ليس في الإسلام فصل بين الإيمان والأخلاق، فهما متكاملان، لا يستغني أحدهما عن الآخر، فالإيمان السليم يثمر أخلاقاً حسنة، والخلق الحسن نابع من الإيمان بالله تعالى، فقد وعد الله تعالى المؤمنين بالهداية إلى الخلق الحسن، حيث قال عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ) (يونس: 9).
كما وعد الله تعالى المؤمنين الذين يعملون الصالحات ويلتزمون الأخلاق الحسنة بالنجاة من الخسران، حيث قال تعالى: (وَالْعَصْرِ {1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر)، وفي هذا دليل على الارتباط الوثيق بين الإيمان والأخلاق، وفيما يأتي بيان عدد من الأدلة على ذلك في القرآن الكريم والسُّنة:
1- الأمر بالإيمان والأخلاق في سياق واحد:
إن الله تعالى إذا أمر بأمر فإنه يكون مهماً، وإذا عطف على هذا الأمر أمراً آخر فإنه يكون مهماً مثله، وقد جمع الله تعالى بين الأمر بتقوى الله عز وجل وهي الثمرة الحقيقية للإيمان، والصدق وهو أسمى الأخلاق، ليدل ذلك على الارتباط بين الإيمان والخلق الحسن، حيث قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة: 119).
2- الربط بين الإيمان والأخلاق في القرآن:
لقد أوضح الله تعالى أن الدين والنظام الإسلامي ليس موجوداً في الشرق أو الغرب من النظريات والفلسفات، بل هو مزيج من الإيمان بالله تعالى وعبادته والتخلق بالخلق الحسن، وقد جاء هذا واضحاً في العديد من الآيات القرآنية التي ربطت بين هذه الأركان، ومنها قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة: 177).
وقال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {2} وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ {3} وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ {4} وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {5} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {6} فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {7} وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ {8} وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ {9} أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ {10} الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (المؤمنون).
3- الربط بين الإيمان والأخلاق في السُّنة:
إذا كان القرآن الكريم قد أشار إلى الارتباط الوثيق بين الإيمان والخلق الحسن؛ فإن السنة قد بيَّنت ذلك بياناً كاملاً، حيث روى البخاري، ومسلم، في صحيحيهما، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ».
في الحديث تأكيد أن الأخلاق من الإيمان، بل إنهما متلازمان، فقد روى البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح وصححه الألباني عَنِ ابْنِ عُمَرَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنْ الْحَيَاءَ وَالْإِيمَانَ قُرِنَا جَمِيعًا، فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الْآخَرُ».
4- حسن الخلق دليل على كمال الإيمان:
أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم أن كمال الإيمان يؤدي إلى حسن الخلق، فقد روى أحمد في مسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا، أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا».
5- حسن الخلق ثمرة من ثمرات الإيمان:
روى البخاري، ومسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضيفه».
فالإيمان هو الدافع والمحرك لصاحبه أن يتحلى بالخلق الحسن، سواء كان ذلك ظاهراً في قول الخير أو عدم الأذى أو إكرام الضيف، أو غير ذلك من جميل الأخلاق والصفات.
6- نفي كمال الإيمان عن الذي ساء خلقه:
من جميل العلاقة بين الإيمان والأخلاق أن الخلق الحسن يدل على زيادة الإيمان، وفي مقابل ذلك إذا ساء خلق الإنسان فإن هذا دليل على نقص الإيمان في قلبه.
وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى، حيث روى البخاري، ومسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ».
وروى البخاري عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ»، قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الذي لا يأمن جاره بوائقه».