يواجه التعليم في مخيمات النزوح تحدياً جسيماً وصعباً، في البلدان والمناطق التي تعاني ويلات الحرب أو الكوارث الطبيعية، مثل غزة وسورية واليمن والسودان ولبنان، خاصة بعد أن تضررت فيها البنى التعليمية بشكل كبير.
ويغيب التلاميذ قسراً عن العملية التعليمية، في كافة المراحل الدراسية؛ جراء عدم توافر أسباب العودة إلى التعليم النظامي، وتحول المدارس إلى دور إيواء، واستشهاد الكثير من الطلاب والمعلمين، إضافة إلى انقطاع الكهرباء، وخدمات الإنترنت، وغيره.
إزاء هذا الواقع الصعب، تفرض قضية إعادة النازحين إلى المقاعد الدراسية نفسها على مائدة النقاش، في ظل الحاجة الماسة والملحة إلى جهد دولي وتكافل مجتمعي يوقف حالة الحرمان من التعليم، ويؤمّن الحد الأدنى من تلقي العلوم المختلفة، بما يضمن إنقاذ الأجيال الجديدة من خطر الأمية والجهل.
هناك تجارب على أرض الواقع، تحاول التعامل بمرونة وتحد مع هذا الوضع، منها الخيام التعليمية للأطفال في قطاع غزة، وتوفير دروس تعويضية للأطفال في القراءة والكتابة والرياضيات، بعد تضرر أكثر من 90% من مدارس القطاع بفعل القصف المستمر، بحسب وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
ومن الأنظمة المعمول بها، إتاحة نظام التعليم عن بُعد، في لبنان -على سبيل المثال- إبان الحرب مع العدو «الإسرائيلي»، أو تنفيذ برامج مجانية للتعليم المسرع بدعم من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف).
ويعتمد «التعليم المسرع» على سلسلة من المناهج الدراسية التي يحتاجها الأطفال لاجتيازها قبل إجراء تقييم أهليتهم للعودة إلى التعليم الرسمي، وتشمل إكساب الطلاب مهارات القراءة والكتابة والحساب الأساسية.
وفي سورية، كان غياب الكتاب المدرسي تحدياً كبيراً نال من العملية التعليمية، لولا مبادرة أطلقتها منذ سنوات، مؤسسة «قطر الخيرية»، كان لها الدور البارز في خلق بيئة مناسبة لتشجيع عودة الأطفال إلى المدارس، خاصة في الشمال السوري، من خلال طباعة أكثر من 9 ملايين كتاب مدرسي غطت جميع المواد الأساسية لكافة مراحل التعليم الأساسي، واستفاد منها أكثر من مليون طالب وطالبة.
بينما تؤدي مصر دوراً كبيراً في محاولة توفير حق التعليم لأبناء اللاجئين السودانيين، من خلال مدارس بديلة، ومراكز تعليمية مدعومة من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وعقد امتحانات شهادة الأساس والمتوسطة والثانوية السودانية بالمدارس المصرية.
وهناك تجربة رائدة تنفذها منظمة «غراس الخير» (مقرها إسطنبول)، التي تقدم برامج لكفالة المدرسين في مناطق النزوح، حيث يتم توفير رواتب شهرية للمدرسين وتزويدهم بالأدوات التعليمية اللازمة، كما تعمل المنظمة على تطوير البيئة التعليمية للنازحين.
في هذا الإطار، تنصح مديرة المعهد الدولي للتخطيط التربوي التابع لـ«يونسكو» كارين موندي، بضرورة إعداد خطط للأزمات والاستجابة لها والتعافي منها، وتأهيل المعلمين للقيام بالتدريس في الظروف الصعبة كالنزوح وغيره، ودعم النظم التعليمية في الأزمات.
مناهج نوعية
تقول دراسة حديثة بعنوان «الاحتياجات التعليمية للطلاب اللاجئين في المؤسسات التعليمية في مصر»: إن التعليم يحفظ للاجئين حياتهم، ويعطيهم الحق في المستقبل، ويجعلهم مواطنين صالحين في البلد المضيف، وغداً في البلد الأم، كما يجعلهم عناصر فعالة في السلام وبناء المجتمعات وليسوا أدوات للحروب؛ ما يعزز مستقبلاً الوقاية من الصراع المسلح، وتعزيز الانتقال إلى مرحلة ما بعد الصراع، وإعادة البناء بنجاح.
وتخصص «يونيسف» ما يُعرف بـ«منهاج أزمات» لأبناء النازحين واللاجئين، وهو منهج دراسي، يقدم محتوى مختصراً، يقتصر على 4 مواد فقط هي اللغة العربية والرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية.
يقول خبراء التربية: إن هذه المناهج يجب أن تعزز الاندماج عبر توفير الدعم الاجتماعي واللغوي والثقافي، وتعزيز التفاعل بين النازحين واللاجئين والمجتمع المضيف، مع مراعاة الاختلافات الثقافية والاجتماعية، والعمل على زيادة التكيف مع الأوضاع الجديدة، بل وتحسين الفرص المتاحة للتعلم والعمل والاندماج.
لكن احتياجات مجتمعات النازحين واللاجئين، خاصة في مناطق عانت من القمع (سورية نموذجاً)، أو الإبادة (غزة نموذجاً)، تتطلب محتويات دراسية نوعية، واعية وناضجة، تعالج من ناحية فقدان الأمان النفسي لدى النازحين، وتوفر من ناحية الإشباع المعرفي إزاء تساؤلات حول ما يكابدونه من معاناة، قد تطول آثارها لعقود.
يبدو الأمر ملحاً في ظل الحاجة إلى صياغة مناهج تعليمية مخصصة لطلاب تلك المناطق والبلدان، تتوافر فيها جرعات تعزز الانتماء والهوية الوطنية، والاعتزاز بالأرض والمقدسات، وتعلي من شأن قيم الصبر والكفاح، وتحصن النشء من الإحباط واليأس، وترسخ معاني الشجاعة والبطولة لدى الأجيال الجديدة.
إن الاستثمار في أطفال تلك البلدان، بعد انتهاء الحروب، يتطلب وعياً حقيقياً بأبعاد معاناتهم، واحتياجاتهم، وأهدافهم، وكيف يسعون إلى بناء وطن جديد، وآليات الحفاظ على مكتسبات الثورة أو النصر، مع الاعتزاز بما قدموه من تضحيات، وما سيقدمون عليه من بناء وتخطيط وإدارة وجهد لصناعة المستقبل.
هذه المناهج تتطلب بشكل حتمي وقف تزييف التاريخ، وحذف المغالطات التاريخية، ووقف تشويه المقاومة، وإعادة الاعتبار لتاريخ المسلمين الأوائل، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وغرس حب «الأقصى» في نفوس الطلاب، واطلاعهم على واجباتهم إزاء الوطن، وتعليمهم حقيقة الصراع مع العدو الصهيوني، وترسيخ المقاومة كخيار إستراتيجي لتحرير فلسطين.
يجب أيضاً تزويد تلك المناهج بمضامين تعزز روح الشورى والحرية والديمقراطية، وقبول الرأي الآخر، ورفض الظلم والإقصاء والاستبداد والطائفية والعنصرية، وغيرها من مثالب رسختها الأنظمة الديكتاتورية، وحكومات الاحتلال، والمنظمات الغربية الداعمة لأفكار وقيم تخالف مبادئ الإسلام.