في الأول من يوليو من كل عام يحتفل العالم بـ«اليوم العالمي لمحاربة تجارة الرقيق الأبيض»، حيث تستحوذ تلك القضية على اهتمام المنظمات الدولية
في الأول من يوليو من كل عام يحتفل العالم بـ«اليوم العالمي لمحاربة تجارة الرقيق الأبيض»، حيث تستحوذ تلك القضية على اهتمام المنظمات الدولية غير الحكومية والتابعة للأمم المتحدة، فيما لا تزال وسائل الإعلام تتعامل مع الظاهرة في شكل أخبار متفرقة من حين لآخر، ورغم الاهتمام الأمني بالظاهرة، إلا أنها لم تلق العناية الكافية إنسانياً واقتصادياً، لذلك لم تفلح الأجهزة الأمنية في مكافحتها، بل نجد كثيراً من الأجهزة الأمنية بما فيها الاستخبارات الأمريكية في البوسنة، والأمم المتحدة في كوسوفا، متورطة في تلك التجارة القذرة.
وتشير الإحصائيات إلى أن ما بين 200 ألف إلى 500 ألف امرأة وفتاة يعملن في سوق الدعارة بأوروبا، أغلبهن من دول البلطيق والبلقان وروسيا وأوكرانيا وروسيا البيضاء وأرمينيا وبولندا وتشيكيا وسلوفاكيا ورومانيا وبلغاريا وكرواتيا ومقدونيا وصربيا والبوسنة وألبانيا…
وتقول إحصائية صادرة عن وزارة الداخلية الأوكرانية إن حوالي 400 ألف امرأة وفتاة دون سن الثلاثين غادرن أوكرانيا خلال السنوات العشر الماضية عن طريق عصابات المافيا.. التي استغلت ظروفهن الاجتماعية والاقتصادية..
عصابات المافيا
وفي ظل وضع اقتصادي قاتم كالذي تعيشه فتيات البلطيق وآسيا الوسطى والبلقان يسهل اصطياد الضحايا، قليلات التجربة في الحياة والمتطلعات لحياة أفضل.. غالبيتهن أسيرات التصورات الخاطئة عن التطور والحداثة الأوروبية، والتي تختزل المسألة في التحرر الجنسي والانفلات من التقاليد..
ومن وسائل العصابات المنظمة، استخدام الفتيات أنفسهن في استدراج بنات جنسهن بتزيين الدعارة وعائدها المادي المرتفع، وكذا استخدام بعض الشباب للإيقاع بالفتيات باسم الحب، وبعد سقوطهن يتم تداولهن من قبل عناصر العصابة قبل طرحهن في سوق الدعارة سواء بموافقة الضحية، أو عبر الإمعان في التغرير بها عبر الوعود بالعمل براتب مغر في إحدى الدول الأوروبية.
2.46 مليون طفل في سوق النخاسة الأوروبية
وتزداد الجريمة خطورة، باصطياد عصابات الجريمة المنظمة لـ 2.46 مليون طفل، وفق إحصائيات الأمم المتحدة.
ففي روسيا هناك أكثر من مليون طفل بدون والدين، ويزيد هذا العدد كل عام، بسبب الفقر والعجز الاقتصادي، حيث يخرج للشارع أكثر من 100 ألف طفل، كثير منهم أبناء فتيات دون سن السابعة عشرة، ومنهم في سن الحادية عشرة.. كما تتخلى النساء في «براج» عن 20 ألف طفل سنوياً.
يمثل هؤلاء المشردون من الأطفال سوقاً رائجة لعصابات مافيا تجارة الرقيق الأبيض، في أوروبا والولايات المتحدة وكندا، يضعون للأطفال أسعاراً وفق مواصفات معينة، الأمر الذي يحمل في طياته مآسي كثيرة؛ لدرجة أن أحد المدمنين في روسيا باع ابنه بقارورتي خمر «فودكا»!
وأكدت دراسة قامت بها «جمعية حقوق الطفل» التابعة للأمم المتحدة بيع 20 مليون طفل خلال السنوات العشر الأخيرة، ليعيشوا طفولتهم في ظروف معيشية قاسية، كما فقد 12 ألف طفل بوسنوي أثناء الحرب، تعرض أهاليهم للخداع من قبل عصابات الجريمة المنظمة ومنها منظمة تدعى «سفارة الأطفال» يرأسها صربي، خدعت الأهالي أثناء الحصار بأنها تريد توفير أماكن آمنة للأطفال خارج البوسنة، وأنها ستعيدهم إلى ذويهم بعد ذلك.. وهذا ما لم يحدث ولن يحدث.. بعد أن تم بيعهم لعائلات وكنائس في أوروبا..
وتحدثت الصحافة الإيطالية مؤخراً عن ظهور بعض الأطفال في إيطاليا ــ بعضهم في سن الشباب ــ كانت الكنائس تخفيهم عن الأنظار؛ منهم فتاة أصبحت راهبة بعد تعرضها لعملية غسيل مخ، وهي دون التاسعة من عمرها.
وسائل خبيثة
وتعتمد شبكات الرقيق الأبيض في جلب الأطفال أساليب عدة، منها: سرقة الأطفال حديثي الولادة من المستشفيات والادعاء بأنهم ماتوا، وإيواء المراهقات والعاملات في سوق الدعارة الحوامل، ومؤجرات الأرحام اللواتي يتم وضعهن في أماكن سرية وتنتهي مهمتهن بعد الوضع، فيباع الأطفال أو يستخدمون في تجارة الأعضاء البشرية، بل وصل الأمر إلى حد تهريب المخدرات في بطون الأطفال بعد قتلهم..
