كثير من الأمهات فقدن أمومتهن بعد ارتقاء جميع أطفالهن، وأخريات فقدن أزواجهن، وكثيرات فقدن كافة أفراد عائلتهن وبيوتهن، واستقر بهن الحال في خيمة ممزقة أثلجت دموع الثكلى على نار قلوبهن.
قد يكون من الصعب مواساتهن، فإعلان وقف طبول الحرب أشعل حرباً جديدة في صدورهن؛ فكانت خطواتهن متثاقلة جداً، فقد خرجن من غزة إلى جنوبها بصحبة أزواجهن وأبنائهن، واليوم عُدن وحدهن لا تقوى أقدامهن على حمل أجسادهن المثقلة بالوجع.
ماذا استفدن؟!
سيراود الكثير منهن سؤال: توقفت الحرب، لكن ماذا استفدنا بعد أن فقدنا أزواجنا وأطفالنا وبيوتنا؟! السؤال عظيم، لكن الإجابة أعظم، دماء الشهداء الطاهرة كانت سداً منيعاً لثغور غزة، فكل شهيد لم يكن مجرد رقم، بل هو أعظم من ذلك، فهو بقدرة الله تعالى أفشل مؤامرات أخذ الاحتلال وأعوانه سنوات للإعداد لها أراد من خلالها في النقطة الأولى تصفية المقاومة، بل تصفية قطاع غزة بأكمله، من خلال أسلحته الفتاكة، وحرب التجويع، وحرب النزوح والتهجير، لإبادة غزة جميعها عبر «خطة الجنرالات»، ونقطة الانطلاقة كانت من خاصرة فلسطين ورأس الحربة غزة، لينطلق في الخطوة التالية ما تبقى من فلسطين.
الثمن غال
ندرك أن الثمن لم يكن عادياً، فهو تجاوز الأموال، والبيوت والمؤسسات والمستشفيات كذلك، فقد دفع فوق ذلك دماء طاهرة ذكية.
كل أم شهيد، وزوجة شهيد، وابنة شهيد، وجدة شهيد وكذلك الجرحى، والأسرى.. أنتن السد المنيع لثغور غزة، بل فلسطين، بل أكثر من ذلك، فقد حملتن لواء الجهاد في سبيل الله تعالى نصرة للإسلام العظيم والمسلمين، الثمن غال جداً لكن الإسلام أغلى بكثير.
الصبر والتضحية
هذا الصبر العظيم سيكون عاقبته خيراً، فهذا الصبر غيَّر معادلات القوة في العالم، هو لم يبهر العدو ويرغمه على وقف إطلاق النار، بل أبهر العالم كذلك وجعل كل المؤامرات التي حيكت تفشل فشلاً ذريعاً باعتراف الاحتلال ذاته.
أدركت الآن كم أنت عظيمة؟! أنت بصبرك واحتسابك نصرتِ غزة.
الله تعالى أخبرنا حقيقة الأمر في كتابه الكريم: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ {156} أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة).
فعاقبة الخير التي بشركِ الله تعالى بها عظيمة جداً، فصبر جميل.