تحتاج إلى أرطالٍ من البلاهة، ليستقيم في مداركك أَن عبد الفتاح السيسي أَنقذ العالمين العربي والإسلامي
تحتاج إلى أرطالٍ من البلاهة، ليستقيم في مداركك أَن عبد الفتاح السيسي أَنقذ العالمين العربي والإسلامي، على ما قال جمال الغيطاني. وأنه ثمرة نضال المصريين الذين خرجوا يطالبون بتولية محمد علي حاكماً على مصر، على ما يرى أحمد عبد المعطي حجازي. وأنه يمتلك رؤيةً دقيقة، بحسب فاطمة ناعوت التي قالت إنها ترجو أَلا يخذلها السيسي، “لأن مصر لا تحتمل ثورة ثالثة”. … الشاعرة والشاعر والروائي، كانوا من بين عشرين كاتباً وأديباً مصرياً حظوا، الأسبوع الماضي، بلقاءٍ مع السيد الجنرال، طال أَربع ساعات، على ما ذكرت جرائد ومواقع إلكترونية مصرية، كان ظريفاً منها أنها عرّفت الرجل بأنه المرشح في انتخابات الرئاسة، فيما “الجذاذات” الموجزة التي نشرتها عن اللقاء لا تؤشر إلى هذه الصفة، بل توحي بأن السادة العشرين إنما كانوا يتحدثون إِلى رئيس بلدهم، فأَغدق عليهم شمائلَ وسجايا تفيض عن المجاملات الواجبة، فذهب، مثلاً، إلى أنَّ المفكرين يشكلون ضمير مصر ووجدانها، وأن المثقفين يتولون مسؤولية استعادة العقل المصري الذي تشوّه أخيراً، وطلب (رجاهم على ما قرأنا) من زوّاره بألا يبخلوا عليه بأفكارهم، وطلب أَن يكون الأدباء عيونه التي تضيء الطريق(!).
العجيب في أمر هؤلاء الزوار، كما نقلت عنهم تلك الجذاذات، الشديدة الاقتضاب بشأن أربع ساعات من الحوار والإنصات و”تفهّم مطالب المثقفين”، ومن ردودٍ تحتوي على “جرعات عالية جداً من المصارحة والمكاشفة”، كما قالت سلوى بكر، العجيب في أمرهم أن بكر صرّحت أن أجمل ما في اللقاء أَن السيسي لم يعد بشيء، فيما زميلها في اللقاء نفسه، جابر عصفور، يشيع أَن الرجل وعد ضيوفه بتنفيذ توصياتهم ومطالبهم منه، “في حال فوزه في انتخابات الرئاسة”. ونظنه ذيّل وعده بهذه العبارة استغراقاً منه في الطقس الديموقراطي الوفير الذي تنعم فيه مصر الآن. وعلى ما في الجذاذات نفسها من إيجازٍ مخل، إلا أنها طافت على حزمةٍ غزيرةٍ من القضايا التي خيض فيها في اللقاء، والذي شارك فيه بعض مَن شاركوا في لقاءٍ مع حسني مبارك قبل أسابيع من خلعه، وسمع الاثنان، السيسي ومبارك، منهم الكلام نفسه عن حرية الرأي ودور مصر الثقافي والريادي، إِلى آخره من إنشاءٍ مسترسلٍ من هذا النوع المألوف.
يخبرنا محمد إبراهيم أبو سنة أَن مضيفهم بدأ لقاءه بهم بـ”توضيح” أَنه ما ترشّح إلا لأنه يضع مصلحة مصر أمامه قبل كل شيء، بما فيها مصلحته الشخصية، وهو “المتواضع والخجول والعقلاني”، على ما أَبلغت سلوى بكر جريدةً قاهرية، وإذ هذا سمتُ الجنرال المُهاب، فإن فاطمة ناعوت لم تفرّط في شغفها به، في قولها إِن السيسي مُستدعى من الشعب، وليس مرشحاً رئاسياً. ولم تزد الشاعرة الشابة في الطنبور وتراً في جهرها بالبديهية الأخيرة، فالسيسي ليس مرشحاً، بل رئيس مصر وحاكمها، منذ إطلالته إياها مساء ذلك اليوم إياه الصيف الماضي. وليس أدلّ على صفته هذه من هذا اللقاء، وقد أطنب فيه في الحديث عن “معادلةٍ صعبةٍ دائماً تواجه الدولة، تتمثّل في كيفية تحقيق أمنٍ بدرجة كافية، من دون المساس بمبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان”. يبدو، والله أعلم، أَنه زاد وعاد كثيراً في هذه المعادلة، “الصعبة”، بحسب نعتِه الساذج والمريب لها، رداً على ما سمع من زواره عن الحريات وحمايتها، وعن شاعريْن معتقليْن، لم يكترث بأمرهما، وإنما ألحّ على مسألة الأمن واستحقاقاته التي منها رفض الاحتجاجات والتظاهرات، على ما قال، تصريحاً وتلميحاً، في حواراته التلفزيونية الدعائية أخيراً، والتي انزعج جابر عصفور من خلوّها من أي إشارة إلى الثقافة وشؤونها في مصر، فأتى في اللقاء العتيد على هذا الغياب الذي لم نقع بشأنه على “إيضاحٍ” من الجنرال.
أربع ساعات جمعت عبد الفتاح السيسي مع مثقفين وكتّاب وأدباء، لبعضهم مكانته الإبداعية والنقدية، غاب فيها الجوهري في معنى الثقافة ووظيفتها ودورها، باعتبارها سلطةً ثقيلةً ومسؤوليةً خاصة، عندما صارت “زفّةً” للجنرال الرئيس. أما الساعات التي جمعت مثقفين آخرين مع حمدين صباحي، أمس، فقصة أخرى.
جريدة العربي الجديد