ألقى العدوان الصهيوني على قطاع غزة بظلاله السلبية على اقتصادات المنطقة وتحديداً الدول العربية التي تأثرت اقتصاداتها سلباً، وظهر ذلك بشكل جلي في مؤشرات الناتج القومي والمحلي ومؤشرات الفقر والبطالة وغلاء المعيشة.
يستعرض التقرير التالي التكلفة الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة التي تأثرت بها الدول العربية بسبب العدوان على غزة، وأي دول كانت الأكثر تضرراً من هذا العدوان، والمدى الزمني المتوقع لهذه الدول بأن تتعافى من هذه الآثار.
عديدة هي التقارير الدولية والإقليمية التي تناولت مؤخراً الآثار الاقتصادية للتغيرات الجيوسياسية التي أحدثها العدوان على المنطقة التي مست بشكل مباشر بسبع جبهات فتحت دولة الاحتلال نيران تصعيدها نحوها، وهي على النحو التالي: قطاع غزة، والضفة الغربية، ولبنان، وسورية، العراق، واليمن، وإيران.
نالت غزة نصيب الأسد من فاتورة الدم، بعد أن فقد القطاع 16% من سكانه الأصليين بين شهيد وجريح ومفقود وأسير، تلاها لبنان الذي تعرض هو الآخر لحرب مدمرة في مناطقه الجنوبية وتأثرت عاصمته بيروت لدمار هائل في البنى التحتية ومرافقه الحيوية، فيما احتلت الضفة الغربية المرتبة الثالثة من هذه الفاتورة، وتلاهما على الترتيب كل من سورية واليمن والعراق وأخيراً إيران.
لبنان
استعرض تقريران صدرا مؤخراً عن صندوق النقد والبنك الدوليين، فاتورة العدوان «الإسرائيلي» على الشرق الأوسط، وخلص التقرير أنه باستثناء الأراضي الفلسطينية التي ما زالت نيران الحرب مشتعلة فيها، فقد حل لبنان في المرتبة الأولى بالدول العربية التي تأثرت اقتصادياً بشكل سلبي من العدوان الذي طال أراضيه منذ 8 من أكتوبر2023م، وحتى توقيع اتفاق الهدنة بين حكومة الاحتلال والدولة اللبنانية في 27 من نوفمبر 2024م.
خلص التقريران الدوليان أن الدولة اللبنانية دخلت في أسوأ أزمة اقتصادية لم تشهدها منذ عقود، تحتاج إلى وقت طويل قد يمتد لعقدين حتى تتعافى منها، وذلك بسبب تأثر قطاعات اقتصادية وازنة، منها السفر والسياحة الذي يشكل خُمس الناتج المحلي، وشلل القطاع الزراعي والصناعي والتشغيلي، بالإضافة للتكلفة المباشرة جراء تدمير الاحتلال لـ 37 قرية وبلدة حدودية بعمق 3 كيلومترات في الجانب اللبناني من الخط الأزرق الفاصل، وتتضرر 40 ألف وحدة سكنية، وتشريد مليون ونصف المليون نازح.
واستعرض مدير الإحصاء اللبناني «ستاتيستيكس ليبانون» ربيع الهبر خسائر الدولة اللبنانية من العدوان «الإسرائيلي» خلال 13 شهراً، وقد جاء التقدير الأولي للخسائر على النحول التالي:
– بلغ العدد الإجمالي للوحدات السكنية المدمرة كلياً في لبنان نحو 11 ألف وحدة.
– قُدرت قيمة الأضرار التي لحقت بالبلاد بحوالي 3.4 مليارات دولار.
– وصلت الخسائر الإجمالية خلال 13 شهراً إلى قرابة 5.1 مليارات دولار.
– تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.7% ليصل إلى نحو 14.5 مليار دولار.
– وفي القطاع الزراعي، بلغت الخسائر نحو 124 مليون دولار، في حين تجاوز حجم الدمار في القطاع 1.1 مليار دولار.
– أما في قطاع التجارة، فقد تضرر القطاع بخسائر بلغت 178 مليون دولار ودمار بلغ 1.7 مليار دولار.
– وفي قطاع الوحدات السكنية، بلغت قيمة الدمار 2.8 مليار دولار، في حين قدرت الخسائر بـ389 مليون دولار.
– بالنسبة لقطاع السياحة، فقد تعرض القطاع لدمار بقيمة 18 مليون دولار، في حين بلغت الخسائر 1.1 مليار دولار.
– وفيما يتعلق بالقطاع البيئي، بلغ حجم الدمار 221 مليون دولار والخسائر 214 مليون دولار.
