حذّر الإسلام أتباعه من بعض الأفعال التي تضر بهم، وبالناس من حولهم، وقد حدد الرسول صلى الله عليه وسلم أصنافاً من الناس، تتعدى خطر أفعالهم ذواتهم، بل تمتد أخطار سلوكياتهم إلى عموم الأمة، وتوعدهم أن من فعل تلك الخصال فعليه أن يتبوأ مقعده من النار.
وفيما يأتي بيان صفاتهم وأفعالهم.
1- الكاذب على الله:
روى الإمام أحمد في مسنده، والترمذي في سننه بسند حسن، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أن رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»، وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال: «مَن قال في القرآنِ برأيِّهِ، فليتَبوَّأْ مَقعدَهُ مِن النَّارِ».
والمعنى أن من تجرأ على كتاب الله تعالى، وتحدث في القرآن الكريم وهو جاهل به فقد افترى على الله الكذب، وهؤلاء هم أظلم وأضل الناس، حيث قال الله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ) (العنكبوت: 68)، وقال تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ) (القصص: 50).
2- الكاذب على النبي:
روى البخاري في صحيحه، عَنْ الْمُغِيرَةِ بن شعبة قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».
وفي صحيح البخاري أيضاً عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النار».
وفي مسند أحمد عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».
والخطورة في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم تأتي من إكساب كلام الكذاب صفة التشريع والصدق الذي لا شك فيه، حين ينسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3- الكاذب في الرؤيا:
روى الإمام أحمد في مسنده بسند حسن عن أبي عبدالرحمن السُّلَمي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كذَب في الرؤيا متعمداً فليتبوّأ مقعدَه من النار»؛ أي قال: رأيت في المنام كذا وكذا وهو كاذب.
وهذا وعيد يدل على أن التحلم بحلم لم يره الإنسان من كبائر الذنوب، سواء كان ذلك منه لأجل أن يضحك الناس أو يتبوأ بينهم مكانة عظيمة، أو يزعم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون بذلك كاذباً عليه.
4- الكاذب في اليمين:
روى ابن ماجه في سننه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ آثِمَةٍ عِنْدَ مِنْبَرِي هَذَا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَلَوْ عَلَى سِوَاكٍ أَخْضَرَ».
وفي مسند البزار، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ صَبْرٍ كَاذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»؛ وسميت يمين صبر: كأنه صبر نفسه على هذا الكذب.
وروى الطبراني في «المعجم الكبير» عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ أَخِيهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»؛ هذا لأنه يستحل بيمينه ما ليس له، فيظلم الناس ويأخذ مالهم.
5- المتكبر على الناس:
روى الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح أن مُعَاوِيَةَ دَخَلَ عَلَى عَبْدِاللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وابْنِ عَامِرٍ، فَقَامَ ابْنُ عَامِرٍ، وَلَمْ يَقُمْ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: مَهْ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ عِبَادُ اللهِ قِيَامًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».
وفي رواية عند أبي داود، وصححه الألباني، أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»؛ وهذا الوعيد وارد في حق المتكبرين الذين يفرضون على الناس أن يقوموا لهم ويعظمونهم، أما إذا قام الناس لأحد لا يحب ذلك ولا يفرضه فإنه غير مخاطب بهذا الوعيد.
6- المنتسب إلى قوم وهو ليس منهم:
روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغفاري، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»؛ ومعنى قوله: «ليس مِن رَجلٍ ادَّعى»؛ أيِ: انتَسَبَ لغَيرِ أبيه الحَقيقيِّ، واتَّخَذه أبًا رَغبةً عن أبيه، وهو يَعلَمُ أنَّه ليس أباهُ.
فمن فعل هذا فقد أتى بفعل من أفعال الكافرين، لأنَّ الأنْسابَ لا تلاعب فيها، وهذا الفِعلُ الدَّنيءُ إنَّما يَفعَلُه أهلُ الجَفاءِ والجَهلِ والكِبرِ؛ لخِسَّةِ مَنصِبِ الأبِ ودَناءَتِه، فيَرى الانتِسابَ إليه عارًا ونَقصًا في حقِّه.
ثمَّ أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مَنِ ادَّعى قَومًا، فانتسَبَ إليهم، وليس له فيهم نسَبُ قَرابةٍ، أو نَحوِها؛ فلْيتَبوَّأْ مَقعَدَه مِنَ النَّارِ، أي: هذا جَزاؤُه، فلْيَنزِلْ مَنزِلَه منها، أو فلْيتَّخِذْ مَنزِلًا بها.