طغت مسألة العلاقة بين حركة المقاومة الإسلامية «حماس» والسلطة الفلسطينية على سطح التطورات السياسية على الساحة الفلسطينية خلال الأسابيع الماضية، واستحوذت على اهتمام الأوساط السياسية ووسائل الإعلام المختلفة، وقد نشطت الآلة الإعلامية للسلطة الفلسطينية في ضخ كم هائل من الإشاعات والتسريبات حول وجود اتفاق تم التوصل إليه بين السلطة وقيادة «حماس» في غزة ينتظر التوقيع بعد أن توافق عليه قيادة الحركة خارج الأراضي المحتلة، كما أعلن رئيس السلطة ياسر عرفات أن حركة «حماس» ستشارك في انتخابات مجلس الحكم الذاتي، وصرح رموز السلطة بأن الحركة وافقت على وقف العمل العسكري ضد الاحتلال الإسرائيلي في سبيل التوصل لاتفاق مع السلطة، وأنها ستتحول إلى حزب سياسي خلال الفترة القادمة.
وللوقوف على حقيقة الأمر، والتأكد من مدى صحة هذه المعلومات التي تداولتها وسائل الإعلام بكثافة، وأثارت شكوك ومخاوف بعض الأوساط الإسلامية المتعاطفة مع حركة «حماس» التقت «المجتمع» مع الناطق الرسمي لحركة «حماس» م. إبراهيم غوشة، وحاورته حول آخر مستجدات العلاقة بين حماس، والسلطة، وحول حقيقة المعلومات التي تسربها مصادر السلطة الفلسطينية.
تضاربت الأنباء حول طبيعة الوفد الذي خرج من قطاع غزة، وقابل وفد حركة حماس في الخرطوم، فالسلطة تروج أن هذا الوفد يمثل حركة حماس في الداخل، في حين تنفي حركة حماس، ذلك، فهل لكم أن توضحوا لنا حقيقة الأمر؟
– لقد أوضحنا منذ البداية أن الوفد الذي خرج من قطاع غزة برئاسة خالد الهندي، وعضوية إسماعيل هنية، وعبد الله مهنا، وسعيد النمروطي، لا يمثل حركة حماس كما أنه لا يمثل السلطة الفلسطينية، وإنما هو وفد وساطة وهذا هو العنوان الذي اختاره الوفد لنفسه، وهذا لا ينفي أن هؤلاء الأخوة كانوا من كوادر حركة حماس سابقًا، ولذلك فعندما اقترحوا أن يخرجوا لمحاورة حركة حماس في الخارج وافقت السلطة، كما وافقت حركة حماس، في قطاع غزة، وفي الخارج، ومهمة الوفد انحصرت في محاولة فتح حوار بين السلطة الفلسطينية وحماس، على قاعدة المحافظة على الوحدة الوطنية ومنع أي احتكاك فلسطيني فلسطيني.
تروج السلطة الفلسطينية لوجود خلافات وانشقاقات داخل حركة حماس بين قيادة الداخل والخارج، وبين متشددين ومعتدلين، ما هو ردكم على ذلك؟
– موضوع الداخل والخارج تثيره السلطة الفلسطينية لدق أسفين، وإيجاد شرخ في صفوف الحركة، والسلطة تعلم أن الداخل والخارج شيء واحد، ونسيج واحد، وجسد واحد، وحركة حماس تمتاز بوحدة البنية الفكرية والعقائدية والسياسية، وهذه تمنعها من الانشقاقات التي تعرضت لها الفصائل الفلسطينية الأخرى، خاصة وأن جميع عناصر حماس لهم مطلق الحرية في التعبير عن آرائهم داخل أطر الحركة، وبعد ذلك تؤخذ القرارات وفقا للصيغة الشورية، فيلتزم بها الجميع حتى لو خالفت رأي البعض، وقد حدث ذلك في أحلك الظروف وأصعب المنعطفات.
لا يوجد اتفاق أو مسودة اتفاق مع السلطة وافقت عليها «حماس»
ولذلك فنحن نقول: إن هذه الأسطوانة التي تعزف عليها السلطة الفلسطينية، وتحاول أن تكرسها لدى الرأي العام الفلسطيني هي أبعد ما تكون عن الواقع، ونحن نؤكد أن جميع قيادات وكوادر حركة حماس هم صقور ومتشددون في مواجهة الاحتلال الصهيوني، وهم في الوقت نفسه معتدلون وعقلانيون في مواجهة الأخطار التي تمس وحدة الشعب الفلسطيني أو تؤدي إلى أي صراع داخل البيت الفلسطيني.
