إن الوضع الحالي في مصر لا يمكن أن يستمر، ولا يمكن لمصر أن تخطو خطوة للأمام، بينما أغلب الشعب أو قل نصفه على أقل تقدير يثور في الشوارع
بدون لف أو دوران أو الدخول في تفصيلات وإسهاب، فإن كل ناظر بعمق وموضوعية للوضع الداخلي في مصر يدرك من فوره أن معسكر الانقلاب يحاول جاهداً أن يقفز للأمام خطوات ظاناً أنه بذلك يوقف الحراك الشعبي ويمر بانقلابه إلى بر الأمان، بدا ذلك واضحاً في خطوة الدستور غير المتوافق عليه، والتي أقدمت عليها نخب علمانية متعسكرة كانت في السابق تعيب على الإخوان عمل دستور بلجنة منتخبة شعبياً! فأتوا هم بلجنة معينة لا تمثل اختيار الشعب، ثم كتبوا دستوراً في فترة أقل من فترة كتابة دستور 2012م، وهم الذين زعموا في السابق أنه دستور مسلوق، وبالطبع لا يفوتنا أن دستور 2014م أعطى صلاحيات أكثر للمؤسسة العسكرية بالإضافة إلى تحصين قياداتها.
ثم ماذا؟ ثم خطوة أخرى بإجراء استفتاء هزلي غاب عنه جل الشعب المصري وخاصة فئة الشباب وهي التي بدأت الثورة، وقامت القنوات تدعي كذباً أن الحضور يزيد على 20 مليون مشارك، وهي أكذوبة أخرى كأكذوبة الـ33 مليون متظاهر في 30 يونيو.. ثم خطوة أخرى أقدموا عليها وهي انتخابات رئاسية! والحقيقة أني أشبه الوضع الحالي في مصر، بجماعة قررت أن تشيد عمارة في السماء أو بدون أساس، وكلما بنوا دوراً ازدادت نشوتهم بالنجاح، غير مبالين أنه لا أساس للمبنى، وأنهم في حقيقة الأمر يبنون في الهواء! وأن معطيات الفيزياء تؤكد أنه كلما ارتفع البناء في الهواء أو على أرضية غير مؤسسة جيداً؛ اقترب وقت السقوط.
أيها السادة، إن الوضع الحالي في مصر لا يمكن أن يستمر، ولا يمكن لمصر أن تخطو خطوة للأمام، بينما أغلب الشعب أو قل نصفه على أقل تقدير يثور في الشوارع وغير مقر بالانقلاب وخطواته، وبينما ينهار الاقتصاد ويزداد القمع وتتدهور الأحوال وتتسع دائرة الحراك الثوري نجد أن النخب العلمانية المتعسكرة تحلم بأن من انتخبوا الإخوان وأعطوهم أصواتهم في 5 استحقاقات انتخابية سابقة قد تبخروا ولم يعد لهم وجود حقيقي، ولعلهم غداً يستيقظون من نومهم على حقيقة الملايين في الشوارع تحاصر مؤسسات الانقلاب ومنازل عصابته وتحاكمهم ثورياً هذه المرة بدون اللجوء لمحاكم صارت شريكة في الثورة المضادة منذ أول أيامها.
إن الحقيقة التي لا يستطيع أحد أن ينكرها، أن الحراك الشعبي الرافض للانقلاب يتزايد يوماً بعد يوم، وأن جرائم الانقلاب المستمرة تغذي هذا الحراك بآلاف الثوار المنضمين يومياً، والذين يتحينون لحظة الخلاص وساعة الحسم، وأنه كلما قتل الطاغية فرداً ألهبت دماؤه الثورة في عقول أهله وجيرانه وأقاربه وأصدقائه، فنزلوا للشارع وانضموا لقوافل المسيرات التي تسعى للعدل والقصاص، غير مؤمنين بأي طريق آخر غير طريق الثورة، بعد أن تورطت كل المؤسسات في انقلاب سافر على نتائج أول انتخابات حقيقية في مصر في تاريخها, وبدلاً من أن تدعم التجربة الوليدة وتسعى للتغيير عبر الآليات الشرعية التي كانت مفتوحة في ذلك الوقت قامت بوأدها في مهدها والتآمر عليها.
