تعاني بعض الأقليات الإسلامية في العديد من دول العالم من الاضطهاد الذي يصل إلى الإبادة في بعض المناطق، في حين تعيش أقليات أخرى في حرية دينية ساعدتهم في التعريف بسماحة الإسلام ودعوته للتعايش السلمي مع غير المسلمين.
«المجتمع» تطرح عدداً من القضايا حول أوضاع المسلمين في دول أمريكا اللاتينية على د. عبدالحميد متولي، رئيس المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية بأمريكا اللاتينية والكاريبي، رئيس المركز العالمي للتسامح والسلام في البرازيل.
في البداية، نود التعرف على مفهوم الأقلية باعتباركم أحد قيادات الأقلية المسلمة في القارة اللاتينية.
– من حيث التعريف اللغوي، فإنها مشتقة من القلة عكس الكثرة، والأقلية جمعها الأقليات، وهم الذين يقل عددهم عن غيرهم، وعادة ما يجمع أبناء الأقلية وحدة في الدين أو اللغة أو العرق أو اللون أو أي رابطة أخرى توحدهم وتميزهم عن غيرهم، وعادة ما تكون آمالهم وآلامهم واحدة أو متقاربة، وهم أقرب لبعضهم من غيرهم، ولهذا تكون علاقاتهم ببعضهم أوثق من حيث العلاقات الاجتماعية والدينية والسياسية والاقتصادية، ورغم الحماية القانونية والدولية لحقوق الأقليات، فإن كثيراً منها تتعرض لانتهاكات لحقوقهم سواء المدنية أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية، وتتنوع هذه الانتهاكات ما بين التمييز والعنصرية والإقصاء.
تيار «الإسلاموفوبيا» ضعيف والوجود الإسلامي حاضر بقوة
أما الأقليات المسلمة فهم جماعة المسلمين الذين يعيشون رعايا في دولة ما، ويمثلون أقلية عددية مقارنة بأكثرية من سكان الدولة من غير المسلمين أياً كانت عقيدتهم سماوية أو وضعية أو حتى غير متدينين.
كيف ترى الواقع بالنسبة للأقليات المسلمة في العالم؟
– من الخطأ التعميم بالسلب أو الإيجاب، فهناك بعض الدول تمارس ضدهم حرب إبادة، ودول أخرى تضيق عليهم في إقامة شعائر دينهم، ودول ثالثة لا تعترف بهويتهم الدينية والثقافية، ودول رابعة لا تعترف بهم أصلاً وتمارس ضدهم كل أشكال الاضطهاد، والغريب أن بعض هذه الدول موقعة على الاتفاقيات الدولية التي تحمي الأقليات، وغالباً ما تعاني هذه الدول من اضطرابات وقلاقل، حيث يقاوم أبناء الأقليات ما يقع عليهم من ظلم وتهميش من أبناء الأغلبية المتجبرة، وعلى الجانب الآخر نجد دولاً أخرى تحترم حقوق الأقليات المسلمة من خلال ثقافة السلام والتسامح، وتضمين هذه الحقوق في قوانينها ودساتيرها.
ماذا عن واقع الأقلية الإسلامية في هذه المنطقة؟
– من المعلوم أنها من قارات العالم الجديد، وبالتالي فإن الوجود الإسلامي فيها ليس قديماً كما هي الحال في قارات العالم القديم آسيا وأفريقيا وأوروبا، ورغم وجود آثار للمسلمين الأوائل في البرازيل، حيث استجلب الاستعمار الأوروبي بعد اكتشافه القارة اللاتينية عدداً كبيراً من الأفارقة للعمل كعبيد بالسخرة في تعمير البلاد الجديدة، وكان بينهم عدد كبير من المسلمين الذين تم تنصيرهم بالقوة، ولكن ظل كثير منهم يكتم إسلامه، وتركوا آثاراً تدل عليهم، وذلك في قرية بهية التي بها حتى الآن كنيسة بداخلها آيات قرآنية لأنها كانت مسجداً قديماً.
