كتبت غزة فصلاً جديداً من فصول المجد في سجل المقاومة الفلسطينية مع بدايات عام 2025م، حيث تمكنت من تحقيق انتصار تاريخي آخر على الاحتلال الصهيوني، موجهة ضربة قاصمة لجيشه الذي طالما اعتبر نفسه الأقوى في المنطقة، متمترساً خلف عتاده العسكري المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية.
وجاءت هذه المواجهة في سياق تصعيد عسكري حاول فيه الاحتلال فرض معادلات جديدة، إلا أن المقاومة باغتته بإستراتيجية محكمة جمعت بين التكتيك العسكري المتقدم، والإرادة الشعبية الصلبة.
واندحار العدو الصهيوني لم يكن مجرد هزيمة ميدانية، بل كان انهياراً لمنظومته السياسية والعسكرية، حيث شهدت «إسرائيل» موجة استقالات جماعية في صفوف قادتها العسكريين، على رأسهم رئيس الأركان، وتهديد بعض وزراء حكومة بنيامين نتنياهو بالاستقالة، الذين واجهوا انتقادات داخلية واسعة واتهامات بالتقصير والفشل في مواجهة تصاعد قوة المقاومة، هذه الهزيمة فتحت الباب أمام أزمات غير مسبوقة داخل الكيان الصهيوني، تمثلت في تصدع المجتمع «الإسرائيلي»، واحتجاجات داخلية تطالب بمحاسبة المسؤولين؛ ما جعل الاحتلال أمام مفترق طرق تاريخي.
اندحار العدو الصهيوني لم يكن مجرد هزيمة ميدانية وإنما انهيار لمنظومته السياسية والعسكرية
في المقابل، جسّدت المقاومة نموذجاً ملهماً للوحدة والالتفاف الشعبي حول خيار الكفاح المسلح، معتمدة على تقنيات متطورة وتحالفات إقليمية داعمة؛ ما أعطى قضيتها زخماً عالمياً جديداً، وكان هذا الانتصار شهادة على قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود رغم الحصار والعدوان، ورسالة واضحة أن الاحتلال مهما تمادى في ظلمه، فإن نهايته حتمية أمام إرادة الشعوب الساعية للحرية والكرامة.
وانتصار المقاومة الفلسطينية في غزة يمكن تفسيره من خلال مجموعة من العوامل العسكرية، والسياسية، والاجتماعية التي تضافرت لتشكيل نجاحها في مواجهة الاحتلال «الإسرائيلي»، ومن أبرز الأسباب التي ساهمت في هذا الانتصار:
1- التخطيط العسكري المتقن:
استطاعت المقاومة تطوير قدراتها الصاروخية بشكل كبير؛ ما سمح لها بإيصال رسائل قوية إلى عمق الاحتلال، وفرض معادلات ردع جديدة، كما أظهرت المقاومة إبداعاً في استخدام الأنفاق؛ ما مكّنها من التحرك بشكل خفي، وشن هجمات مباغتة، واستخدام تكتيكات غير تقليدية، تنوعت فيها أساليب المواجهة بين إطلاق الصواريخ، وعمليات القنص، والعبوات الناسفة، والهجمات البرية المحدودة؛ ما أربك خطط الاحتلال.
2- الوحدة الوطنية وتلاحم الشعب:
حظيت المقاومة بدعم واسع من الشعب الفلسطيني الذي وفّر لها غطاءً شعبياً ومساندة معنوية قوية، وفي أوقات التصعيد تلاشت الخلافات السياسية، وظهرت وحدة وطنية ميدانية بين مختلف الفصائل الفلسطينية.
3- الإبداع الإعلامي والدعائي:
استخدمت المقاومة وسائل الإعلام التقليدية والجديدة لإيصال رسائلها داخلياً وخارجياً؛ ما ساعد في فضح جرائم الاحتلال وتعزيز روايتها، وهذه الوسائل رفعت المعنويات، وقدمت رسائل إعلامية تعزز الصمود الشعبي؛ ما جعل الجمهور الفلسطيني يشعر بأنه شريك في المعركة.
المقاومة حظيت بدعم واسع من الشعب الفلسطيني الذي وفّر لها غطاء شعبياً ومساندة معنوية قوية
4- الدعم من القوى المساندة:
تلقت المقاومة دعماً تقنياً ومعنوياً من حلفائها في المنطقة في كل من اليمن، ولبنان، والعراق، وإيران؛ ما ساعدها في تطوير بنيتها التحتية العسكرية، كما تعاطفت الشعوب الحرة في الغرب مع الشعب الفلسطيني مما رأوه من أعمال إبادة جماعية عبر وسائل الإعلام؛ ما أثار موجات تعاطف واسعة مع القضية الفلسطينية، وأضعف موقف الاحتلال دبلوماسياً.
