يفرح المؤمنون بنصر الله، فترتفع الأصوات بالتكبير؛ تعبيراً عن السعادة الحقيقية بالتأييد الإلهي للمجاهدين في سبيل الله، وقد تعددت الأدلة التي تؤكد جواز ذلك، بل استحبابه، من خلال أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، ومن أمثلة ذلك ما يأتي:
1- تكبير النبي عند مقتل أبي جهل في «بدر»:
كبّر النبي صلى الله عليه وسلم حين علم بمقتل أبي جهل في غزوة «بدر»، فقد روى أحمد في مسنده عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ «بَدْرٍ»، فَقُلْتُ: قَتَلْتُ أَبَا جَهْلٍ، قَالَ: «آللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ؟»، قَالَ: قُلْتُ: آللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فَرَدَّدَهَا ثَلَاثًا، ثم قَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ، وَحْدَهُ، انْطَلِقْ فَأَرِنِيهِ»، فَانْطَلَقْنَا، فَإِذَا بِهِ، فَقَالَ: «هَذَا فِرْعَوْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ».
2- تكبير النبي عند الانتصار في «خيبر»:
أعلن النبي صلى الله عليه وسلم انتصاره في غزوة «خيبر»، فرفع صوته بالتكبير؛ تعبيراً عن الفرح والسرور، فقد روى البخاري، ومسلم، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا «خَيْبَرَ»، قال: فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلَاةَ الْغَدَاةِ، فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ، وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ، فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ، وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ حَسَرَ الْإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ، حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ، فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ».
3- تكبير النبي فرحاً بانتصار أصحابه على وساوس الشيطان:
روى أبو داود في سننه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَحَدَنَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ يُعَرِّضُ بِالشَّيْءِ، لَأَنْ يَكُونَ حُمَمَةً أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ؛ أي ما نُحِبُّ أنْ نَتَكَلَّمَ بِه، فَقَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي رَدَّ كَيْدَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ»؛ ومعنى الحديث أن بعض الصحابة كانوا يجدون في أنفسهم بعض الوساوس من الشيطان، فلا يحبون أن يتحدثوا بها، لأن إيمانهم يمنعهم من ذلك، ففرح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وكبَّر.
4- تكبير النبي عندما بُشِّر بولادة أم سليم لعبدالله بن أبي طلحة:
روى أحمد في مسنده عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أن أمَّه أم سليم حين ولدت غلاماً، حَمَلتْه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَدَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ، قَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ مَا وَلَدَتْ؟»، قُلْتُ: غُلَامًا، قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ»، فَقَالَ: «هَاتِهِ إِلَيَّ»، فَدَفَعْتُهُ إِلَيْهِ، فَحَنَّكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
5- تكبير الصحابة حين بشرهم النبي بالجنة:
روى البخاري عَنْ عَبْدِاللَّهِ بن مسعود قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ»، فَكَبَّرْنَا، فَقَالَ: «أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ»، فَكَبَّرْنَا، فَقَالَ: «أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ»، فَكَبَّرْنَا.
6- استقبال النبي في المدينة عند الهجرة بالتكبير:
روى أحمد في مسنده عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ في حديث الهجرة قال أبو بكر الصديق: وَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَتَلَقَّاهُ النَّاسُ، فَخَرَجُوا فِي الطَّرِيقِ، وَعَلَى الْأَجَاجِيرِ، فَاشْتَدَّ الْخَدَمُ وَالصِّبْيَانُ فِي الطَّرِيقِ يَقُولُونَ: اللهُ أَكْبَرُ، جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَاءَ مُحَمَّدٌ.
7- تكبير حرام بن ملحان عندما طُعِن، فقال: فُزْتُ ورب الكعبة:
روى البخاري في صحيحه عن أنس قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم أقواماً مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ إلى بني عامر في سبعين، فلما قدموا: قال لهم خالي (حرام بن ملحان): أتقدمكم، فإن أمنوني حتى أبلغهم عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإلا كنتم مني قريباً، فتقدم فأمنوه، فبينما يحدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ أومؤوا إلى رجل منهم فطعنه فأنفذه، فَلَمَّا وَجَدَ الرُّمْحَ فِي جَوْفِهِ قَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ».
8- تكبير صحابي حين علم أن في الدين سعة:
روى مسلم في صحيحه وأبو داود في سننه، واللفظ له، عَنْ غُضَيْفِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَرَأَيْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ أَوْ فِي آخِرِهِ؟ قَالَتْ: «رُبَّمَا اغْتَسَلَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَرُبَّمَا اغْتَسَلَ فِي آخِرِهِ»، قُلْتُ: اللَّهُ أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الْأَمْرِ سَعَةً، قُلْتُ: أَرَأَيْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ أَوَّلَ اللَّيْلِ أَمْ فِي آخِرِهِ؟ قَالَتْ: «رُبَّمَا أَوْتَرَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ وَرُبَّمَا أَوْتَرَ فِي آخِرِهِ»، قُلْتُ: اللَّهُ أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الْأَمْرِ سَعَةً، قُلْتُ: أَرَأَيْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ بِالْقُرْآنِ أَمْ يَخْفُتُ بِهِ؟ قَالَتْ: «رُبَّمَا جَهَرَ بِهِ وَرُبَّمَا خَفَتَ»، قُلْتُ اللَّهُ أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الْأَمْرِ سَعَةً.
9- تكبير عثمان بن عفان حين حوصر، فشهد له المسلمون أن النبي بشَّره بالشهادة:
روى الترمذي والنسائي، وصححه الألباني، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ حَزْنٍ الْقُشَيْرِيِّ، قَالَ: شَهِدْتُ الدَّارَ (يعني دار عثمان بن عفان حين حاصرها القوم) حيث أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ وَالْإِسْلَامِ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى ثَبِيرٍ مَكَّةَ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأَنَا، فَتَحَرَّكَ الْجَبَلُ، فَرَكَضَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِجْلِهِ، وَقَالَ: «اسْكُنْ ثَبِيرُ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ»، قَالُوا: اللهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، شَهِدُوا لِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، يَعْنِي: أَنِّي شَهِيدٌ.