تتحدث السلطة عن وجود مسودة اتفاق بينها وبين حماس سيتم التوقيع عليه قريبًا، ما مدى صحة ذلك؟
– إذا جرى حوار بين حركة حماس، والسلطة فسيكون حوارًا سياسيًا شاملًا يغطي كافة القضايا التي تهم الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، وستكون أجندة هذا اللقاء مفتوحة لكل البنود التي يراها أي طرف.
ومعلوم أن الحركة «حماس» برنامجًا محددًا عموده الفقري مقاومة الاحتلال الصهيوني والسلطة الفلسطينية لها برنامج محدد أيضا عموده الفقري التسوية السلمية بمضمون اتفاق أوسلو، وهذان البرنامجان سيطرحان على طاولة الحوار، وستسعى حماس إلى أن تصل مع السلطة الفلسطينية إلى قواسم مشتركة تحافظ على الوحدة الوطنية وتمنع أن تصبح الساحة الفلسطينية ميداناً للصراع الداخلي، وهذه الرغبة لا يمكن أن تنجح ما لم تقابلها رغبة أخرى من جانب السلطة.
أما بالنسبة لقصة وجود اتفاقات فنحن نؤكد بأنه لا يوجد أي اتفاق أو مسودة اتفاق وافقت عليها حركة حماس، صحيح أن السلطة الفلسطينية عرضت من جانبها بعض المسودات؛ ولكن الحركة رفضتها، وتحاول السلطة خلق بلبلة عبر الزعم بوجود مسودات اتفاق وافقت عليها حماس، وتنتظر التوقيع، وهذا كلام غير صحيح.
ولكن السلطة تزعم أن مشاريع الاتفاقات هذه عرضت على الشيخ أحمد ياسين، وأنه وافق عليها؟
– موقف الشيخ أحمد ياسين الثابت والقوي والذي رفض أن يتم الإفراج عنه مقابل أي شرط معروف ومعلوم للجميع، فكيف يروج هؤلاء الذين يزورونه بموافقة سلطات الاحتلال الإسرائيلية أنه يوافق على وقف أعمال المقاومة ضد الاحتلال؟
«حماس» لم ترضخ لقوات الاحتلال الصهيوني الأقوى من سلطة عرفات وشرطته.
خاصة وأن هؤلاء الذين يزورونه هم من أعضاء الكنيست أو من أعضاء فتح وهم ينفذون بالضبط ما تريده سلطة عرفات ويأتمرون بأمرها، ولم يسمع أحد أي تصريح مباشر من الشيخ أحمد ياسين حتى يتم الحكم على هذه التصريحات.
هناك إشارات إلى أن حركة حماس، قد تتخلى عن الخيار الجهادي من أجل التوصل إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية، ورموز السلطة يقولون: إنه لا مجال للتوصل لاتفاق مع حماس دون أن تتعهد بوقف العمل العسكري، فهل أنتم مستعدون لتقديم ذلك؟
– هذه المسألة من أكثر المسائل حساسية من بين القضايا التي تتناولها السلطة وتضخمها في الإعلام، وهو بالضبط ما نقله مسؤول فلسطيني هو عبد الرزاق اليحيى إلى حركة حماس، في الخارج في شهر إبريل نيسان الماضي، وكان رد الحركة واضحا وقاطعاً بأن مقاومة الاحتلال الصهيوني هي أمر استراتيجي لا يمكن أن تتراجع الحركة عنه، وهو الموقف نفسه الذي تتمسك به حماس الآن، وبسببه دخل الآلاف من عناصرها السجون، وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين.
فهل انتهى الاحتلال للأراضي الفلسطينية حتى يطرح عرفات أننا عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر؟ أم أن الاحتلال يزداد توسعًا وتعمقًا، والمستوطنات تنتشر في كل مكان والقبضة الصهيونية تحكم نفسها على مدينة القدس، وعلى معظم الأراضي الفلسطينية.
إننا في حركة المقاومة الإسلامية حماس نعلن ونؤكد أن البرنامج الجهادي لا تراجع عنه، وأن الحوار عندما يبدأ في الخرطوم أو غيرها ستباشره حماس في ظل هذا البرنامج.
