أستاذي الفاضل د. يحيى، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا سيدة متزوجة والحمد لله، وعلاقاتنا الزوجية طيبة، وقد رزقنا الله تعالى بولدين؛ أحدهما 10 سنوات، والآخر 3 سنوات، نبذل أنا ووالدهما قصارى جهودنا لتربيتهما، الولد الأكبر سبب تعاستنا، فرغم ذكائه ونبوغه، فإن مشكلتنا معه أنه لا ينفذ أي أمر إلا إن كان على هواه، كسول دائم النقاش والجدل، رغم أننا نوفر له كل ما يحتاجه، وطلباته لا تنتهي؛ ما يجعلني في صراخ دائم حتى ينهي واجباته.
أيضاً ما يزيد مشكلتنا معه أنه دائم الحركة، لا يمكن أن يستقر على مكتبه أكثر من 10 دقائق، أثناء كلامي معه لا يلقي أي اهتمام، نظره لا يستقر على شيء، يفقد تركيزه بسرعة لأنه دائماً ما تعبث يده بشيء ما، والده رغم حبه الشديد له وكرمه المبالغ فيه معه، ومهما كان مجهداً، فإنه حريص على أن يذهب به للنادي أو حلقات تحفيظ القرآن، ولكنه أيضاً كثيراً ما يثور عليه ويشتمه؛ ما يجعله يتأثر سلباً جداً، وكثيراً ما يردد: «أنتم لا تحبونني وتتعمدون مضايقتي»! فشلت كل محاولاتنا معه.. فهل من نصيحة؟
النصيحة
إن من المظاهر الأسرية التي تؤلمني أن يستشعر أحد الوالدين تعاسة في تربية أولاده، كما ورد من الرسالة، فهل حقاً ممكن أن ننعم بتربية أولادنا؟! وهنا يجب التفريق بين تحديات التربية والمشقة التي يعانيها الوالدان في تربية أولادهما، وأن تؤثر مشقة التربية وتحدياتها على سعادتي بأولادي.
الحذر من عناصر التدمير النفسي للطفل.. الانفعال والصراخ والتأنيب واللوم والتهديد والشتم والازدراء
بداية، وقبل عرض نصيحتي، واضح أن الولد يعاني من «اضطراب نقص الانتباه مع فرط الحركة» (ADHD)؛ ما يتطلب مزيجاً من الأساليب العلاجية والسلوكية لدعم الطفل ومساعدته على التكيف مع التحديات اليومية؛ لذا يجب سرعة عرضه على طبيب متخصص؛ لأنه قد يكون محتاجاً لعلاج دوائي، بالإضافة إلى جلسات تعديل سلوك، وإليك بعض الأفكار لتحسين التركيز، والتقليل من السلوكيات المفرطة، وتعزيز المهارات الاجتماعية والتعليمية لطفلك، لكنها لا تغني عن سرعة عرضه على الطبيب المختص:
– من المهم بمكان توليد الدوافع والقناعات لدى طفلك بما يجب عليه أن يؤديه من مهام، وما يجب عليه الامتناع عنه، وربط العوائد منها إيجاباً أو سلباً عليه أولاً، ثم سعادتكم بحسن أدائه، أو حزنكم لسوء أدائه لأنكم تحبونه.
– حبكم له غير مشروط بأدائه، فحسن معاملته من احترام وتقدير وتقبيل وأحضان غير مرتبط بأدائه، بل يجب إظهار التألم عند معاقبته والحزن لخطئه لأنكم تحبونه.
– الحذر من عناصر التدمير النفسي للطفل، وهي: الانفعال والصراخ، التأنيب واللوم، التهديد، الشتم، الازدراء.
– هناك فرق بين الموقف التربوي الذي يجب أن يحرص فيه المربي على هدوئه وتفهمه لنفسية الولد ودوافع خطئه.
حتى يكون رد فعله مناسباً، وأن يرسخ قيمة تربوية لدى الولد، مهما كان حجم ونوعية الخطأ الذي ارتكبه، وفي المقابل تنفيس وإفراغ الغضب نتيجة خطأ الولد:
أولاً: إعداد البيئة المنزلية:
1- إنشاء جدول يومي: مشاركة الطفل في تصميم جدول ثابت يتضمن أداء الصلاة والأذكار (أذكار الاستيقاظ من النوم، الطعام، دورة المياه، قبل البدء في الدراسة أو أي نشاط) وقتاً للنوم، الدراسة، اللعب، والراحة.. مع توليد القناعات للالتزام بالجدول، ووضع الجدول في مكان واضح ومزود برسومات لتسهيل الفهم.
2- تنظيم المساحة: تخصيص مكان هادئ ومنظم للدراسة خالٍ من المشتتات مثل التلفاز أو الألعاب.
3- التشجيع على الروتين: تعليم الطفل وتدريبه وبيان قيمة أهمية الالتزام بالمهام اليومية، مما يساعده على بناء ثقته بنفسه وقدرته على الإنجاز والشعور بالاستقرار.
