ما رفع الأمم إلى أعلى عليين كالعلم، ما هوى بها إلى أسفل سافلين كالجهل، ولأجل العلم أنزل الله جل جلاله الكتب، وأرسل الرسل، بل لأجل العلم خلق الله عز وجل السماوات والأرض وما فيهن، قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) (الطلاق: 12).
وكان أول ما نزل من القرآن الكريم الأمر بالقراءة، قال عز وجل: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ {2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ {3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ {4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق).
وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «طلب العلم فريضة على كل مسلم» (رواه ابن ماجه، وأبو يعلى).
فالتعلم والتعليم فريضة إسلامية، بل هما أول فرائض الإسلام، وهما سبيل التقدم، وطريق التحضر في الدنيا، كما هما سبيل الفوز العظيم يوم الدين.
تسرب الغش إلى التعليم
التعليم المغشوش يهوي بالأمة إلى ذيل قافلة الأمم، ويصنع أمة متخلفة في سائر مجالات الحياة، وكل من يساعد على الغش من المعلمين أو المتعلمين أو أولياء الأمور فهو سبب مباشر في صناعة تخلف الأمة، وضياع مستقبلها، وتدمير حضارتها.
والغش في أي مجال من أكبر المحرمات، وهو بلا شك جريمة شرعية وأخلاقية وقانونية وإنسانية، وأخطر أنواعه الغش في الامتحانات، فهو أعمقها أثراً على مستقبل الأمة وحاضرها، فهو يقدم من حقه التأخر، ويؤخر من حقه التقدم، ويسوي بين الذين يعلمون، والذين لا يعلمون، قال تعالى: (لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (آل عمران: 188).
فإذا كان الغش في غرس الشجر، ورفع الحجر إثماً عظيماً وذنباً خطيراً، فالغش في بناء البشر وصناعة الإنسان وتزكية الوجدان أشد حرمة، وأقبح إثماً، وأخطر جرماً، قال تعالى: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (ص: 28).
والغش في الامتحان يجعل الصالح كالطالح، والعالم كالجاهل، والأبرار كالفجار، وهذه جرائم تذهب بالأمم إلى وهاد التخلف، ومهاوى الردى، قال جل جلاله: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) (الزمر: 9).
والامتحانات أمانة، والغش خيانة، قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ (النساء: 58)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) (الأنفال: 27).
وفي الصحيح عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من غشنا فليس منا» (رواه مسلم، وابن حبان، وغيرهما).
فالغشاش أياً كان موقعه قد خالف دين الإسلام مخالفة خطيرة، واقترف واحداً من أعظم الآثام، ومثله في الإثم كل من عاون على الغش بأي طريقة، وبأي وسيلة؛ لأن الغش ينتج جاهلاً في ثوب عالم، وقد روت أسماء رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور» (متفق عليه).
فالغش والإعانة عليه تزوير وكذب وظلم، وهذه من أمهات الكبائر، ومن قبائح المحرمات.