فاجأني في بداية اللقاء بلوحة جميلة مكتوب عليها «كن متطوعاً»، تحمل إنجازات كل منهم كل على حسب اختياره وظروفه،
فمنهم من تطوع إلكترونياً على بعض المواقع بتخصيص جزء من وقته أو علمه أو نصحه، ومنهم في الجمعيات الخيرية وفي المساجد، ومنهم من جمع بعض أصدقائه وقاموا بحملة تنظيف حمامات مساجد الحي أو دروس للأطفال الصغار من الجيران وأهل الحي، ومنهم من تفقَّد الأيتام والكثير من الأعمال، وجزء منهم شعر بصعوبة العمل لكن مع لذة الإنجاز.
تلألأت اللوحة براقة بنشوة الانتصار على الذات، بالإضافة إلى مفكرات أهدافهم التي لا تفارقهم، حتى تحولت الطاقة السلبية إلى إيجابية ناجزة، ومن طاقة الكبت إلى طاقة التفعيل والتنوع والتنقل بين المنح والأخذ، امتلأت حياتنا – يا دكتورة – في ضوء طاعة الله والعمل له بسعادة غامرة وحماسة للمزيد، ولكن.. هل من الممكن أن يتحول الإنسان هكذا من الضعف إلى القوة، من السلب إلى الإيجاب، من الأنانية إلى العطاء بهذه السهولة؟ وأن بيد الإنسان منا أن يحوِّل حياته – بعد توفيق الله له – من يأس إلى أمل وهمة؟
قلت: نعم كل هذا لأن الله عز وجل جعل الأمانة التي حملها الإنسان في الاختيار، وكل تحت مشيئته، لكن فقط الطريق الذي تختاره هو مفتاح النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة إن شاء الله تعالى، وتتحول لسعادة يتذوقها معك ويتمتع بها الآخرون من حولك.
فإنه كما قال الشيخ سيد قطب يرحمه الله تعالى: «عندما نعيش لذواتنا فحسب تبدو الحياة قصيرةً ضئيلة تبدأ من حيث بدأنا نعي، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود.. أما عندما نعيش لفكرة فإن الحياة تبدو طويلة عميقة تبدأ من حيث بدأت الإنسانية وتمتد بعد مفارقتنا الحياة».
هذا الطعم هو النجـــــاح.. ثالث ركيزة في التوازن النفسي، مهما كبر الإنسان أو صغر فهو مطلب نفسي، ألم تجدوا الفرحة تعم وجه الطفل حينما يُثنى عليه بعد إنجازه للعمل بنجاح، فثناء الآخرين هذا عليه هو الدرجة التي يمنحها لنفسه على إنجازه.
الشريحــــة الأولــــــى دائرة والهـــــدف والمـعني
إن الإنسان حينما يخطط لأهدافه التي اختارها ووضعها ويبدأ خطوات الإنجاز فيها يشعر بلذة النجاح، فلابد ألا يتوقف عن الشكر لله تعالى وعن العطاء والأخذ في مناحي الحياة، ولكن قد يواجهكم بعض لصوص النجاح ومعوقاته، وكذلك هناك محفزات
فدعونا نجري ورشتين عمل لفريقين في معوقات النجاح، ومحفزات النجاح.
وكل مجموعة أو فريق يدوِّن لنا من خلال إنجازاته، ما واجهه وما تغلب عليه في ورشته ومما رآه.
قالت مجموعة وناقشت المعوقات ثم ردت عليها المجموعة الأخرى بهذه المحفزات.
الشريحة الثانية ورشتان
ونستطيع أيضاً أن نسميها لصوص النجاح وحراسها.
قالت فتاة: قد ينجح الشخص في البداية ثم يصيبه بعض من الفتور أو الإحباط لو فشل بعد ذلك!
ردت أخرى: لقد قرأت للدكتور إبراهيم الفقي يرحمه الله تعالى هذه العبارة: «السر لا يكمن في عدم السقوط، بل السر يكمن في النهوض كلما سقطنا من جديد».
قلت: بالفعل، النجاح ليس بعدم السقوط، ولكن بعدد النهوض، وأنتم تعرفون «أديسون»، مخترع المصباح الكهربائي، له 9999 محاولة لاكتشاف المصباح، التقى به أحد الصحفيين الألمان فسأله بسخرية بعد المحاولة رقم 5000: سيد «أديسون»، لماذا لا تعترف بأنك فشلت 5000 مرة حتى الآن، وأن اختراعك لن يرى النور أبداً؟ فأجابه «أديسون»: يا بني، أنا لم أفشل أبداً، ولكن للتو اكتشفت 5000 طريقة لا تؤدي إلى اختراعي المصباح الذي أريد!