– في القطاع الصحي، وصل حجم الدمار إلى 74 مليون دولار، والخسائر 338 مليون دولار، كما خرجت 8 مراكز صحية عن الخدمة، وتم إغلاق 250 مركزاً صحياً، وفيما يخص الطواقم الطبية، فقد استشهد حوالي 220 شخصاً، وأصيب نحو 300 آخرين، كما تم تدمير أكثر من 120 سيارة إسعاف.
– أما في القطاع التعليمي، فقد تعرض القطاع لخسائر مباشرة قدرها 215 مليون دولار نتيجة نزوح العائلات إلى المدارس والمراكز التعليمية.
مصر
صحيح أن الدولة المصرية لم تكن ضمن الجبهات العسكرية التي تعرضت لهجمات «إسرائيلية»، ولكنها تأثرت سلباً بالتطورات الجيوسياسية في منطقة البحر الأحمر التي انعكس سلباً على أداء قناة السويس باعتبارها من أهم مصادر النقد الأجنبي في مصر.
تطرق تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» أن مصر أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان، لم تكد تتعافى من ارتفاع تكلفة الواردات من القمح والوقود وهبوط العائدات السياحية وانخفاض الاستثمار، حتى جاءت حرب الشرق الأوسط لتزيد من حدة التضخم بسبب ارتفاع مدفوعات الديون الأمر الذي قلص من القدرة الشرائية.
كما أدى انخفاض حركة الشحن التي تعبر عبر قناة السويس من وإلى البحرين الأبيض المتوسط والأحمر، حيث تظهر سجلات المالية للدولة أنه في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2024م، بلغت إيرادات القناة ما معدله 862 مليون دولار شهرياً، متراجعة بنسبة 30% عن ذات الفترة من العام الذي سبقه.
في حين اعترف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بأن اقتصاد بلاده تكبد خسائر بقيمة 7 مليارات دولار، وتباطأ نمو الناتج المحلي في العام الماضي ليصل 2.4%، منخفضاً عن 3.8 للعام الذي سبقه، وذلك نتيجة الأزمات التي شهدها الشرق الأوسط خلال العام الأخير في إشارة لحرب غزة.
الأردن
تضرر القطاع السياحي في الأردن نتيجة الاضطراب الذي أحدثه العدوان «الإسرائيلي» على غزة، حيث تراجع الدخل السياحي للأشهر العشرة الأولى من العام 2024م، بما قيمته 6.1 مليارات دولار، متراجعاً بنسبة 4.4% عن الفترة ذاتها من العام 2023م.
كما سجلت قطاعات التجزئة، بما في ذلك الملابس والإلكترونيات والأثاث، انخفاضاً في المبيعات، ولاحظت الصيدليات انخفاضًا بنسبة 20% في المبيعات، مع تركيز المستهلكين على المشتريات الأساسية، وفق الجمعية الوطنية لحماية المستهلك.
سورية
منذ 7 أكتوبر 2023م، تعرضت الدولة السورية لمئات الهجمات «الإسرائيلية» التي استهدفت مرافق عسكرية ومدنية بذريعة القضاء على خطوط الإمداد الإيراني عن «حزب الله» اللبناني.
ومع ذلك قد يبدو صعباً قياس الأثر الاقتصادي لحرب غزة على الاقتصاد السوري، بالنظر للتطورات الداخلية التي شهدتها الدولة السورية مؤخراً من سقوط نظام بشار الأسد وتولي هيئة مؤقتة إدارة شؤون الدولة، مع ضرورة الإشارة إلى أن الحالة السورية تبدو متفاعلة -حتى كتابة هذه السطور- بعد أن خرقت دولة الاحتلال اتفاقية فض الاشتباك الموقعة منذ العام 1974م، وعلى إثرها احتل جيش الاحتلال عشرات القرى الحدودية في الجانب السوري من الجولان.
اليمن
تعرضت الدولة اليمنية لهجمات عنيفة من قبل سلاح الجو «الإسرائيلي»، بالإضافة لهجمات من قبل البحرية البريطانية والأمريكية كان آخرها في العاشر من يناير الجاري، كانت قد استهدفت مرافق تخزين النفط في محيط أرصفة ميناء رأس عيسى بمدينة الحديدة، ومحطة حزيز لتوليد الكهرباء في العاصمة صنعاء، وقد سبق هذا الهجوم عشرات الغارات التي استهدفت في غالبيتها مرافق مدنية وبنى تحتية.
وفيما لا يزال اليمن يعمل كجبهة إسناد وحيدة لقطاع غزة في مواجهة العدوان «الإسرائيلي»، إلا أنه يصعب حصر الآثار الاقتصادية التي لحقت بالدولة، ولكن بالنظر لنمط الهجمات «الإسرائيلية»، فقد تأثر قطاع النفط والطاقة والموانئ البحرية وصيد الأسماك بالإضافة لإخراج العديد من المطارات عن الخدمة، وهذه قطاعات تمثل عصب الاقتصاد اليمني.