يشهد العالم الذي تخاذل عن حماية الأطفال والرضع في غزة من الموت حرقاً وتجويعاً وبأبشع أنواع المتفجرات الأمريكية، إعلان التوصل إلى اتفاق بين حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) و«إسرائيل» بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى بعد 465 يوماً من الدمار والقتل.
لا شك أن ترمب بتكليفه ستيف ويتكوف، المفاوض اليهودي الذكي الذي يتمتع بباع طويل في فنون التفاوض، هو من فرض الصفقة على رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو بعد أن فشل المجتمع «الإسرائيلي» في إقناعه بإيقاف حرب الإبادة، فجاء ترمب ليفرض هذه الصفقة على نتنياهو بعد فشل قوة الاحتلال المدعومة بأعتى القوى الغربية في تركيع الفلسطينيين في غزة، بعد صمود بيت حانون وجباليا وخان يونس، بعد أن تم إزهاق 50 ألفاً من الأرواح الفلسطينية معظمهم من النساء والأطفال في غزة، وسقوط مئات الآلاف من الجرحى، بعد الخراب والدمار جراء حرب الإبادة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً.
فشل «إسرائيلي» ونصر للمقاومة
كان هدف «إسرائيل» المعلن من حرب الإبادة في غزة القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وضم غزة والضفة، وتحرير الأسرى، والان ماذا حدث؟ هل استطاعت «إسرائيل» تحرير أي من الأسرى؟ هل استطاعت القضاء على حركة «حماس»؟ هل استطاعت القضاء على الفلسطينيين؟
ترمب بتكليفه ستيف ويتكوف هو من فرض هذه الصفقة
إن ما يحدث الآن يبرهن على أن المقاومة دحضت كل المزاعم «الإسرائيلية»، ودحضت أسطورة تفوق التكنولوجيا العسكرية الأمريكية، وأثبتت أن المقاومة بإمكاناتها العسكرية المحلية الصنع تحت الحصار والتجويع تستطيع تركيع أعتى القوى العسكرية في العالم، فقد فرضت نفسها على مائدة المفاوضات، وأثبتت أنها تمثل محور الحق في مقابل محور الباطل والظلام.
لقد أراد المحتل «الإسرائيلي» نكبة جديدة للفلسطينيين، لكن تحولت النكبة التي دبروها لغزة بنكبة عليهم، من دمار اقتصادي هائل، وسقوط قتلى لهم، ووصول صواريخ المقاومة إلى عقر دارهم، وفشل جديد أمام المقاومة الأبية في غزة.
في 15 أغسطس 2005م، بدأت «إسرائيل» إخلاء مستوطناتها من قطاع غزة بعد أن كبدتها المقاومة خسائر فادحة، حيث أخلت 21 مستوطنة كانت تحتل نحو 35% من مساحة قطاع غزة، الذي لا تتعدى مساحته 360 كيلومتراً مربعاً، وخرج حينها آلاف الفلسطينيين ابتهاجًا وأملاً في حياة أفضل، بعد 38 عامًا آنذاك من احتلال القطاع الساحلي الصغير، بدأ مع نكسة يونيو 1967م، وهي الآن تخرج مهزومة ذليلة مرة أخرى.
ما لا يعلمونه أنه خلف كل قائد يقف الآلاف من القادة، وخلف كل شهيد يقف الآلاف من الأبطال، لا يمكن هزيمة «حماس» بالحلول العسكرية، لأنها تدافع عن الحق في وجه الباطل، وتدافع عن أرضها وعرضها، وعرض الأمة المتخاذلة، تحمل لواء الحق في وجه الاحتلال والظلم والوحشية والهمجية، لأنها أثبتت للعالم الوجه المتحضر للمسلم في تعاملها الحسن المتحضر مع الأسرى «الإسرائيليين» ورأى العالم معاملة الصهاينة الوحشية اللاإنسانية للأسرى الفلسطينيين.
لقد حشدت «إسرائيل» نصف مليون مقاتل ومليارات الدولارات من الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا، وتلقت دعماً عسكرياً لا مثيل له من الغرب الذي لا يزال يكشف عن وجهه القبيح، بعد أن كان يتشدق بالحريات وحقوق الإنسان.
