الحديث في المدارس والمعاهد والجامعات عن الأخلاق وفلسفتها، بما في ذلك الأخلاق الإسلامية قد لا يعكس المطلوب بشكل حيوي مؤثر
الحديث في المدارس والمعاهد والجامعات عن الأخلاق وفلسفتها، بما في ذلك الأخلاق الإسلامية قد لا يعكس المطلوب بشكل حيوي مؤثر؛ لأن الإسلام ــ بوجه الخصوص ــ أرادها أخلاقاً عملية.. أخلاقاً واقعية.. ممارسات يومية في البيت والشارع، والسوق، والمؤسسة، والحياة العامة.. بين الأب وأبيه، والأخ وأخيه، والزوج وزوجته، والجار وجاره، والبائع والمشتري، والموظف والمواطن.. ممارسات تخترق العلاقات الاجتماعية وتعيد صياغتها بما يريده الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. الإسلام، من أجل أن ينفخ الحيوية في منظومة القيم الخلقية، ويمنحها طابع الالتزام، يجذرها في العقيدة والإيمان، ويبثّها في شرايين الشريعة، ويغرسها في سلوك المسلم النابض بالحياة.. مقاطع وآيات لا يكاد يحصيها عدّ في كتاب الله، ومعها حشد كبير من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.. تضاف إليهما خبرات الآباء والأجداد الغنية الخصبة في مجال الأخلاق وآداب السلوك، تشكل جميعاً ثروة ضخمة ومعطيات في غاية الخصب ما عرفتها أمة من الأمم بهذا الحجم والامتداد على مدار التاريخ. والذي يتابع هذه الظاهرة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يجد بوضوح يثير الدهشة كيف أنهما من خلال منظومة القيم الخلقية وضوابط السلوك، يسعيان لإنشاء حياة اجتماعية نظيفة، وضيئة، سعيدة، متوازنة، لا يعكرها شيء، ولا يخترقها سوء.. حياة تنبض بالمحبة والانسجام والتوافق والوئام بين الناس جميعاً: داخل البيت.. بين الجار وجاره.. في الزقاق.. في الحي.. في الطرق العامة.. في السوق.. في المدرسة.. في الدوائر والمؤسسات.. وفي منحنيات الحياة وتفاصيلها كافة. فلو أن المسلمين التزموا بمطالب الأخلاق الإسلامية، وقيم السلوك الإيماني، لعاشوا أجمل حياة وأسعدها على الإطلاق.. ولتذوّقوا شيئاً من نعيم الجنة في الأرض قبل انتقالهم إلى الآخرة لكي يتلقوا ثمرة عملهم هناك. لنتذكر بعض مقاطع سورة الحجرات: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ {6}){الحجرات}.. (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {10} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {11} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ {12}) (الحجرات). لا غيبة.. لا تنابز.. لا سخرية.. لا تجسّس.. لا ظنون.. لا حكم على الآخرين بالشبهة.. لا اقتتال بين أخوة الإيمان.. لا مصادرة للآخر أيا كان عرقه أو دينه.. ولنتذكر حشوداً من الآيات منبثة في شرايين القرآن ترفض النفاق، والرياء، والكذب، والغش، والتشهير، والسرقة، والخيانة، وهتك الأعراض.. وتستخدم أقصى صيغ الوعيد والتنديد، وتنذر بأشد أنواع العقاب لمن يتعاطى ممارسات السوء هذه.. وغيرها كثير.. وبالمقابل تتمركز في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قيم التوحد، والأمانة، والصدق، والعدل، والوفاء، والإخلاص، والمحبة، فتجعل من الحياة الاجتماعية حالة نموذجية ما عرفتها أمة من الأمم عبر تاريخ البشرية الطويل.. حالة تحدث عنها الفلاسفة وعلماء الأخلاق في جمهورياتهم المثالية، ومدنهم الفاضلة، ويوتوبياتهم الحالمة، ولكنها ظلت معلقة في سماء المثل والأحلام، ولم تعرف النزول إلى أرض الواقع لكي تعيد تشكيله كما تحلم وتريد. أما هنا في الخبرة الإسلامية فإنه التحقق المدهش على أرض الواقع؛ لأنه ليس أمانيَّ، ولا ترفاً؛ ولكنه جزء أساسي في البنية الدينية لهذه الأمة. وبمجرد أن نرجع إلى تراثنا الخصب في مجال الرقائق وآداب السلوك والخبرة الروحية فإننا سنجد أنفسنا أمام حالات لا يحصيها عدّ، استطاعت القيم الخلقية والسلوكية الإسلامية أن تنزل بها إلى قلب الحياة وأن تنشئ بيئات ومجتمعات بلغت القمة في أخلاقها وآدابها. ويأسف المرء، ويتملكه الحزن، وهو يعاين ما يجري في المجتمعات الإسلامية الآن.. زمن انكسارنا الحضاري فيجد نفسه أمام حالة معاكسة.. إبحار في الاتجاه المضاد في الكثير من مفردات حياتنا الأخلاقية والسلوكية..!! ويزداد غماً وكرباً وهو يجد الغربيين الذين مرقوا عن الدين يمارسون العديد من القيم الإيجابية ويتشبثون بها، بغض النظر عن دوافع الممارسة والتشبث.. وكلنا يذكر من بين العديد من القيم: الصدق في المواعيد.. الإخلاص في العمل.. البسمة الحانية على الوجوه.. الكلمة الطيبة المعلقة على الشفاه.. وإماطة الأذى عن طريق الناس.. أليست هذه وغيرها كثير، مما تلقيناه من تعاليم الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم؟ ألسنا الأجدر بها؟ فما الذي حدث لكي تنقلب الحالة على رأسها، ويكون هذا الذي نراه ونلمسه في حياتنا الاجتماعية صباحَ مساءَ.