الإعلام هو أداة قوية في تشكيل وعي الأفراد والجماعات، وله دور محوري في تعزيز القيم الإيجابية وحماية المجتمع من الظواهر السلبية، ومنها ظاهرة الطلاق التي تهدد استقرار الأسرة، اللبنة الأولى في بناء المجتمع.
القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أكدا على أهمية الأسرة وضرورة الحفاظ عليها، حيث قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21].
هذه الآية تلخص فلسفة الزواج القائمة على السكينة والمودة والرحمة، وهي أسس يجب أن تُرسَّخ في الإعلام.
دور الإعلام في معالجة ظاهرة الطلاق: التحديات والقصور
1. الطرح السطحي للمشكلة
غالبًا ما يتناول الإعلام ظاهرة الطلاق كخبر أو إثارة، دون الغوص في أبعادها الاجتماعية والنفسية والدينية فقد قال النبي ﷺ: “أبغض الحلال إلى الله الطلاق” [رواه أبو داود]، وهذا الحديث يعكس نظرة الإسلام إلى الطلاق كحل أخير، وهو ما ينبغي أن يُبرز في وسائل الإعلام لبيان خطورة الاستهانة بهذه الخطوة وتأثيرها على الأسرة والمجتمع.
2. استضافة الخبراء والمختصين
قلة البرامج الإعلامية التي تستضيف علماء الشرع وخبراء الأسرة لمناقشة أسباب الطلاق وطرق الوقاية منه، فقد قال تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾ [النساء: 35]، فالإعلام يجب أن يعزز مفهوم التحكيم والإصلاح بين الزوجين كخطوة وقائية قبل الانفصال.
3. الترويج للعنف الأسري في الدراما والإعلام
بعض الأعمال الإعلامية تساهم في تطبيع العنف الأسري وإظهار الطلاق كحل سهل، مما يترك أثرًا سلبيًا على الجمهور، فقد قال النبي ﷺ: “استوصوا بالنساء خيرًا” [رواه البخاري]، فالإعلام يجب أن يركز على احترام المرأة وحمايتها من العنف، بدلًا من تقديم نماذج تبرر الاعتداء عليها.
4. تأثير وسائل التواصل الاجتماعي
الإفراط في استخدام وسائل التواصل أدى إلى إهمال الزوجين لمسؤولياتهما الأسرية، ما زاد من معدلات الطلاق، فقد قال النبي ﷺ: “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته” [رواه البخاري]، فالإعلام يجب أن يبرز دور الزوجين كراعين لأسرتهما، مع التركيز على إدارة الوقت وتجنب الإدمان على وسائل التواصل.
الدور الإعلامي المأمول للحد من ظاهرة الطلاق
1. التخطيط الإعلامي الواعي
تطوير خطط إعلامية طويلة الأمد تركز على توعية الأسر بأهمية الحفاظ على الزواج وبناء علاقة صحية ومستدامة، فقد قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19]، الإعلام يجب أن يروج لمفهوم المعاشرة بالمعروف كأساس للحياة الزوجية.
2. استخدام تقنيات إعلامية مؤثرة
إنتاج تحقيقات ميدانية وأعمال درامية هادفة تعكس الآثار السلبية للطلاق وتروج للحلول الإيجابية، فقد قال النبي ﷺ: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي” [رواه الترمذي]، فالإعلام يجب أن يُظهر أهمية حسن التعامل مع الأسرة كمقياس للخلق والإيمان.
3. التعاون مع المؤسسات التربوية والدينية
التنسيق مع الجهات التربوية والدينية لإطلاق مبادرات توعوية تتناول قضايا الأسرة والطلاق، فقد قال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال: 1]، فالإعلام يمكن أن يدعم برامج الصلح والإصلاح الأسري التي تستمد جذورها من القيم الإسلامية.
4. منصات استشارية إلكترونية
إنشاء منصات موثوقة تقدم استشارات أسرية من خبراء متخصصين لمساعدة الأزواج في تجاوز أزماتهم، فقد قال النبي ﷺ: “من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه” [رواه مسلم]، فتوفير استشارات أسرية هو شكل من أشكال النفع والإحسان الذي حث عليه الإسلام.
5. معالجة القضايا بطرق غير مباشرة
الإعلام يمكن أن يعالج قضايا الطلاق بشكل غير مباشر من خلال تقديم نماذج أسرية ناجحة ومواقف تحفز على التماسك، فقد قال تعالى: ﴿فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 19]، فالإعلام يجب أن يشجع على الصبر وتحمل المسؤوليات بدلاً من التسرع في الانفصال.
الإعلام، بمختلف وسائله، يمتلك دورًا أساسيًا في تشكيل وعي المجتمع وحمايته من الظواهر السلبية كظاهرة الطلاق. ومع أهمية الجوانب الاجتماعية والنفسية، يجب أن يكون البعد الديني حاضرًا في الرسائل الإعلامية، لأنه يقدم حلولًا جذرية وواقعية لهذه القضايا.
الأسرة هي نواة المجتمع، وحمايتها واجب على الجميع، والإعلام شريك محوري في هذه المسؤولية.
المصدر: بحث الدور الإعلامي والتقني في الوقاية من تفشي ظاهرة الطلاق، بين الواقع والمأمول لـ د.صديق عويش عايد المحمادي ود.رضوان جمال الأطرش