نوع من الدراما العربية استهوى نسبة ضعيفة من المشاهدين العرب وخاصة في ثمانينيات القرن الماضي، وهي ما يسمى بالدراما الدينية والتاريخية، ثم ضعف إنتاج تلك النوعيات من الدراما التي فشلت في استقطاب أي من المشاهدين الجدد، حتى دخل الإنتاج التركي ساحة المنافسة ليصنع ما يشبه المعجزة الفنية، ويسجل أعلى نسبة مشاهدات عالمية في المسلسل التاريخي الشهير «قيامة أرطغرل»، ثم تلاه إنتاج عدة مسلسلات أخرى مثل «المؤسس عثمان»، مؤسس الدولة العثمانية ورحلة نشأتها وذكر المؤامرات التي تحداها وقضى عليها في سبيل تكوين تلك الإمبراطورية العظمى.
ومنها كذلك «بربروس: سيف البحر المتوسط»، الذي يروي حياة القائد البحري العثماني خير الدين بربروس، الذي أنقذ حياة آلاف المسلمين في الحروب البحرية ضد الصليبيين، ثم «نهضة السلاجقة» الذي يحكي قصة حياة الملك السلجوقي جلال الدولة ملك شاه بن ألب أرسلان مع ابنه أحمد سنجر، والأحداث والحروب التي جرت خلال حقبته، وغير هذا من المسلسلات التي نجحت في جذب مشاهدين غير مسلمين على مستوى العالم، لتسجل مشاهدات مبهرة.
وبالرغم من قوة هذه الدراما، فإن الأخطاء التاريخية فيها كانت عظيمة، ربما لم يلاحظها المشاهد العادي، وتلك هي الإشكالية، لكنها تصل لأخطاء قد تكون مضللة بالرغم من الجهد الذي بُذل فيها، والإنفاق الكبير عليها.
الأعمال التاريخية المتعلقة بعصر الصحابة
إن الأعمال الفنية التي تطرح فترة فجر الإسلام وقعت في أخطاء تاريخية كارثية، منها ما يتعلق باختيار الشخصيات التي تعبر عن الصحابة، فلم تلتزم بوصفهم المعتمد تاريخياً مثل شخصية علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مسلسل «عمر».
كذلك ما يتعلق باللغة العربية التي أقل ما يقال عنها: إنها ركيكة ولا تلتزم بقواعد اللغة، فضلاً عن مخارج حروف المؤدين الرديئة بشكل كبير؛ ما أساء بالأعمال المقدمة وصرف عنها جانباً كبيراً من المتابعين.
يقول الناقد الفني محمد توفيق: إن الأعمال التاريخية في الثمانينيات كانت تمر بالمراجعة التاريخية من خلال لجنة كبيرة، ومع ذلك كانت هناك أخطاء كبيرة، مثل مسلسل «الأيام» عن سيرة طه حسين، في مشهد دخل على محمد لطفي السيد في الجريدة التي تأسست عام 1907م فيقول له: إن الإمام محمد عبده توفي، في حين أن وفاته عام 1905م، فهذا يعتبر خطأ كبيراً(1).
ومن المشهور والمعتاد في الدراما الدينية والتاريخية إظهار صورة كفار قريش بصورة غريبة، فعلى سبيل المثال، تم تصور هيئة «أبو لهب» بصورة عبثية هي أقرب لصورة الشيطان، قال الشيخ أحمد ممدوح(2): إن أبو لهب كان شديد الجمال، ووجهه كان شديد البريق والوسامة، حتى أطلقوا عليه في الجاهلية هذا الاسم، وكانت كنيته أبو لهب.
ويدخل في إطار الأخطاء التاريخية بالمسلسلات الدينية ما يظهر عادة من اختلاط لا يمت للإسلام بصلة بين الصحابة والصحابيات، أيضاً إظهار حجاب المرأة المسلمة بشكل مزرٍ وذلك في مجتمع المدينة؛ أي بعد نزول آيات الحجاب، كذلك مسألة الاختلاط غير المبرر والأحاديث المتبادلة وكأن المجتمع الإسلامي في عهد النبوة كان مجتمعاً منفتحاً بين الرجال والنساء؛ «كانت المرأة من نساء المؤمنين قبل نزول آية الحجاب تتبرز للحاجة فيتعرض لها بعض الفجار يظن أنها أمة، فتصيح به فيذهب، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ونزلت الآية بسبب ذلك(3).
الأخطاء لتاريخية في المسلسل الإيراني «يوسف الصديق»
بالرغم من الرواج الكبير الذي لاقاه مسلسل «يوسف الصديق» بين المشاهدين، فإنه لاقى رفضاً كبيراً بين المتخصصين في التاريخ الإسلامي والفرعوني معاً، وذلك بسبب الأخطاء التاريخية الفجة في أحداثه، ويبدو للمشاهد منذ الحلقة الأولى للعمل الدرامي الذي تكلف الكثير في إنتاجه، أن العاملين عليه كان يهمهم الحبكة الدرامية أكثر من نقل الحدث الحقيقي، والمدقق في التاريخ سوف يدرك كم الإسرائيليات واعتمادها كمرجع لأحداث المسلسل، وقد رفضها المفسرون بشكل قاطع، ويرصد موقع «الراصد العربي» بعض تلك المغالطات:
بدأ المسلسل أخطاءه التاريخية بظهور يوسف في عصر إخناتون (أمنحتب الرابع)، وذلك على خلاف الحقائق التاريخية، فمعظم المؤرخين يجمعون على أن سيدنا يوسف ظهر في عصر الهكسوس (وبهذا قال الشيخ محمد متولي الشعراوي في تفسيره لسورة «يوسف»)، الذين حكموا مصر لما يقرب من 108 أعوام، وكوّنوا الأسر الخامسة عشرة والسادسة عشرة والسابعة عشرة؛ أي منذ بداية عام 1730 ق.م.
