على ناصية شارعنا وعقب صلاة العصر، تأتي بفرن الغاز، والأنبوبة، وتفترش مكانها المعتاد هي وكنتها – زوجة ابنها – ومن حولهما يقف أحفادها يلعبون ويمرحون، تشوي أكواز الذرة، وتبيع “الكوز” بجنيه وأحياناً بجنيه ونصف الجنيه!
على ناصية شارعنا وعقب صلاة العصر، تأتي بفرن الغاز، والأنبوبة، وتفترش مكانها المعتاد هي وكنتها – زوجة ابنها – ومن حولهما يقف أحفادها يلعبون ويمرحون، تشوي أكواز الذرة، وتبيع “الكوز” بجنيه وأحياناً بجنيه ونصف الجنيه!
دائماً ما تشدني هذه الظواهر.. هذه عادتي.. سألتها: ما المكسب الذي تحصل عليه في اليوم؟ أجابت: إن المكسب غير محدد.. أحياناً سبعة جنيهات في اليوم! وأحياناً عشرة! وأخرى ثلاثة عشر جنيهاً! وأردفت: طبعاً قيمة الغاز من هذا المكسب!
ذكرتني بتلك المرأة الخمسينية التي التقيتها قدراً عقب صلاة الفجر أثناء إحدى الرحلات ومعها طست به قطع من “الجبن” تذهب لتبيعه بالإسكندرية.. سألتها عن أحوالها؟ قالت: إنها مُطلقة منذ أمد بعيد.. ولديها أربع بنات، زوّجت ثلاثة منهن، وبقيت بنت واحدة في الإعدادية تسعى لتجهيزها وتزويجها! شعرت بآلام دهمتني فجأة.. جعلتني مكتئباً طوال اليوم.
كان السؤال الذي يطرح نفسه بقوة وقتها: أين ما يُسمى “المجلس القومي لحقوق المرأة”؟ أين هؤلاء الفاشلات اللاتي تخصصن في الحديث عن غشاء البكارة، والختان، وتحريض الزوجات ضد أزواجهن بزعم حقوق المرأة؟ ما عمل هذه الجمعيات لهؤلاء النسوة اللواتي لا يجدن من ينفق عليهن؟ أي عار هذا؟
أما الآن ففي ظل هذا الانقلاب النازي الدموي، السؤال: ما الذي سيقدمه أناس جاؤوا للحكم عبر دهس جماجم المصريين؟ وهل يجوز أن نتكلم على عدالة اجتماعية في ظل هذه الغابة التي نعيش فيها؟
لنأخذ نموذج أحد سدنة الانقلاب الصليبي الذين روّجوا له وأيدوا قتل وسحل من يعترض على الانقلاب على الشرعية والدستور والديمقراطية.. إبراهيم عيسي الذي يقدم نفسه كفيلسوف وإعلامي وروائي وعالم فلك.. وأي حاجة!
إبراهيم عيسي بدأ في مدرسة “روزا اليوسف”؛ حيث العمالة الصريحة للأمن وكتابة التقارير، وبدأ صعوده المريب بالهجوم القذر على الشيخ الشعراوي، وتولي رئاسة تحرير جريدة “الدستور” عام 1995م، وعينت له الدولة حراسة أمنية بزعم أنه تلقى تهديدات بالقتل! ولما خرج عن النص أغلق ساويرس جريدته عام 1997م.
عاد مرة أخرى عام 2005م في إطار صفقة مع نظام “حسني مبارك”.. بموجبها يدعي عيسى أنه يعارض النظام ومن خلال جريدته يسهل للأمن ملاحقة المعارضة الحقيقية وكشف تحركات من يعارضون “حسني مبارك”.
