الفشل والهزيمة والخضوع كلمات ومفردات كثُرت في أدبيات وسائل الإعلام العبرية طيلة الأيام الماضية، تعليقاً على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة «حماس» والكيان الصهيوني.
فما من محلل سياسي أو معلق عسكري أو أعضاء كنيست إلا ورددوا كلمة «فشل وهزيمة» الجيش «الإسرائيلي» أمام إرادة «حماس» في غزة، حتى إن مقاطع الفيديو التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي التي أظهرت فرحة الشعب الفلسطيني داخل القطاع بالاتفاق، ومن بينها الالتفاف حول سيارات «الجيب» البيضاء التابعة لـ«كتائب القسام»، كانت العنوان الرئيس وصور غلاف وعناوين جُل وسائل الإعلام الصهيونية طيلة الساعات القليلة الماضية.
رايات «القسام»
مشهد سيارات «الجيب» التابعة لـ«حماس» قبل وأثناء تسليم الأسيرات «الإسرائيليات» الثلاث، والرايات الخضراء على رؤوس عناصر «القسام»، اعترف حاييم يلين، عضو الكنيست السابق عن حزب «يش عتيد» (يوجد مستقبل)، أنه بمثابة حدث جلل لم يستطع استيعابه، حتى أطفأ التلفزيون، مؤكدًا أن هذه الصور والمشاهد المتكررة في القنوات العبرية أعادت إلى ذهنه لقطات فيديو السابع من أكتوبر (طوفان الأقصى).
وهي المشاهد التي اعتبرها دورون قادوش، المراسل العسكري لـ«إذاعة الجيش الإسرائيلي»، تأكيداً لمدى نجاح «حماس» في إعادة الانتشار في جميع أنحاء القطاع، وبأن الحركة الفلسطينية لم تفقد في أي لحظة من زمن الحرب سيطرتها أو إحكام قبضتها على أي جزء من القطاع (باستثناء المناطق التي تم إخلاؤها بالكامل).
فيما رأت الإذاعة نفسها في أكثر من موضع، أن «حماس» تحاول تعزيز وإحكام قبضتها على غزة، رغم مرور عام وثلاثة أشهر كاملة، فضلاً عن اعترافها بأن الكيان الصهيوني لم ينجح بعد في تفكيك حكم «حماس» في غزة، أو حتى إيجاد بديل حكومي له؛ تلك الرؤية التي دفعت بالقناة 14 العبرية، إلى المطالبة بإسقاط قنبلة على غزة، لمجرد مشاهدة الكيان لسيارات «الجيب» البيضاء، وبأنه رغم مرور 15 شهرًا كاملة على الحرب، فإن «حماس» استعدت لهذا اليوم بخروج تلك السيارات للاحتفال بوقف إطلاق النار وانتصارها على الجيش «الإسرائيلي»، قائلة: إنه الفشل العسكري، ذاك الفشل الذي وصفته القناة العبرية نفسها، ساخرة بأن قائد سلاح الجو «الإسرائيلي» الجنرال تومير بار يهاجم الصفيح، ساخرة من مقاطع فيديو «القسام» بسياراتهم البيضاء!
مقاطع فيديو «مرعبة»!
المقاطع نفسها وصفها شيم بار أور، الإعلامي «الإسرائيلي»، بـ«صور رعب» تكشف للكيان صورة واضحة وحقيقية، ممثلة في أنه لم يتم المساس بسيادة الحركة الفلسطينية في غزة بأي شكل من الأشكال، لكونها تحكم قبضتها بيد حازمة، مفندًا الأهداف التي وضعها بنيامين نتنياهو، بأنه لم يحقق أياً منها، خاصة وأنه شدد على أن أولئك الذين حكوا لنا بأننا على بُعد خطوة واحدة من تحقيق النصر المطلق يجب عليهم القيام ببحث عميق مع النفس، لقد فشلنا أمام «حماس».