وليست الصفقة شفقة أو رحمة من «إسرائيل» أو الولايات المتحدة، وإنما رضوخ للمقاومة الفلسطينية الباسلة، شاءت «إسرائيل» أم أبت لم يكن أمامها سوى إبرام صفقة تبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية في غزة، يوقع نتنياهو على الصفقة مجبراً وليس مخيراً أمام بسالة المقاومة.
بعد إقرار المسودة النهائية للصفقة، ستعرض الصفقة على المجلس الوزاري «الإسرائيلي» المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت)، وعلى الحكومة الموسعة أيضاً للمصادقة عليها، وبعد المصادقة ستقوم وزارة العدل «الإسرائيلية» ومصلحة السجون بعرض أسماء الأسرى الفلسطينيين الذين سيطلق سراحهم، وعقب إقرار الأسماء يصادق الرئيس «الإسرائيلي» إسحاق هرتسوغ على منح العفو للأسرى الفلسطينيين المحكومين بالسجن المؤبد والأحكام العالية، ولا تتضمن هذه الأسماء جميع الأسرى الذين سيشملهم الاتفاق، باعتبار أن الاتفاق سينفذ على مراحل.
تغير لهجة بلينكن
بينما يستعد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لتوديع منصبه، جاءت كلمته في المجلس الأطلسي مغايرة لما اعتاد عليه من دعم مطلق لـ«إسرائيل»، وأوضح أنه يتعين على «إسرائيل» القبول بوجود غزة والضفة الغربية موحدتين تحت قيادة السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها، مشدداً على حق الفلسطينيين في وجود أفق سياسي واضح وقريب لتقريب المصير.
بلينكن: على «إسرائيل» التخلي عن أسطورة ضم غزة والضفة
وقال بلينكن: إن قبول نهج محدد المدة لإقامة الدولة الفلسطينية من شأنه أن يوفر مساهمة القوى الإقليمية والدولية في دعم قوات الأمن (الفلسطينية) والتمويل اللازم لمساعدة الزعماء الفلسطينيين الجدد في حكم غزة وضمان الأمن فيها.
واتهم حكومة الاحتلال «الإسرائيلي» بأنها اتبعت منهجاً يعمل على تقويض قدرة وشرعية السلطة الفلسطينية، وهي تواصل حجب عائدات الضرائب التي تجمعها نيابة عن الفلسطينيين، وهي أموال تخص الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية لدفع رواتب الأشخاص الذين يقدمون خدمات أساسية مثل الرعاية الصحية والأمن في الضفة الغربية، موضحاً أن الاحتلال «الإسرائيلي» يستمر في احتجاز أكثر من نصف مليار دولار من عائدات الضرائب التي يحق للفلسطينيين الحصول عليها في الضفة الغربية.
وأشار بلينكن إلى أن الاحتلال يعمل على توسيع المستوطنات الرسمية ومصادرة الأراضي الفلسطينية بوتيرة أسرع من أي وقت في العقد الماضي، في حين يغض الطرف عن النمو غير المسبوق للبؤر الاستيطانية غير القانونية والهجمات العنيفة من قبل المستوطنين ضد المدنيين الفلسطينيين ما أدى إلى إحياء العنف.
وشدد على وجوب تخلي «الإسرائيليين» عن الأسطورة القائلة: إنهم قادرون على تنفيذ ضم فعلي للأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية.
وذكر وزير الخارجية الأمريكي أن «إسرائيل» توسع المستوطنات وتضم الأراضي بوتيرة أسرع من أي وقت مضى في السنوات العشر الماضية، مشدداً على ضرورة تخليها عن الأسطورة القائلة بقدرتهم على ضم الأراضي بحكم الأمر الواقع.
لا شك أن «إسرائيل» فشلت فشلاً ذريعاً في القضاء على «حماس» والمقاومة وتركيع وتهجير الشعب الفلسطيني، وكذلك فشلت في تحرير أسراها بالعمل العسكري.
أما المقاومة فقد نجحت في وقف إطلاق النار وتحرير الأسرى والأسيرات والأطفال من السجون «الإسرائيلية» وإجبار العدو على الانسحاب من غزة.