فانظروا كيف حول الفشل إلى طرق للوصول للنجاح، ونظر للأمر من زاوية أخرى تماماً.
وأيضاً قال «أديسون» عندما سئل عن نجاحه: «كثير من حالات الفشل في الحياة كانت لأشخاص لم يدركوا كم كانوا قريبين من النجاح عندما أقدموا على الاستسلام».
فالنجاح له ثلاثية تنصهر مع بعضها بعضاً في بوتقة واحدة، ليكون النجاح مستمراً إن شاء الله، ألا وهي الهدف مع الإصرار مع الاستمرار؛ يحقق بتوفيق الله نجاحكم في الحياة
الشريحة الثالثة بوتقة النجاح
قال شاب: لقد قرأت هذه العبارة أيضاً: «إن الشيء الذي يبحث عنه الإنسان الفاضل موجود في أعماقه، أما الشيء الذي يبحث عنه الإنسان العادي فهو موجود عند الآخرين»، فهل يقصد التميز في الانفراد دائماً؟
هي تحمل معاني كثيرة بالفعل، فالإنسان العادي يتساوى مع الآخرين، أما المتميز لديه دائماً ما ينفرد به تبعاً لدينه وقيم مجتمعه، فمثلاً الانفراد بقصة شعر لا تناسب قيم مجتمعك ليس انفراداً، وارتداء بعض الملابس التي تشذ في شكلها كثيراً عن المجتمع الذي تعيشه في ظل مبادئه الإسلامية أو المحافِظة أو حتى في المجتمعات الغربية أيضاً ليس هذا يشكل انفراداً.
قال: ولكننا أحياناً نشعر مع بعض هذه الأشياء بنشوة الانفراد وسعادة اللحظة.
قلت: نعم، هي سعادة لحظية مثل العلاقات الوقتية بين الشاب والفتاة على غير منهجه الرباني، ليس لها هدف ولا تنبع من قيمة حقيقية تحسب لكم أو تضيف لرصيد مستقبلكم إلا التعطيل أو الندم أو الانحراف بالهدف الحقيقي، أو تشكلكم في قالب التبعية للأهواء التي تضعف من شخصيتكم في عدم السيطرة على نزواتكم، أو تقليد الآخرين.
لذا لا تجعل لصوص النجاح يضيعون عليكم أوقاتكم ويسرقون مستقبلكم، وذلك يحتاج – كما قلنا – في بوتقة النجاح إلى الإصرار والاستمرار، وكما قال المدرب «زيج»: «يفشل الناس أحياناً وليس ذلك بسبب نقص القدرات، ولكن بسبب نقص الالتزام»، عليك ألا تحيد عن أهدافك بسبب ضعفك وتأثير الآخرين عليك، ولا تكن جزءاً من أهدافك، كما قلنا سابقاً ويقال: «لا يقاس النجاح بالموقع الذي يتبوؤه المرء في حياته.. بقدر ما يقاس بالصعاب التي يتغلب عليها».
«إن الخصال التي تجعل المدير ناجحاً هي الجرأة على التفكير والجرأة على العمل والجرأة على توقع الفشل، ولا يصل الناس إلى حديقة النجاح دون أن يمروا بمحطات التعب والفشل واليأس، وصاحب الإرادة القوية لا يطيل الوقوف في هذه المحطات»!
فأنتم أصحاب إرادة قوية فولاذية مهما كانت المتاعب، فهو التحدي الأكبر على النفس وقوة التحكم في قرار كل منكم.
والآن سأطلب منكم عدة أمور:
– اختيار صورة معبرة عن مستقبلك الذي تتمناه، واكتب مسمى لك حسب أهدافك (العالم: محمد أحمد (مثلاً) – مصممة الأزياء:… الفقيه:…).
وهذه الصورة لها واقع محبب في نفسك حتى تربطه في ذهنك بشيء مفرح أو محبب.
– أعطِ نفسك درجة لكل إنجاز سابق أنت فاعله؛ حتى يكون لديك مقياس أو مؤشر لانخفاض وارتفاع مستوى حماسك أو نجاحك.
– كافئ نفسك من وقت لآخر حينما تتأكد أنك تقدمت خطوة وأنجزت فيها.
– هذِّبوا أنفسكم بسجدة شكر وركعتين لله ليزدكم الله تعالى، مع كل نجاح تشعرون به.
– انقل حماسك وحفز غيرك.
– دوِّن قصة كفاح أعجبتك وسبب نجاح صاحبها من وجهة نظرك بعد توفيق الله عز وجل.
– عبر عن الركائز الثلاث (الهدف – الإنجاز – النجاح) بشعارات من خلال شعوركم بها في تصميم كارت ينفع أن تهديه للآخرين.