إضافة إلى شراء الأطفال من ذويهم كما يحدث في ألبانيا حتى الآن، حيث يباع الأطفال الألبان في سن مبكرة بسعر يتراوح بين 6 و15 ألف يورو، لاسيما إلى الإيطاليين والفرنسيين والألمان..
كما أكدت «جيفيتسا أبادجيتش» أمينة سر «منظمة هلسنكي الدولية لحقوق الإنسان» في البوسنة «للمجتمع» أن الأطفال في البوسنة يباعون بأسعار تتراوح بين 250 و2500 يورو للطفل الواحد.. حيث يضطر الأهالي لبيع أطفالهم بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة للعائلات.
ويتعرض الأطفال داخل بعض الملاجئ إلى اعتداءات جنسية وبدنية وحشية، ومنها ملجأ للأطفال على بعد 15 كلم من مدينة موستار البوسنية، به 203 أطفال جميعهم من الغجر، تتراوح أعمارهم بين 10 و12 سنة، افتتحته منظمة شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة عام 1998م، ويشرف عليه غربيون يمنعون الصحافيين من دخوله بعد إشاعات عن تحويله إلى مركز لاستغلال الأطفال جنسياً، كما يتم فيه بيع الأطفال الغجر.. ومن ذلك بيع غجري لابنته التي تبلغ 14عاماً بـ 15 ألف مارك بوسني أي 7.5 آلاف يورو.
خدعة التبني
وللإفلات من طائلة القوانين التي تمنع تجارة الرقيق يتم استخدام كلمة «تبني»، ويرى مراقبون أن لجوء بعض الدول، لإنشاء مراكز للتبني ليس سوى شكل آخر من أشكال إباحة تجارة الرقيق، ومحاولة لتقنين هذه التجارة البشعة .
ويؤكد «ألكسندر لوناس» ــ وهو ضابط في وزارة الداخلية الرومانية، ويترأس المركز الإقليمي لمكافحة الجريمة المنظمة ــ أن عدداً من النقاط في دول البلقان ومنها كوسوفا وبريتشكو في شمال البوسنة أصبحت أكبر معاقل تجارة الرقيق الأبيض القادم من دول البلطيق وأوروبا الشرقية.
وسائل الإغواء
وحول طرق الإيقاع بالفتيات الضحايا أورد «لوناس» قصة «سفيتلانا» بطلة مالدوفيا السابقة في القفز على الزانة (28 سنة)، حيث استجابت لإعلان نشر في إحدى صحف بلادها يطلب فتيات للعمل في الجمهوريات المستقلة عن يوغسلافيا السابقة، في مجال جني الثمار، وقد انتهى بها المطاف إلى عالم الدعارة، وتم بيعها 6 مرات على يد تجار الرقيق الأبيض، وقد أصيبت بكسر 6 من ضلوعها، عندما حاولت التمرد على جلاديها، ولم يكن ذلك نهاية لمعاناتها فقد وقعت في يد أحد أباطرة تجارة الرقيق في الجبل الأسود، ويدعى «زوران» الذي كان يشغل منصب معاون النائب العام ولم تذق طعم الحرية إلا بعد انكشاف «زوران» وإلقاء القبض عليه وسجنه مؤخراً.
أرباح مالية وخسائر أخلاقية
ويشير تقرير أعده المجلس الأوروبي إلى أن أرباح عصابات الجريمة المنظمة ارتفعت في الفترة الأخيرة إلى 400% في سوق يبلغ عدد ضحاياه وعملائه نحو نصف مليون امرأة، ربعهم من منطقة البلقان، وتحصد منظمات الجريمة المنظمة من هذه التجارة أكثر من 13 مليار يورو سنويا.
وفي دراسة أعدتها «منظمة اليونيسيف» ذكرت أن تجارة النساء والأطفال تزيد في العالم، وخاصة في أوروبا، ووفقاً لنتائج الدراسة التي أعلن عنها في مدينة «كولون» الألمانية؛ يتم بيع 120 ألف نسمة بينهم أطفال ونساء وفتيات في دول الاتحاد الأوروبي80% منهم لا تتجاوز أعمارهن الثماني عشرة سنة، غالبيتهم من دول البلقان.. 90% منهم أجبرن على ممارسة الدعارة.
اليهود أرباب النخاسة
وعلى صعيد آخر، يعتبر الكيان الصهيوني مركزاً لاجتذاب الرقيق الأبيض، وقد زاد عدد بيوت البغاء ــ التي تجبر فيها الأجنبيات على امتهان البغاء ــ من 2000 بيت في عام 2001م إلى 3200 بيت عام 2005م، وفق تصريحات «الميجور يوسي سيدبون» قائد لواء تل أبيب.
وتشير التقديرات إلى أن 30% من الضحايا من المهاجرات من دول الاتحاد السوفييتي «سابقاً» ودول البلقان، ولا يحصلن مقابل ممارسة الدعارة سوى على الطعام والسجائر.. فيما تحاول السلطات الصهيونية التمويه بأنها تكافح تجارة الرقيق الأبيض بطرد نحو 390 فتاة سنوياً، بينما الضحايا بالآلاف، بل تقدر بعض منظمات المجتمع المدني أعدادهن بنحو 10 آلاف امرأة وفتاة.<