ودعوني أصرح لكم أن الثورة مستمرة، وأنها ثورة واحدة وليست ثورتين أو ثورات.. إنها ثورة 25 يناير 2011م التي تجوب الشوارع وتمتد للحواري والقرى والنجوع، برغم كبواتها وانكساراتها وسذاجة بعض من شاركوا فيها, من أولئك الذين ساهموا في ثورة مضادة وانقلاب عسكري بقصد أو بدون قصد، وها هم يفيقون الآن بعد أن صار كثير منهم نزيل معتقلات الانقلاب، صادقاً فيه ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم: “من أعان ظالماً ذل على يديه”، والعجيب أن البعض الحر الطليق أعماه اختلافه الفكري وبغضه للتيار الإسلامي عن تصور حقيقة الأمر، فمازال يفكر؛ هل ينضم للثورة المستمرة في الشوارع أم يجلس في بيته منتظراً دوره في انتقام الثورة المضادة من كل من شارك في ثورة يناير على اختلاف اتجاهاتهم؟! ومن المستغرب أن يشترط البعض لمشاركته شروطاً كعدم عودة المؤسسات المنتَخَبة، ومنها الرئيس “مرسي” على سبيل المثال؛ ذلك لأنه يختلف مع بعض سياساته وبالتالي يرفض عودته! وهذا تصور عجيب؛ لأن عدم عودة الشرعية تعني تلقائياً أن الانقلاب نجح فيما سعى إليه وأقصى أصوات المصريين؛ مما يسمح بتكراره في المستقبل مرات ومرات، ناهيك عن أن الملايين التي تثور منذ عام تقريباً غير مبالية بقمع ورصاص واعتقال، وتكتسب أرضاً كل يوم لا يمكن أبداً أن تتخلى عن مطلب عودة الشرعية, الذي يمثل لها قصاصاً لآلاف الشهداء وحرية لآلاف الجرحى والمعتقلين! حتى وإن كانت العودة بشكل مؤقت ثم إجراء انتخابات، أو من خلال أي تصور آخر يتفق عليه الثوار بما لا يهدر أصوات الملايين.
إن الشارع بالفعل ينضم للحراك الثوري المستمر منذ 11 شهراً، ولقد صار السواد العام من المعارضين لحكم العسكر في أكثريتهم من مؤيدي الشرعية؛ وبالتالي من يحب أن ينزل ليطالب بمطالب لا تتضمن عودة الشرعية فهو يضحك على نفسه، وسرعان ما سيشعر أنه وحيد في الشارع، وسيمر بنفس مرحلة القمع والاعتقالات والظلم التي تعرض لها مؤيدو الشرعية، وبالطبع لن يصل لحجم الحراك الحالي.
إذن المنطقي والواقعي الذي تفرضه طبيعة الوضع الحالي، أن ينزل كل ثائر حر شارك في 25 يناير أو حتى لم يشارك فيها ولكنه آمن بمطالبها من حرية وكرامة وعدالة إنسانية، لينضم للحراك الثوري الحالي، واضعاً تصوراته المسبقة جانباً التي غذاها إعلام الفلول والاستقطابات التي خططت لها أجهزة المخابرات وأمن الدولة, ومنحياً خلافاته السياسية من أجل أن يكتمل الصف الثوري وتضرب موجاته بنيان الطغاة فتهدمه، محررة آلاف المعتقلين ومقتصة لآلاف الشهداء والمجروحين.
لقد أصبح كل يوم جمعة كموجة ثورية جديدة تنخر في شاطئ الانقلاب العسكري الدموي، وقريباً جداً بإذن الله سيكون هناك “تسونامي” هائل يدمر الشاطئ بمن ظن أنه استقر عليه.. ولعلي أخبرك أن تجردك للحق ونزولك سيعجِّل بهذا “التسونامي”، وسيصحح كثيراً من الأوضاع بعد أن وعى جميع الثوار الدرس جيداً هذه المرة.