بعض رموز السلطة يشيعون أن موافقة حماس على الحوار مع السلطة جاءت نتيجة ضعف الحركة بعد الضربات التي تلقتها من السلطة من اعتقالات وملاحقات، فما هو تعقيبكم على ذلك وهل هذا الأمر صحيح؟
– الحوار بدأته حركة حماس منذ عدة سنوات، فقد تحاورنا مع منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح عدة مرات في عمان، والخرطوم، وتونس، وصنعاء، وباب الحوار مفتوح دائمًا، والأمر المهم هو أن تساؤل الحركة هل تراجعت عن برنامجها أو عن استراتيجياتها؟
نحن مستعدون لبدء هذا الحوار ومن الآن نقول للسلطة: إنه لا ينبغي أن تكون على عجالة من أمرها، لأن الحوار مع حركة بثقل وحجم «حماس» في الشعب الفلسطيني تستأهل تفريغ الوقت من السلطة لأن يتفهم كل طرف مواقف الطرف الآخر، وأن يحاول إيجاد القواسم المشتركة إن أمكن ذلك.
لا تراجع عن البرنامج الجهادي لحركة «حماس»
إن حركة حماس حركة شعبية إسلامية جذورها عميقة، وهو بالضبط ما صرح به قبل أيام سكرتير حزب العمل الإسرائيلي في مقابلة تليفزيونية، حيث ذكر أن حماس ليست عشرة أشخاص يقومون بعمليات، وإنما لها جذور عميقة، وعلى السلطة أن تفهم هذا الأمر جيدا، وأن تتعامل مع الحركة على أساسه، فالكل يعرف أن حماس تخوض منذ ثماني سنوات معركة جهادية سياسية انتفاضية شعبية، وأنها استطاعت أن تجدد قياداتها سبع مرات في ظل اعتقالات وظروف بالغة الصعوبة، ولها الآن في السجون الإسرائيلية أكثر من 4000 معتقل، وقدمت أكثر من 800 شهيد، إضافة إلى آلاف الجرحى، ومع ذلك فهذه الحركة لم ترضخ لقوات الاحتلال الصهيوني التي تفوق سلطة عرفات وشرطته قوة، ولا ينبغي أن تسيء السلطة الفلسطينية، فهم صبر حركة حماس، وشبابها على مواجهة القمع، والظلم، والاعتقال والتعذيب الذي تقوم به السلطة.
إننا نقول للسلطة: إن عليها أن تستخلص العبر الصحيحة وليس الخادعة، وحركة حماس، تمتد جذورها في فلسطين، وفي خارج فلسطين. وموافقتها على الحوار لا يمكن أن توصف بأنها إشارة على الضعف، وإنما هي دليل على حرص الحركة على وحدة الشعب الفلسطيني.
يجري الحديث عن تشكيل حزب سياسي لحركة حماس، ويربط البعض بين تشكيل هذا الحزب وبين المشاركة في انتخابات مجلس الحكم الذاتي، وهناك من يقول إن حركة حماس ستتحول إلى حزب سياسي، فما هي حقيقة الأمر؟
– حركة «حماس» لن تتحول إلى حزب سياسي، بمعنى أن تتحول بكليتها إلى حزب، ونحن نعلم جيدًا حرص وترحيب الدوائر الصهيونية والأمريكية ومن يدور في فلكها بذلك، حيث إن أمنية المني أن يتم احتواء حركة حماس، سياسيا وطي راية المقاومة والجهاد والانخراط في اتفاقيات أوسلو.
والحقيقة أن حركة حماس، بحثت وناقشت إفراز حزب سياسي منذ أكثر من ثلاث سنوات، وليس سراً أن هذه الفكرة نوقشت مع المبعدين في عام ١٩٩٢م، وقد وافقت المؤسسات الشورية للحركة منذ عدة شهور على تشكيل حزب سياسي لا يكون بديلاً عن حركة حماس، ولا يتناقض مع برنامجها السياسي، ومع منطلقاتها الاستراتيجية، وترك للحركة اختيار التوقيت المناسب للإعلان عن هذا الحزب، وكما أن حركة حماس وافقت على تشكيل حزب سياسي لمبررات معينة، فإن مؤسساتها الشورية قررت أيضًا عدم المشاركة في انتخابات مجلس الحكم الذاتي المرتبط بسقف اتفاق أوسلو الذي ترفضه الحركة، وتعتبر الانتخابات إحدى آلياته، فهي ليست انتخابات تشريعية مفتوحة وشاملة للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج كما تطالب الحركة، وإنما مرتبطة بمشاريع التسوية(1).
_________________
(1) نُشر في العدد (1532)، 7 جمادى الآخرة 1416هـ/ 31 أكتوبر 1995م.