عمل إبراهيم عيسى من عام 2005 وحتى عام 2010م على الترويج لأكذوبة اضطهاد الأقباط.. وسمح لقساوسة التطرف والإرهاب أن يكتبوا مقالات أسبوعية بجريدته من عينة فلوباتير، ومتياس نصر، ومنقريو سويوتا، ومرقص عزيز.. كما روّج بوقاحة منقطعة النظير لأكذوبة ظهور “العذراء” فوق كنيسة بالوراق! وأخذ يروّج من خلال مقالاته أن المسيح عليه السلام صُلب، وأن النصارى يوحدون الله! كما نشر دراسات قذرة تنال من الصحابة والأحاديث النبوية الشريفة، وتنشر المذاهب الضالة.
وفي إطار اختلافه مع رجال الأعمال الذين يموّلون جريدته لرفضهم رفع مرتبه ترك الجريدة.. ثم جاءت ثورة يناير وزعم أنه أحد قادتها! وأسَّس جريدة “التحرير”، ودخل في “بيزنس” الفضائيات، واشترك مع بعض رجال الأعمال في تأسيس قناة “التحرير” التي كانت حصته منها بعد بيعها 56 مليوناً!
ادَّعى أنه يعارض المجلس العسكري إبان حكم طنطاوي، وعنان.. ثم سخَّر كل مفردات مستنقع السفالة التي تشربها طوال عمره ليشنع على جماعة الإخوان المسلمين.. حتى تسبب هذا الهجوم في قربه من ساويرس ليمنحه برنامجاً في قناته “أون تي في” مقابل 200 ألف جنيه في الشهر!
ظل إبراهيم عيسى طوال حكم الرئيس “محمد مرسي” يتهجم بالمقالات المنحطة التي تعبر عن مستواه وأخلاقه.. وانتقل لقناة “القاهرة والناس” ليقدم وصلات الردح وقلة الأدب مقابل 300 ألف جنيه في الشهر! ثم انتقل لـ”أون تي في” مرة أخرى مقابل ما يُقارب نصف مليون شهرياً.. ليواصل تقديم وصلات الردح والإفك.. وليسبّ الشعب الذي قاطع مسرحية ما تُسمى “انتخابات الرئاسة”، ويتهمه بالجهل وعدم التربية! المهم أن يرضى عنه سيده ساويرس.
إبراهيم عيسى وظيفته في الحياة هي بث الأكاذيب والطعن في الأعراض وتشويه سمعة عباد الله.. ويتقاضى على هذه الوظيفة ما يقارب المليون جنيه (عائد دخله من جريدة “التحرير” وعمله بالفضائيات).
ليس لمثل عيسى أن يدافع عن بائعة الذرة.. أو سيدة لا تمتلك ثمن حليب لرضيعها.. أو مطلقة انقطعت بها السُّبل.. أو شباب لا يجدون مأوى.. المهم هو أن يعدّ الملايين التي تدخل جيبه.. وليذهب الشعب إلى الجحيم!
إبراهيم عيسى لا يعنيه في الانقلاب سوى غياب العدالة.. تلك العدالة التي إن كانت موجودة لتمت محاكمته على ما نهبه من أموال.. لتمت محاكمته على ازدراء الإسلام الحنيف.. لتم تقييمه من الناحية المهنية وأنه لا يساوي “تعريفة” في سوق الصحافة والعلم.
إبراهيم عيسى لا يدافع عن الانقلاب من وجهة نظر سياسية؛ فهو لا يفقه سوى “لغة المال”، أو كما يقول المثل: “قرش ببصل وبصل بقرش”! وفوق هذا يدفعه كرهه للإسلام لاتخاذ مواقف نازية مجرمة تجاه من يعارضون الانقلاب الصليبي.. فالمهم لديه أن يعلو الصليب فوق راية التوحيد.
ويبقى أن نعتذر لبائعة الذرة.. نحن في غابة.. لا مكان فيها للفقراء والمهمشين والمحرومين ومن يخالفون سياسة الطاغوت.. هذه الغابة لا تحفل إلا بإبراهيم عيسى ورفاقه في كباريهات “التوك شو”!