القطاعات الاقتصادية
كل قطاع اقتصادي فلسطيني تعرض لضرر كبير في عام 2024م، أكثر القطاعات تضررًا كان قطاع الإنشاءات، حيث سجل تراجعًا بنسبة 46%، فقد دمرت العديد من المباني والمنشآت الصناعية في قطاع غزة بالكامل؛ ما أثر على العديد من المشاريع الحيوية، قطاع الصناعة كذلك شهد تراجعًا بنسبة 33%، بينما كان قطاع الزراعة هو الآخر الأكثر تضررًا نتيجة لعمليات الهدم والاستهداف «الإسرائيلي» للأراضي الزراعية.
تدهور المالية العامة
أدى العدوان «الإسرائيلي» المستمر إلى تدهور الإيرادات المالية للحكومة الفلسطينية، حيث ارتفع عجز الميزانية بنسبة 172% في عام 2024م مقارنة بعام 2023م.
هذا التدهور نتج عن تراجع الإيرادات الضريبية وزيادة الاقتطاعات «الإسرائيلية» من أموال الضرائب الفلسطينية (المقاصة)، وهذه الأموال تُعتبر مصدرًا رئيساً لتمويل الموازنة الفلسطينية؛ ما أثر بشكل كبير على قدرة الحكومة الفلسطينية على تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين.
وفي النهاية، لا بد أن نوجه نداء إلى العالم بأنه من حق الشعب الفلسطيني في الحياة والعيش الكريم.
إن الأزمة الاقتصادية في فلسطين ليست مجرد تحدٍّ اقتصادي، بل دعوة صارخة إلى ضمير العالم لضرورة التحرك من أجل إنصاف الشعب الفلسطيني، إن هذه الأزمة، التي تعمقها سياسات الاحتلال تقف عائقًا أمام حق الفلسطينيين في الحياة الكريمة والحرية.
إن حق الفلسطينيين في العيش بسلام وكرامة ليس فقط حقًا اقتصاديًا، بل حق إنساني ثابت، شعبنا، الذي يواجه منذ عقود الظلم والتهميش، يصر على البقاء والصمود، رافضًا الاستسلام أمام الواقع القاسي، لكن دون تحرك حقيقي من المجتمع الدولي نحو إنهاء الاحتلال، لن يتحقق هذا الحق في الحياة التي يستحقها هذا الشعب العظيم.
في هذا السياق، نناشد العالم بأسره أن يعترف بحق الفلسطينيين في بناء مستقبلهم بعيدًا عن الحروب والدمار، وأن يعينهم في استعادة حقوقهم السياسية والاقتصادية، فنحن لا نطلب سوى الحق في الحياة الحرة الكريمة، حقنا في العيش دون قيود، ودون خوف من قمع الاحتلال أو تأثير الحروب.
لن يكون هناك سلام أو استقرار حقيقي إلا عندما يتم الاعتراف الكامل بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتحقيق حلمه في دولة مستقلة، ومزدهرة.
_____________________
1- الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (2024م).
2- تقرير الأمم المتحدة حول الفقر في فلسطين (2024م).
3- وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطينية (2024م).