وعن ذلك يقول د. جمال عبدالهادي(4): إن المسلسل وقع في أخطاء تاريخية لا تحصى، ويأتي على رأسها أنه نسب عصر نبي الله يوسف إلى عصر أمنحتب، بينما الحقيقة التاريخية تؤكد أنه ظهر في عصر الهكسوس؛ أي بداية من 1730 ق.م، بينما كان عصر أمنحتب الرابع بين عامي 1370 و1349 ق.م؛ أي بفارق زمنى يقرب من 400 عام.
وبرهن د. عبدالهادي على ذلك بأن الملك الذي ظهر في عهده يوسف اتبع ملة يوسف، وأطلق يد يوسف في شؤون الحكم وولاه رئاسة وزارته، لكن أثبتت الآثار لعصر أمنحتب أن إخناتون كان يعبد الشمس، وأنه وحّد الآلهة الفرعونية في إله واحد وأطلق عليه «آتون»، ورمز إليه بقرص الشمس، وأطلق على نفسه إخناتون؛ أي «المخلص لآتون» بالهيروغليفية.
وبالطبع تلك أخطاء تاريخية قد تهدم العمل ككل، ولا مبرر لها، والعودة لمراجعين متخصصين تاريخياً ليس بالأمر الصعب.
ويضيف د. عبدالهادي أن من الدلائل على ظهور يوسف في عهد الهكسوس أن ملوكهم كانوا يطلقون على أنفسهم لفظ «الملك»، وهذا ما أثبته القرآن لفظاً ونصاً، بينما كان الفراعنة يطلقون على ملوكهم «الفرعون».
وتصديقاً لكلام د. عبدالهادي، فقد وردت الآيات في كتاب الله عن فترة وجود يوسف عليه السلام متمثلة في قوله تعالى: (وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّيٓ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖۖ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِي فِي رُءۡيَٰيَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡيَا تَعۡبُرُونَ) (يوسف: 43).
وهذا ليس هو الخطأ التاريخي الوحيد في المسلسل، بل هناك أخطاء عديدة تتعلق بالتاريخ وأيضاً بالعقيدة، فمن الأخطاء التاريخية الأخرى اعتماد اسم زوجة العزيز بأنها «زليخة»، وهذا الإسلام ليس له أصل في الكتاب أو السُّنة.
يقول د. أحمد عبدالحميد(5): ليس هناك مرجع تاريخي ذكر اسم زوجة العزيز التي راودت يوسف إلا بعض الروايات الإسرائيلية التي أجمع على تكذيبها المؤرخون والمفسرون(6).
ويضيف قائلاً: إن المسلسل أظهر زوجة العزيز على أنها عابدة في أول الأمر للأصنام، ثم اتبعت دين يوسف فيما بعد، ولكن الحقائق التاريخية تؤكد أنها اتبعت عقيدة يوسف منذ أول الأمر، وأنه استطاع عليه السلام أن يؤثر في الجميع بعقيدته خاصة من نشأ بينهم، ودلل على ذلك بالنصوص القرآنية التي أكدت أن زوجة العزيز كانت تعلم ديانة التوحيد، وأنها استغفرت ربها الواحد وتابت إليه، وليس أنها أسلمت مع يوسف بعد أن تقدم بها السن وفقدت بصرها كما ادعى مؤلف المسلسل(7).
ومن الأخطاء الفجة في هذا المسلسل، قصة سجن النسوة اللاتي قطعن أيديهن، يقول د. جمال عبدالهادي عن هذا الحدث: لا ندري من أين أتى المؤلف بسجن النساء، فإن الثابت أنهن اعترفن بخطئهن وذلك لرد حق يوسف وإظهار الحقيقة أمام المجتمع والطبقة الحاكمة، ولكن لم يتم حبسهن أو معاقبتهن كما صورت أحداث المسلسل.
كذلك زواج يوسف عليه السلام، فلم يأت مصدر شرعي يثبت زواجه من عدمه، فضلاً عن إنجابه.
وهناك الكثير من الأخطاء التاريخية الأخرى، غير أنها قد تمر باعتبار أهمية الحبكة الدرامية بالرغم من خطورة ذلك الأمر، إلا أن الأشد خطورة هو الوجهة الشيعية للمسلسل والتلاعب بمسألة ولاية الفقيه من خلال الحوار المكتوب، ويمثله أكثر من مشهد في أحداث المسلسل.
كان ذلك نموذجاً واحداً من الأخطاء الكبيرة في عمل واحد، فما بالنا لو استعرضنا بقية الأعمال الدينية والتاريخية، وما يمكن أن تتركه من آثار غير مرغوبة لدى المتابعين خاصة الشباب منهم، ولنا هنا أن نتساءل: لماذا هذا الصمت من المؤسسات الدينية كمؤسسة الأزهر، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، حول تشخيص شخصية نبي وهو يوسف عليه السلام، وعلى تلك الأخطاء التي يجب ألا تُمرر؟!
__________________________
(1) في لقاء متلفز للناقد الفني محمد توفيق على قناة «تن» في برنامج «60 سنة دراما».
(2) مدير إدارة الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء.
(3) قال بهذا المعني الحسن وغيره، انتهى من تفسير القرطبي (14/ 243).
(4) أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعتي الأزهر وأم القرى.
(5) أستاذ التاريخ الإسلامي والمشرف على موقع التاريخ الإلكتروني.
(6) الراصد العربي.
(7) المرجع السابق.