ثانياً: الإستراتيجيات السلوكية:
1- التعزيز الإيجابي: إعداد «لوحة المكافآت» لتشجيع السلوكيات الإيجابية، مثلاً: مكافآت بسيطة (ملصقات، وقت إضافي للعب)، والإشادة به أمام الأهل عند بإنجازاته.
2- التعامل مع السلوك السلبي: أسأليه أن يقيِّم سلوكه الخاطئ وباستخدام الوصف الإيجابي وليس السلبي، ولا تنعتي ذاته بصفة الخطأ: هل ترى أن حجرتك نظيفة؟ هل ترى أنك بذلت الجهد المناسب لإتقان واجبك؟ وأذكره بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه»، ألا تريد أن يحبك الله؟ ولا تقولي: أنت قذر، أنت مهمل.
مع استخدام التحذيرات الهادئة والعواقب المناسبة، مثل تقليل وقت اللعب، وتجنب العقوبات القاسية، ومن المهم توليد القناعات الإيجابية بما يجب عليه أن يفعله والقناعات السلبية بما يجب عليه أن يمتنع عنه.
تسجيل الطفل في نشاط رياضي منتظم مثل الألعاب القتالية والجماعية لتصريف طاقته الزائدة
وكذلك أن يشارك في برنامج العاقبة؛ بحيث يجني ثمار عاقبة ما فعل، فإن كان متوافقاً مع ما تم الاتفاق عليه فيجازى معنوياً وبعض الأوقات مادياً، ولكن يجب عدم تعويده على انتظار الجزاء؛ لأن الله تعالى هو الذي يطلع عليه ويجازيه، وهذا تدريب على الإخلاص.
ومن ثم تقسيم المهام؛ حيث تجزئة المهام الكبيرة إلى خطوات صغيرة وواضحة لزيادة التركيز وتقليل الإحباط.
ثالثاً: الأنشطة البدنية والاجتماعية:
1- ممارسة الرياضة:
– تسجيل الطفل في نشاط رياضي منتظم خاصة الألعاب التي فيها تحدٍّ شخصي، مثل الألعاب القتالية، والجماعية، لتصريف طاقته الزائدة.
– كما أنه من المهم تقسيم فترة الدراسة إلى مرحلتين أو ثلاث، وعمل فترة راحة من الدراسة كل ساعة نحو 10 دقائق، وشغل وقت الطفل بألعاب أو مهام حركية.
2- تعزيز المهارات الاجتماعية:
– إن مشاركة الولد في مسؤوليات المنزل، سواء في الترتيب أو الطبخ أو التخطيط للعطلة الصيفية، وكذلك أوقات المرح العائلي، وزيارة الأهل والأصدقاء، ومسابقات الذكاء والألعاب المشتركة؛ تعزز ثقة الطفل بنفسه وبوالديه وتساعد على تنفيس طاقاته بعوائد طيبة.
– ترتيب لقاءات لعب مع أقرانه؛ لتعزيز التفاعل الاجتماعي.
– تعليم الطفل مهارات حل المشكلات بطريقة مرحة؛ من خلال مسابقات الذكاء والألعاب المرحة مع العائلة.
رابعاً: الدعم النفسي والإسلامي:
1- تعزيز الثقة بالنفس:
– مدح الطفل بانتظام خاصة مع العائلة الكبيرة وتجنب النقد.
– تدريبه للتغلب على تحديات إنجاز مهامه خطوة بخطوة.
2- التربية الروحية:
– المشاركة في قراءة آيات القرآن الكريم.
– تشجيعه على أداء الصلوات بشكل منتظم وترغيبي.
3- الدعاء والتحفيز:
– الدعاء له بالصلاح، وأن يوفقكم الله لحسن تربيته والصبر والانضباط معه.
مشاركة الولد في مسؤوليات المنزل تعزِّز ثقته بنفسه وبوالديه وتساعد على تنفيس طاقاته بعوائد طيبة
خامساً: متابعة دورية وتقييم مستمر:
1- التقييم الأسبوعي:
– من المهم أن يشارك الطفل مراجعة وتقيم تقدمه أسبوعياً، مثل الالتزام بالجدول والسلوكيات الإيجابية.
– وكذلك مشاركته في كيفية علاج سلبيات سلوكه، نطلب منه النصيحة! كيف يمكننا مساعدته في علاج هذه السلبيات.
2- المرونة في التعديل:
– تعديل الخطة بناء على النتائج، مع إشراك الطفل في قرارات تحسين أدائه.
وبمشيئة الله تعالى، سنتناول في الحلقة القادمة بعض المفاهيم الأساسية التي تساعدني على أن أنعم بتربية أولادي:
أولاً: مفاهيم أساسية حول التربية: الإخلاص، التربية فرض، الهدف من التربية، مسؤوليتي في التربية، حسن الظن بالله، حسن الظن بالذات (الصورة الذهنية عن نفسي)، حسن الظن بالولد (الصورة الذهنية عن الولد)، العوائد من التربية.
ثانياً: ماهية التربية: تعريف التربية، عملية تراكمية، خصوصية التربية (لا يمكن الاستنساخ).
ثالثاً: مقومات التربية: الحب، الثقة، التعرف على شخصية ابني وفهمها.