5- إخفاق الاحتلال في تحقيق أهدافه:
لقد فشلت «إسرائيل» في تقدير قوة المقاومة وتطورها العسكري؛ ما أدى إلى صدمة في صفوف القيادة العسكرية والسياسية «الإسرائيلية»، وبفضل التخطيط المتقن، تمكنت المقاومة من الحفاظ على زمام المبادرة وتحديد إيقاع المواجهة.
6- إدارة المعركة بشكل إستراتيجي:
نجحت الفصائل المختلفة في التنسيق فيما بينها وتوحيد الجهود العسكرية؛ ما عزز قوتها، واختارت المقاومة الوقت المناسب للتصعيد في أوقات مدروسة بدقة، مستغلة الأحداث الجارية داخلياً وخارجياً لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية.
7- الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني:
لقد أظهر الشعب الفلسطيني قدرة غير عادية على الصمود أمام الحصار والعدوان المستمر، وبرغم المعاناة الشديدة، فإن الشعب الفلسطيني ظل ملتفاً حول مقاومته؛ ما أعطاها شرعية وقوة إضافية.
مشاهد ملهمة للشعب الفلسطيني
على مدار أكثر من 471 يوماً من الحرب الأخيرة على الشعب الفلسطيني، تجلت مواقف ومشاهد إنسانية ملهمة تعكس صموده، وتضامنه، وقدرته على مواجهة التحديات رغم الظروف القاسية، ففي ظل القصف المستمر والتدمير الممنهج، أظهر الفلسطينيون إرادة لا تقهر، وبرزت بينهم قصص بطولية وإنسانية تلهم الأجيال، منها:
– الصمود أمام التحديات:
من أبرز المشاهد الملهمة تلك العائلات التي واجهت فقدان منازلها لكنها رفضت الاستسلام، فكانت الأحياء المدمرة شاهدة على عزيمتهم، والأطفال رغم الظروف القاسية، لم يتخلوا عن أحلامهم؛ فمشهد الطفل الفلسطيني الذي يحمل حقيبته المدرسية وسط الركام ليصل إلى مدرسته يعكس قوة الأمل والإصرار على الاستمرار في التعلم رغم كل شيء.
الشعب الفلسطيني أظهر قدرة غير عادية على الصمود أمام الحصار والعدوان وظل ملتفاً حول مقاومته
– التضامن الاجتماعي:
في المجتمعات المحلية، برزت قيم التكافل بشكل استثنائي، ففي ظل النزوح الواسع، فتحت العائلات أبوابها لاستقبال النازحين، وشارك الجميع مواردهم المحدودة لإغاثة المتضررين، وفي المخيمات المؤقتة، كانت المبادرات الشعبية لتنظيم الأنشطة للأطفال، ومساعدتهم على التغلب على الصدمة النفسية مثالاً رائعاً للتضامن.
– الجهود الطبية والإنسانية:
الطاقم الطبي الفلسطيني كان في طليعة المشهد الإنساني الملهم، فرغم نقص الموارد والخطر المستمر، عمل الأطباء والممرضون على مدار الساعة لإنقاذ الأرواح، فمشهد الطبيب الذي يحتضن طفلاً نُقل من تحت الأنقاض، أو آخر يستمر في علاج المرضى رغم إصابته الشخصية يلخص روح التضحية والإيثار التي يتمتع بها الفلسطينيون.
– التشبث بالحياة:
رغم الألم والمعاناة، أظهر الفلسطينيون قدرة استثنائية على التشبث بالحياة، في حفلات الزفاف التي أقيمت وسط الركام، وفي الأغاني التي تغنى بها الأطفال في الملاجئ، كان الفلسطينيون يرسلون رسالة للعالم بأن الحياة لا تتوقف حتى في أشد اللحظات قتامة.
– المقاومة الثقافية:
وعبر الفن والكلمة، أظهر الفلسطينيون إبداعهم في توثيق معاناتهم ومقاومتهم، من خلال رسومات الأطفال على الجدران التي تصور أحلامهم بوطن آمن، والأغاني الشعبية التي تُردد في التجمعات، كلها تعكس إصرارهم على الحفاظ على هويتهم وتراثهم.
– الدعم والتضامن الشعبي العالمي:
لم تقتصر المشاهد الملهمة على الداخل الفلسطيني فقط، بل امتدت إلى المجتمع الدولي، من خلال مشاهد المظاهرات التضامنية حول العالم، وجمع التبرعات لإغاثة غزة، كل ذلك أكد أن القضية الفلسطينية ليست مجرد نزاع محلي، بل قضية إنسانية عالمية توحد الشعوب.
وبعد مرور أكثر من 15 شهراً على الحرب، يبقى الشعب الفلسطيني نموذجاً للثبات والصمود، تلك المشاهد والمواقف الإنسانية الملهمة ليست مجرد قصص عابرة، بل دليل حي على قوة الإرادة الإنسانية في مواجهة الظلم، إنها رسالة للعالم بأسره بأن الأمل، والحب، والتضامن يمكنهم أن يزهروا حتى في أقسى الظروف.