أول مبعوث دعوي كان وراء إنشاء أول مسجد في البرازيل
وقد عادت موجة الوجود الإسلامي من جديد من خلال هجرة بعض العرب وخاصة أبناء الشام الذين استوطنوا ونجحوا في أعمالهم، وكوَّنوا أقليات انتشرت في مختلف دول القارة اللاتينية ومنطقة الكاريبي منذ قرابة مائتي عام، وأكبر أقلية مسلمة موجودة بالبرازيل، وتم إنشاء المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية بأمريكا اللاتينية والكاريبي ليجمع العاملين بالدعوة الإسلامية هناك، والحمد لله يتم تقديم الدعوة للمسلمين وغير المسلمين بـ5 لغات، هي: العربية، والبرتغالية، والإسبانية، والإنجليزية، والفرنسية، فضلاً عن بعض اللغات المحلية التي يجيدها كل داعية موجود في الدولة التي يعيش فيها.
والحمد لله، الوجود الإسلامي يسير بخطى ثابتة، بفضل جهود الدعاة من جانب، وضعف تيار «الإسلاموفوبيا» مقارنة بالقارة الأوروبية مثلاً؛ لأنه لا يوجد ميراث عدائي تاريخي بين أبناء شعوب القارة والإسلام، ولهذا فإنها أرض خصبة لانتشار الإسلام، ولكنْ مطلوب من الدول والمؤسسات العربية والإسلامية بذل مزيد من الجهد لتكون النتيجة أفضل وأسرع.
بصفتكم رئيساً للمركز العالمي للتسامح والسلام في البرازيل، كيف يتم تقديم صورة الإسلام؟
– ينص الدستور البرازيلي على الحرية الدينية لمختلف أبناء الديانات، وهذه الحرية التي تحميها الدولة يزداد انتشار الإسلام يوماً بعد يوم، ولعل هذا ما ساعد أول مبعوث دعوي مصري إلى البرازيل وهو د. عبدالله عبدالشكور، رحمه الله، الذي أسس رسمياً أول مسجد في أمريكا اللاتينية بالبرازيل، وكذلك تم تأسيس أول مدرسة ومقبرة إسلامية برازيلية، والحمد لله الآن توجد مراكز ومساجد ومدارس إسلامية ليس في البرازيل فقط، بل في كل دول القارة.
وقام د. حلمي نصر بتدريس اللغة العربية بجامعة أوسبي البرازيلية، وأسس قسم اللغة العربية بها، وترجم معاني القرآن إلى اللغة البرتغالية، وهناك أنشطة مشتركة مع المؤسسات المسيحية المتسامحة في العمل الخيري وخدمة البيئة وغيرها، ويتم خلال هذه اللقاءات التعريف بالإسلام الداعي إلي التسامح والسلام عملياً وقولياً، انطلاقاً من وقول الله تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل: 125).
ما ردكم على المزاعم القائلة بإجبار غير المسلمين على اعتناق الإسلام؟
– الفيصل في هذا النصوص الشرعية التي تحمي الأقلية من غير المسلمين في البلاد الإسلامية، قال الله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة: 256)، بل إن الله أمرنا أن نبر ونتعاون في الخير من المسالمين من غير المسلمين فقال تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة: 8)، ولعل التطبيق العملي كان على يد الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال وثيقة أو صحيفة المدينة، وهي أول دستور مدني يجسد المواطنة الحقيقية في الإسلام، وتضمنت حقوق وواجبات سكان المدينة المنورة من المسلمين وغير المسلمين وخاصة اليهود.
يتم تقديم الدعوة للمسلمين وغير المسلمين بخمس لغات
ماذا تقول لمن يصف الإسلام بأنه دين يرفض الآخر؟
– نقول لهؤلاء: انظروا إلى اسم ديننا الإسلام، فهو مأخوذ من السلام الذي هو غاية كل إنسان عاقل، بل إن السلام من أسماء الله الحسنى، وورد لفظ السلام بصيغ مختلفة في 140 موضعاً، منها 112 موضعاً بصيغة الاسم، وكذلك ورد في 28 موضعاً بصيغة الفعل، كما ورد لفظ السلام في القرآن الكريم على 7 معان، هي: اسم من أسماء الله، الإسلام، التحية المعروفة، السلامة من الشر، الثناء الحسن، الخير، نقاء الشيء من كل شائبة.
ونقول لمن يصف ديننا بالدموية والوحشية: لا تنظروا إلى ما يقوم به الجهلاء المتطرفون الذين يرفضهم الدين وهو من تصرفاتهم بريء، فالإسلام هو الحجة عليهم، وليسوا هم الحجة على الدين، ونطالبهم بالرجوع إلى النصوص الشرعية في القرآن الكريم والسُّنة النبوية، بل يتأملون أخلاق الحرب في الإسلام مقارنة بما يحدث من مجازر بشرية في الحروب المعاصرة.