وَكَمْ ذَا بِمِصْرَ مِنَ المُضْحِكَاتِ*** وَلَكِنَّهُ ضَحِكٌ كَالبُكَا
قالها أسطورة الشعر المتنبي منذ ألف عام:
وَكَمْ ذَا بِمِصْرَ مِنَ المُضْحِكَاتِ*** وَلَكِنَّهُ ضَحِكٌ كَالبُكَا
وكلما مضي يوم.. كلما أثبتت الأيام صدق ما قال.. ضحك كالبكاء.. وهل ثمة ضحك بل مسخرة أكثر من تلك المسخرة الحادثة الآن بسبب ما تردد بشأن وقف بعض القنوات الفضائية مسلسلاً لأحد صبيان الانقلاب النازي الكاتب بلال فضل؟
بلال فضل تلميذ إبراهيم عيسي.. خرج عن صمته.. فمنع مسلسله، يُمثل طامة كُبرى.. ومصيبة عظمى! جُمع الناس لميقات يوم معلوم.. حفلة تطبيل كبرى تنديداً بمنع عرض المسلسل الذي يتقاضى فيه بلال فضل سبعة ملايين.. على الجميع أن يثور وينتفض.. فكيف يُحرم بلال فضل من هذه الملايين؟! كيف يُحرم الشعب من إبداعات ودُرر وجواهر صاحب الملحمة التاريخية “حاحا وتفاحة”؟ صاحب السفر الجليل “الصراحة راحة وإنت ما بتعرفش”؟! كيف يُمنع مسلسل صاحب النوادر التالية: “صايع بحر – سيد العاطفي – بلطية العايمة – خالتي فرنسا – علي سبايسي”؟
الآن انتفض بلال فضل من أجل الملايين.. من أجل السيارات.. من أجل الشاليهات الجديدة في القرى السياحية.. انتفض بلال فضل وكل بلال فضل يبحث عن مصلحته وليذهب الوطن للجحيم.
قارنت بين تلك الهوجة الصاخبة العبثية الإجرامية بسبب الحديث عن منع عرض مسلسل تافه.. وبين سكوت نفس الأشخاص على جميع الجرائم التي حدثت منذ بدء الانقلاب الصليبي.
لم يؤثر في جلودهم السميكة ذلك الفتى المحطم الذي ينادي جثمان والدته التي استشهدت برصاصات الخيانة والغدر في فض اعتصام رابعة العدوية.. صرخاته تمزق القلوب: “بالله عليكِ اصحي يا ماما.. يا ماما..”، فقد الفتي روحه.. فقد الأم.. فقد الحياة.. لكن أعداء الروح والحياة انتفضوا من أجل ما يُشاع عن منع عرض مسلسل “أهل الإسكندرية” واعتبروه قارعة من السماء!
لم يؤثر في جلودهم السميكة قتل آلاف المسلمين.. وحرق جثثهم.. وحرق مسجد رابعة العدوية بما فيه من أموات وأحياء ومصاحف.. واقتحام مسجد الفتح برمسيس بالأحذية ودكه بالجرينوف والرصاص.. ومذابح الحرس الجمهوري والنهضة ورابعة العدوية ورمسيس والإسكندرية والمنصورة.. واغتصاب البنات واعتقال الأطفال والشيوخ والنساء والطلاب.. واقتحام الجامعات بالدبابات والمجنزرات وإلقاء قنابل الغاز في قاعات المحاضرات.. وفصل أساتذة الجامعات وأئمة المساجد.. وإغلاق المساجد ومنع الاعتكاف.. وإغلاق الصحف والفضائيات.. واعتقال المعاقين.. وقتل المعتقلين في سيارات الترحيلات.. وتلفيق التهم المضحكة.. وتعذيب المعتقلين ومنع الماء والطعام عنهم.. ومصادرة الأموال.. وأحكام الإعدام.. ومطاردة شيوخ وعلماء الإسلام.. وتجريم الصلاة على النبي.. واختراع دستور يصادم الإسلام ويسمح بازدراء الدين تحت زعم حرية التعبير.. وإطلاق يد الكنيسة لتعيث في الأرض الفساد.. ومنع عباد الله من السفر.. والتهجم على البيوت وانتهاك الحرمات قُبيل الفجر بدقائق… إلخ.
لم يؤثر في هؤلاء القتلة أي شيء.. إنما أثر فيهم.. يا عيني.. مسلسل الإمام البحر الحبر الجليل الفهامة العلامة وحيد العصر وحجة الزمان بلال فضل!
تماماً.. كما لم يؤثر فيهم ما يربو على التسعين ألف معتقل.. ونددوا فقط باعتقال خمسة أشخاص من 6 أبريل شاركوا في الانقلاب!
أرأيتم مدى الوقاحة والانحطاط والعبث والسخف والدجل والقرف؟
لم يؤثر في جلودهم السميكة خطف وطن بأكمله وتسخيره لحساب مشروع نازي دموي يشعل الحرب الأهلية ويبث الفرقة والشقاق ويزكي روح الكراهية العمياء في ربوع الوطن.. لكن المهم أن يجمع بلال فضل الملايين.. وأن يُحدث “التابلت” والسيارة والفيلا.. هذا ما يعنيهم..
بلال فضل قام بالترويج للانقلاب الصليبي.. وتطاول على الرئيس “محمد مرسي” ببذاءة منقطعة النظير.. وأيد قتل من يعارضون الانقلاب الصليبي.. تارة بالصمت وأخرى بالتبريرات المقززة.. وظل يتحدث عن “الفاشية الدينية” و”خفافيش الظلام”، و”مرسي وجماعته وعشيرته”.. لم يهتز له جفن.. بسبب بحور الدماء ودهس جماجم المصريين الأحرار.. المهم لديه هو إرضاء سيده “ساويرس”.. وجمع الأموال وركوب أحدث موديل.. وليذهب الفقراء إلى الجحيم.
الفقراء والطبقات المنسية هي مجرد شعارات تُرفع للمتاجرة.. المهم ملء الجيوب والكروش بالدولارات والجنيهات.
هناك الكثير من القضايا تستحق التوقف أمامها.. لكن القتلة الذين أيدوا القتل والترويع يصرخون الآن من أجل مصالحهم الشخصية.. ويُريدون شغل الناس بقضاياهم العبثية التافهة.. أليس هذا هو “السيسي” الذى استدعيتموه ليحرركم من “فاشية” مرسي المزعومة؟ فلماذا تشتكون الآن يا عبيد البيادة؟
لا توجد أي فائدة من مسلسل بلال فضل سوى الملايين التي تدخل جيبه.. وهذه مشكلة شخصية بينه وبين أسياده في نظام الانقلاب.
إن الشعب الحر الأبي يواصل معركته لاسترداد حريته وكرامته ومكاسب ثورة يناير.. بينما هؤلاء العبيد خدم الانقلاب يتاجرون باسم ثورة يناير ويكتبون هذا الغثيان وهم في الغرف المُكيفة.
وعود على بدء.. إن البطل الحقيقي هو ذلك الفتى الذي كان يستصرخ جثمان والدته: “بالله عليكِ اصحي يا ماما”.. أما غلمان الانقلاب فآخرهم: “الصراحة راحة وإنت ما بتعرفش”!
عاشت الثورة.. والنصر للأحرار