واتفقت «هيئة البث الإسرائيلية» مع ما سبق من أن الصور القادمة من غزة لا تترك مجالاً للشك بأن «إسرائيل» فشلت في خلق بديل حكومي لـ«حماس»، وأجبرتها على استقبال 600 شاحنة مساعدات، يومياً؛ وهي الرؤية التي لفت الأنظار إليها المعلق العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت» يوسي يهوشواع، من أنه رغم الضربات الخاطفة التي وجهها الجيش، فإنه يفترض تحقيق نتيجة أفضل بكثير أمام «حماس» بعد 15 شهرًا كاملة على الحرب، معترفًا بأن الكيان الصهيوني أصبح أمام طريق مسدود عسكرياً.
هل تحقق الشرق الأوسط الجديد؟!
وهو الطريق التي اعتبرته «هيئة البث الإسرائيلية»، في إحدى مواضعها أن «حماس» تبعث برسالة مهمة مفادها مدى التزامها بجميع مراحل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حتى النهاية، طالما أن «إسرائيل» ليست هي التي تنتهكه، هذه رسالة مهمة للغاية، ليشير إلى أن الطريق بات مسدودًا أمام نتنياهو، فلا هو نجح في تدمير «حماس»، أو استعاد الأسرى والرهائن بالعمليات العسكرية، أو عدم تشكيل غزة أي تهديد لـ«تل أبيب»، إذ لم يحقق أياً من هذه الأهداف سواء للكيان أو لمخططات الصهيونية العالمية، التي أرادت القضاء على المقاومة الفلسطينية في غزة، وتشكيل شرق أوسط جديد.
الغريب أن هذه الرؤية قد أوضحها ميخائيل شيمش، الكاتب بـ«هيئة البث الإسرائيلية»، حينما وصف الشعور السائد في بلاده يتمثل في أن شعب «إسرائيل» قد سدد دينًا ضخمًا، وهو شعور بالحزن الشديد؛ ذاك الشعور الذي اعتبرته القناة العبرية «كان» أو «هيئة البث» شعوراً سيستمر طويلاً نتيجة لإحكام «حماس» قبضتها بيد من حديد على أهالي قطاع غزة، معتبرة أن حكومة نتنياهو باعت لنا الأكاذيب بشأن خطوة واحدة من النصر الكامل، وفشلوا في الإطاحة بنظام «حماس» واستبداله.
المقاومة فكرة.. والفكرة لا تموت
والثابت أن استبدال حكم «حماس» في غزة لا يمكن تطبيقه؛ لأن «المقاومة فكرة.. والفكرة لا تموت»، حيث رأت «القناة 12» العبرية أن الكيان أو الصهيونية العالمية لم تقدم بديلاً آخر لـ«حماس»؛ ما يعني بقاء الحركة، وما تم توقيعه من اتفاق لوقف إطلاق النار إلا صفقة سيئة للغاية، وربما تكون بدائلها أسوأ، مشيرة إلى أنه من الصحيح أننا لم نفز ولكننا لم نهزم أيضاً.
تلك الهزيمة التي اعتبر أريئيل كاهانا، الكاتب بصحيفة «يسرائيل هايوم» أن تداعياتها خطيرة، قائلاً: من الظواهر الواضحة خلال إتمام الصفقة مع «حماس»، صمت الصحفيين اليمينيين، إنهم يملؤون أفواههم بالماء، لا شك أنهم يفهمون جيداً تداعيات اتفاق الهزيمة أمام «حماس».
وتعليقًا على هذه التداعيات، اعتبر الكاتب الصهيوني غاي باخور أن نتائج الحرب وتداعياتها تبدت في ظهور عناصر «القسام» في كافة أنحاء القطاع، واستقبالهم كأبطال، إنه اليوم التالي للحرب على غزة.
التهجير الجبري
لم تحقق الصهيونية العالمية أياً من الأهداف التي وضعتها مع بداية الحرب على غزة، بل تعاظمت فكرة المقاومة ومفهومها لدى المجتمع الدولي، وبات ملازمًا للشعب الفلسطيني، ليصير العلم الفلسطيني مرافقًا لمقاومة الاحتلال «الإسرائيلي» والصهيونية العالمية؛ فقد اعترفت كل وسائل الإعلام العبرية، بما فيها التابعة لسياسات نتنياهو، بأن «تل أبيب» رضخت لمطالب «حماس»، وفشل الجيش «الإسرائيلي» في تركيع الشعب الفلسطيني، فلا خرج من أرضه، ولا نجحت الصهيونية في تهجيره، جبرًا أو قسرًا.